بسم الله الرحمن الرحيم
قرأت مقالا غريبا عجيبا يقرر فيه كاتبه - هداه الله - ربط أحاديث السفياني ببعض الأحداث المعاصرة، والتي لا وجه للربط فيما بينها من قريب أو بعيد.
وقد قال الأولون مقولة عظيمة وهي: أثبت العرش ثم انقش.
وإليكم الرد على ذلك المقال، وأسأل الله أن أكون قد وفقت إلى الصواب.
الحمد لله وبعد.
إني لأعجب من هذا الطرح الغريب لهذا الموضوع، ولقد رأيت لازماً أن أرد على هذه الترهات - وهذا أقل ما أقوله عن الموضوع -، وأبين حقيقة ما سُطر هنا من قِبل المدعو \" أبو الحارث الأزدي \" وغيره بخصوص السفياني.
وإليكم ملحوظاتي على هذا المقال وهي كالتالي:
أولا: أن المدعو \" أبو الحارث الأزدي \" أحدُ شخصين:
1 - إما \" سني \" جاهل بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، جاهل بالوعيد الذي ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكذب عليه، فيكون حاله حال حاطب الليل الذي جمع الحطب ولا يدري هل هو حطب أم أفعى تهلكه؟
ولعلي أكتفي بحديثٍ, واحدٍ, فقط:
عَن أَبِي قَتَادَةَ قَالَ : سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَلَى المِنبَرِ: يَا أَيٌّهَا النَّاسُ º إِيَّاكُم وَكَثرَةَ الحَدِيثِ عَنِّي، فَمَن قَالَ عَلَيَّ، فَلَا يَقُل إِلَّا حَقًَّا صِدقًا-، وَمَن قَالَ عَلَيَّ مَا لَم أَقُل، فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِن النَّار.
رواه الدارمي (243)، وأحمد (5/297)، وابن ماجه (35). وسنده صحيح.
ولعل في هذا الحديث ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
2 - وإما \" رافضي \" جاء إلى هنا لكي يروج بضاعته على أهل السنة، وهيهات له ذلك.
وسنعرف بعد قليل لماذا قلت هذا الكلام؟
ثانيا: طريقة الربط بين موضوع السفياني وبين الأحداث التي سردها، وربطها به.
وهو ربط عجيب غريب، وكما يقولون: أثبت العرش ثم انقش.
أثبت صحة أحاديث السفياني أولا، ثم بعد ذلك قم بعملية الربط هدانا الله وإياك.
ثالثا: ما يتعلق بأحاديث السفياني في النقاط التالية:
1 - إن من أشهر من تكلم في موضوع \" السفياني \" وتوسع في ذكره هو \" نُـعـيـم بن حـمـاد \" في كتابه المشهور \" الـفـتـن \"، فقد عقد أكثر من عشرة أبواب في شأن السفياني، من ذكر اسمه، ونسبه، وصفته، وبدء خروجه، وغير ذلك.
وقد قال عنه وعن كتابه الإمامُ الذهبي في السير (10/609): قُلتُ: لاَ يَجُوزُ لأَحَدٍ, أَن يَحتَجَّ بِهِ، وَقَد صَنَّفَ كِتَابَ (الفِتَنِ)، فَأَتَى فِيهِ بِعَجَائِبَ وَمَنَاكِيرَ. ا. هـ.
وغالب ما ذكر في المقال من أحاديث بخصوص السفياني من الكتاب المذكور.
2 - أن كل ما ورد من أحاديث سواء كانت مرفوعة أو موقوفة بخصوص السفياني لا يصح منها شيء.
وممن قرر ذلك الشيخ حمود التويجري - رحمه الله - في إتحاف الجماعة (1/49)، والشيخ الطريقي كما في جواب له في \" منتدى أهل الحديث \".
3 - اتهم الشيخ عبد الله بن محمود في كتابه الذي ألفه في إنكار خروج المهدي بني أمية أنهم هم الذين رفعوا لواء أحاديث السفياني في مقابل الأحاديث التي في المهدي، وقد رد الشيخ التويجري عليه في كتاب \" إتحاف الجماعة \".
قال محقق كتاب \" السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها \" لأبي عمر الداني (6/1026):
وأضيف إليه أي إلى كلام التويجري في رده على تهمة المحمود لبني أمية إن العقل السليم لا يقبل أن بني أمية هم الذين وضعوا الأحاديث في السفياني، لأن الأحاديث تنال من أعراضهم وكرامتهم أكثر مما ترفعهم أو تهدد أعداءهم وترجف بهم، بل الظروف تشير إلى أن الشيعة هم الذين عملوا وضعها، إذا صح القول بوضعها، لأن كتبهم مليئة بذكر السفياني، وذهبت في تصوير هذا الرجل كل مذهب بما يشوه سيرة الأمويين ويسيء إلى سمعتهم انظر على سبيل المثال: بحار الأنوار لمحمد باقر المجلسي، باب علامات ظهوره (المهدي) من السفياني والدجال وغير ذلك -، ويؤيد هذا أن أكثر ما ورد في الآثار منسوب إلى علي بن أبي طالب، وأبي جعفر الصادق، ومحمد بن علي الباقر، ومحمد بن الحنفية وغيرهم ممن يعتقد فيهم الشيعة.
فلا يستبعد أن الوضاعين من الشيعة اختلقوا هذه الأثار والأسانيد لها ثم ألصقوها بهؤلاء الأئمة، ثم تسرب الكثير منها إلى كتب أهل السنة والله أعلم. ا. هـ.
ولعلكم بعد هذا الكلام عرفتم لماذا قلت في بداية المقال أنه \" رافضي \".
وأختم بعبارات جميلة ذكرها الحافظ الذهبي في السير (10/604) تكون نبراسا لمن أراد أن يتعلم العلم الصحيح، ويبتعد عن مثل هذه الأحاديث الموضوعة، والقصص الباطلة.
قال الذهبي: فَإِنَّ العِلمَ الوَاجِبَ يَجِبُ بَثٌّهُ وَنَشرُهُ، وَيَجِبُ عَلَى الأُمَّةِ حِفظُهُ، وَالعِلمُ الَّذِي فِي فَضَائِلِ الأَعمَالِ مِمَّا يَصِحٌّ إِسنَادُهُ يَتَعَيَّنُ نَقلُهُ وَيتَأَكَّدُ نَشرُه ُ، وَيَنبَغِي لِلأُمَّةِ نَقلُه ُ، وَالعِلمُ المُبَاحُ لاَ يَجِبُ بَثٌّه ُ، وَلاَ يَنبَغِي أَن يَدخُلَ فِيهِ إِلاَّ خَوَاصٌّ العُلَمَاءِ.
وَالعِلمُ الَّذِي يَحرُمُ تَعَلٌّمُهُ وَنَشرُه ُ: عِلمُ الأَوَائِلِ، وَإِلَهِيَّاتُ الفَلاَسِفَةِ، وَبَعضُ رِيَاضَتِهِم - بَل أَكثَرُهُ - وَعِلمُ السِّحرِ، وَالسِّيمِيَاءُ، وَالكِيمِيَاءُ، وَالشَّعبَذَةُ، وَالحِيَلُ، وَنَشرُ الأَحَادِيثِ المَوضُوعَةِ، وَكَثِيرٌ مِنَ القَصَصِ البَاطِلَةِ أَوِ المُنكَرَةِ، وَسِيرَةُ البَطَّالِ المُختَلَقَةُ، وَأَمثَالُ ذَلِكَ، وَرَسَائِلُ إِخوَانِ الصَّفَا، وَشِعرٌ يُعَرَّضُ فِيهِ إِلَى الجَنَابِ النَّبَوِيِّ، فَالعُلُومُ البَاطِلَةُ كَثِيرَةٌ جِدّاً فَلتُحذَر، وَمَنِ ابتُلِيَ بِالنَّظَرِ فِيهَا لِلفُرجَةِ وَالمَعرِفَةِ مِنَ الأَذكِيَاءِ، فَليُقَلِّل مِن ذَلِكَ، وَليُطَالِعهُ وَحدَهُ، وَليَستَغفِرِ اللهَ -تَعَالَى- وَليَلتَجِئ إِلَى التَّوحِيدِ، وَالدٌّعَاءِ بِالعَافِيَةِ فِي الدِّينِ، وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَكذُوبَةٌ وَرَدَت فِي الصِّفَاتِ، لاَ يَحِلٌّ بَثٌّهَا إِلاَّ التَحذِيرُ مِنِ اعتِقَادِهَا، وَإِن أَمكَنَ إِعدَامُهَا، فَحَسَنٌ. اللَّهُمَّ فَاحفَظ عَلَينَا إِيمَانَنَا، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. ا. هـ.
اللهم آمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد