بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الخطبة الأولى:
أيها الإخوة: لقد جابه الدعوة الإسلامية أعداء مختلفون، مستخدمين كافة الوسائل الظاهرة والباطنة للصد عن سبيل الله منذ بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- وحتى هذه اللحظة، وستبقى العداوة بين الحق والباطل وسيبقى الصراع إلى أن يشاء الله، والأيام دول فيوم لنا ويوم علينا، ورغم ذلك فهناك بقية من أهل الحق تقل وتكثر، وتضعف وتقوى، لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم بإذن الله.
أيها الإخوة: إننا نعاني هذه الأيام من اجتماع قوى الشر وتعاونهم على الباطل ضد الإسلام، وإن مما يحز في النفس أننا نرى أبناء جلدتنا وأناساً يتكلمون بلغتنا، بل ومنهم من يعتبر من الدعاة أو الكتاب الإسلاميين، من يدور في فلك هؤلاء الأعداء من الماسونية العالمية أو الصهيونية، سواء كان بعلم أو بغير علم، فإن كان لا يعلم فتلك مصيبة وإن كان يعلم فالمصيبة أعظم.
إننا نسمع منذ فترة من الزمن، الدعوة إلى التقارب بين الأديان، والدعوة إلى وحدة الأديان. دعاوى يراد بها الجمع بين الحق والباطل، بين الطيب والخبيث بين الصلاح والفساد قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون....
أيها الإخوة: إن اليهود والنصارى كفار أعداء لله ولرسوله وللمؤمنين، فهم يكذبون بالله وبرسوله، ويسبون الله ورسوله. جاء في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قال الله -عز وجل-: كذبني عبدي، ولم يكن ذلك له، وشتمني عبدي ولم يكن ذلك له.. أما تكذيبه إياي أن يقول: لن يعيدنا كما بدأنا، وأما شتمه إياي أن يقول: إن لله ولداً، وأنا الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد)).
وكما قال -تعالى-: "وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون"، وقال -تعالى-: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثةٌ وما من إله إلا إلهٌ واحد".
فكيف يتم التقارب مع هؤلاء الكفار؟ إن الواجب علينا دعوتهم إلى الحق. إلى الإيمان بالرسل، لأنهم أيها الإخوة لا يؤمنون بأحدٍ, من الرسل حتى رسلهم فإنهم يكذبونهم، لأنهم أيها الإخوة: لا يؤمنون بموسى ولا عيسى، لأنهم لو آمنوا وصدقوا لدخلوا في الإسلام، لأن كل نبي يبشر أمته وقومه بقدوم محمد -صلى الله عليه وسلم- ويخبرهم بوجوب الإيمان به، ولكن القوم يتبعون أسيادهم الذين خالفوا الأنبياء وكذبوا على الله بأن ألفوا كتباً وقالوا: هذه من عند الله وما هي من عند الله كما أخبرنا -سبحانه وتعالى- عن ذلك في كتابه العزيز حيث قال: فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون، لذلك الصحيح هو بيان الحق لهؤلاء المضَللون من عامة اليهود والنصارى، ومقارعة زعمائهم ورهبانهم بالحجةِ والبيان وفضح مخططاتهم وأساليبهم في تلبيس الحق بالباطل لغواية بني جنسهم ووضع غشاوة على عيونهم حتى لا يؤمنون، ونبدأ معهم بالآيات المبينة لذلك وتفسيرها لهم.
"قــل يا أهـل الكتاب تعالـوا إلى كلمـةٍ, سواءٍ, بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أربـاباً من دون الله فـإن تولــوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون"، ونبين لهم أن الدين عند الله الإسـلام فهـو دين الرسـل من نـوح -عليه السلام- إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. أما أن نتنازل عن ديننا ونخاطبهم باسم الإيمان أو باسم أنهم أتباع الأنبياء السابقين ونسبتهم إليهم كما يقال مسيحي، فهذه النسبة خطأ لأن كلمة مسيحي أي أنني أنسب الشخص إلى المسيح -عليه السلام-، فاليهودي لا يمكن أن أقول له موسوي، والمسلم لا يمكن أن أصفه محمدي، بل يقال يهودي ونصراني ومسلم. وقد حذرنا الله من اليهود والنصارى ومن موالاتهم.
قال -تعالى-: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين". وللأسف إن هناك شبهاً تلقى على الناس حيدة عن الحق وتضليلاً للعقول وذلة وتبعية للكفار، لأن الذي يلقي هذه الشبه هم من الأذناب لليهود والنصارى، حتى وإن عُرفوا بأنهم من الدعاة أو الكتاب الإسلاميين فقائل يقول: كيف يدخل مخترع الكهرباء النار وهو قد أضاء لنا الدنيا؟ وآخر يقول: كيف نعادي اليهود والنصارى ونحن حتى الأدوات التي في المساجد من اختراعهم وصناعتهم؟ وثالث يقول: هذا رسول الله رهن درعه عند اليهودي وزار جاره المريض وهو يهودي فلماذا تدعوننا لغير ذلك؟ والصحيح أن هذا من قلب الحقائق ومن التضليل. فاليهودي الذي عامله النبي-صلى الله عليه وسلم- بصفته مواطناً مقيماً تحت رعاية دولة الإسلام قد أخذ عليه العهد وعلى قومه في معاهدة مشهورة معروفة، فحينما خان قومه العهد وظاهروا المشركين على المسلمين كان جزاؤهم القتل والسبي ومصادرة الأموال، أما إذا عاش الكفار بين المسلمين على الشروط التي وضعها النبي -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين فلا بأس بذلك مع دفعهم الجزية للخزينة الإسلامية.
ونذكر من هذه الشروط ما ذكره أهل العلم ونقلوه في كتب التفسير والفقه وغيرها حيث شرط أهل الكتاب على أنفسهم أن لا يحدثوا ديراً ولا كنيسة ولا صومعة ولا يجددوا ما خرب منها وأن يقوموا بإطعام المسلمين الذين يمرون بديارهم ثلاثة أيام وأن لا يؤوا جاسوساً ولا يكتمون غشاً للمسلمين وأن لا يعلموا أولادهم القرآن ولا يظهرون بدعهم وشركهم وأعيادهم ولا يصدون أحداً من أهلهم أو يمنعونه من دخول الإسلام. وأن يوقروا المسلمين ويقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس وأن لا يتشبهوا بالمسلمين في لباس أو كلام أو الكنى ولا يركبون السرج ولا يتقلدون السيوف ولا يتسلحون بأي نوع من السلاح ولا يحملونه وأن لا يبيعوا الخمور ولا يظهرون الصليب ولا يدقوا الأجراس أو النواقيس ولا يرفعوا أصواتهم بترانيم صلاتهم وأن يجزوا مقدم رؤوسهم حتى يُعرفوا وأن لا يظاهروا أحداً ضد المسلمين، ولا يضربوا أحداً من المسلمين أيضاً ولا يطلعوا على بيوتهم فإن هم خالفوا ذلك فلا ذمة لهم.
هذه بعض الشروط التي عقدها أهل الكتاب على أنفسهم وقد أذلهم الله وأمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن لا نبدأهم بالسلام، وإذا لقينا أحدهم في طريق اضطررناه إلى أضيقه، ومع هذا يعيشون بين المسلمين فيبيعون ويشترون ويأكلون طعامهم مع الاستمرار في دعوتهم كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع ابن جاره اليهودي الذي مرض فزاره النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعاه للإسلام فأسلم ثم مات.
أيها الإخوة: إن اليهود والنصارى لا يريدون لنا الخير ويكذبون بالرسل ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، فلا نغتر بما يقولون من دعاوى يروج لها البعض من غير علم ولا فقه. فهذا القرآن بين أيدينا وهذه سنة سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وهذه سيرة الخلفاء الراشدين نبراس لنا.. قال الله -تعالى-: "ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم". وقال -تعالى-: "ودّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق". وقال -تعالى-: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير".
اللهم نور بصائرنا واحفظنا من الزيغ والضلال يا رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها الإخوة: إن الأصل في قبول الأعمال أن تكون بعد الإيمان بالله وبكتبه ورسله وباليوم الآخر، أن تكون خالصة لله -سبحانه وتعالى-. فهذه المخترعات التي صنعها الكفار حتى وإن تكون فيها مصلحة وفائدة للبشر فإن الله يجازيهم بها في الدنيا وذلك أيضاً حسب نياتهم.. حيث أنهم كفـار لا يؤمنون بالآخرة ولا بالجنة ولا بالنار. فإنهم يريدون بذلك العمل الحياة الدنيا فقط فالله -عز وجل- لا يظلم أحدا، فيعطيهم من الدنيا ما يريدون.
قال -تعالى-: "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون" وقال -تعالى-: "ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين" وهذا ما نشاهده أيها الإخوة في حياتنا، فالكفار يتمتعون في هذه الحياة الدنيا الزائلة، وقد هيأ الله لهم كل أسباب التطور المادي.. مع ما يصيبهم من نكبات وكوارث تذكرة لهم حتى يؤمنوا ويعودوا إلى الله ويتفكروا في أنفسهم، ولكنهم مع الأسف أخذتهم الرفاهية والتقلب في زينة الحياة وبهرجها ولم يستجيبوا إلا قليلاً منهم قال -تعالى-: "زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشاء بغير حساب".
وقد حذرنا الله من الاغترار بالحياة الدنيا وزخرفتها وما يتمتع به الكفار من زينتها والاستمتاع بها حيث قال -سبحانه وتعالى-: "لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها".
أيها الإخوة: إن الله عدل ويأمر بالعدل والقسط، فالنصارى الذين يعيشون بين المسلمين عليهم أن يلتزموا بما وضعوا أنفسهم فيه، ولهم من المسلمين المعاملة الحسنة والعدل، ومن العدل دعوتهم للإيمان بالله ورسوله وتكرار ذلك، مثل ما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- بابن جاره اليهودي، ومثل ما فعل مع نصارى العرب، ومثل ما فعل مع رئيس أكبر دولة في ذلك العصر وهو ملك الروم. حيث قال له: ((أسلم تسلم)) بالرغم من أن الدولة الإسلامية كان عدد سكانها لا يتعدى مائة ألف بينما جيش الروم لوحده أكثر من هذا العدد وربما أضعافاً مضاعفةً.
لماذا هذا الانسياق والمذلة خلف اليهود والنصارى لدرجة أن أخبار الكفار في وسائل إعلام المسلمين تتابع كل صغيرة وكبيرة لدى اليهود والنصارى حتى إذا مرض شخص منهم يتابع كل ساعة وكل يوم بل تتابع كل أخبارهم وأخبار مواشيهم وكلابهم وقططهم وغيرها. وغيرها مع الأسف الشديد.
هناك دعوات واجتماعات في دول الكفر باسم التقارب بين الأديان، ويحضر هذه الاجتماعات مسؤولون من بلاد المسلمين، ويلقون كلمات مائعة ليست فيها دعوة إلى الله ولا دعوة إلى توحيده وإنما هي دعوة باسم الإنسانية ومحبة البشر بلا تمييز، مما يميت عقيدة الولاء والبراء وقد يكون فيها كفر صريح لما تتضمنه من تكذيب للنصوص الصحيحة الصريحة من القرآن والسنة.
قال -تعالى-: "ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" إنها دعوة ماسونية صهيونية كافرة. لقد قال أحد رجال الماسون الملقب بالقطب الأعظم رئيس محفل الشرك الأكبر العالمي في كتاب ألفه باسم ((النور الأعظم)) قال الميمات الثلاث في الموسوية والمسيحية والمحمدية يجتمعون في ميم واحد هو ميم الماسونية، لأن الماسونية عقيدة العقائد وفلسفة الفلسفات، إنها تجمع وتوحد المتفرقات، وإن ما ورثه الآباء الصالحون للأبناء هو مبادئ الحرية والمساواة والإخاء. ا. هـ.
لقد كتب كثير من الباحثين حول هذا الأمر الذي يسمى التقارب بين الأديان وكشفوا أن أصله مؤتمر صهيوني ماسوني، وأن اليهود لهم دور خطير في تحريك أطراف الحوار بما يمهد باستقرارهم وهيمنتهم في فلسطين، وإن من العجيب أن أحد النصارى حينما أكتشف ذلك كتب مقالاً في إحدى الصحف الكبيرة في بلاده مطالباً فيه بني جنسه وبني قومه باستجماع شجاعتهم للوقوف أمام التحركات الصهيونية مطالباً بإيقاف الحوار حفاظاً على مجتمعه النصراني.
قال -تعالى-: "ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلا أنفسهم وما يشعرون يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وأنتم تشهدون يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون".
أيها الإخوة: لنرجع إلى منهج السلف الصالح بالقول والعمل والسير على طريقهم في فهم القرآن والسنة وتطبيقها في حياتنا ومعاملاتنا مع اليهود والنصارى والمشركين والمجوس والشيعة والصوفية حتى يحيى من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة ولنحذر من الإنزلاق وراء الأهواء فننحرف إلى الهاوية ولات ساعة ندم.
قال -تعالى-: "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكلٍ, جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً".
وقال تعالى-: "ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون".
أيها الإخوة: إن من نواقض الإسلام عدم تكفير الكافر، وبهذا فإن الدعوة إلى وحدة الأديان والتقريب بينها ما هي إلا ناقضة من نواقض الإسلام وردة وكفر، والعياذ بالله.
جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، لا يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار)). هذا من بقي على دينه الحقيقي فكيف بمن ادعى أن عزيراً ابن الله وأن الآلهة ثلاثة. -تعالى- الله عما يقولون علواً كبيراً، وكيف بمن يقول أنه لا دين ولا جنة ولا نار، إنما إلهه الدرهم والدولار.
كيف يُتفق معهم ويستجاب لهم على ما يسمى وحدة الأديان أو التقارب بينها نسأل الله العافية والرشاد.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد