بسم الله الرحمن الرحيم
المتابع لكثير من فتاوى المفتين في زماننا الحاضر ووقتنا المعاصر يلحظ أمراً قد يبدو كالظاهرة، ولا سيما المشتركة بين الكثير من الفتاوى.
وهي ظاهرة ما يسمونه بزعمهم بالتسامح، والقول بالأسهل والأيسر، ونبذ التشدد، ومقاومة التنطع في الدين، ومحاربة الغلو، وتجفيف منابع الإرهاب، وعدم تحجير العقول والفهوم، والتوسع المذهبي، والانفتاح على الآخر، وغير ما ذكرنا من المصطلحات...
وتلك همّة عظيمة، وغاية كريمة ينبغي الالتفات إليها والأخذ بها بضوابطها لأنها من الدين.
ولكن الحقيقة المؤلمة لأكثر ما نراه أنها وسائل ملتوية تتخذ لتمييع الدين ونبذ أحكامه، والعبور فوق شرائعه، والالتفاف على نظامه.
ووسائلهم في ذلك لوي أعناق الآيات، والطعن في الكثير من الأحاديث، وإعمال العقول في المنقول، وتحكيم الفهوم في النصوص، وتتبع رخص العلماء، وبتر نقولاتهم عنهم، ودغدغة المشاعر، والأخذ بالأغاليط، وتجييش السلطات، والطعن في المخالفين، ولمزهم بما فيه هلاكهم.
والملاحظ أن الحرام استحال إلى حلال، والموبقات إلى مكروهات، والممنوعات غدت حرية شخصية وأذواق سلوكية، وكأنما الشريعة نزلت لأناس وانعزلت عن آخرين!
والملاحظ بروز بعض المفتين، وتصديهم للناس وركوبهم لذلك كل المطايا، ودخولهم إلى ميدان الإفتاء من أوسع أبوابه وأرحب مسالكه بعد أن كانوا قبل وقت قليل من صغار طلاب العلم، وممن لا يؤبه به، ولمّا مات الأكابر تولى الأصاغر المنابر!
والملاحظ أن الدين غدا حماً مباحاً وكللأً مشاعاً لكل سائمة هائمة لتصول فيه وتجول دون علم ولا هدى ولا كتاب منير، واعتلى الشيطان ليخطب فوق المنابر، ونطق الرويبضة، وصار أهل الحق والصدق كالمستوحشين، يدافعون الخسارة الكبرى بالصغرى، وتحمل الكبار ذنوب الصغار، وأدين البريء بجرم الشقي، وعصفت أراجيف الفتن، وكم لله في هذا من حكم!!
والحل الأحكم والطريق الأسلم للخروج من هذا المأزق الشرعي والتاريخي هو تربية الجيل القادم بالمنهج الأقوم بالتي هي أحسن، واستنبات العلماء من حلق العلم، وغرس بذور القيادة العلمية في نفوس المؤهلين لها والمستحقين لحملها، لأن الأمَّة تحتاج إلى أئمَّة، والأجيال تنتظر الرجال الذين يقولون بالحق وبه يعدلون!
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد