بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم، وبعد:
هاهي ذي المدارس تشرع أبوابها، وتتابع نحوها جموع الطلاب، والكل حريص على ألا يتأخر أو يتغيب عنها من يعنيه أمره، فالأب حريص على وصول ابنه إلى المدرسة في موعده، والأم تعمل على إيقاظ بنيها في الصباح الباكر، والمدرسة قد هيئت وشرعت أبوابها، وأصبحت على أهبة الاستعداد لاستقبال الطلاب...
ولكن لماذا كل هذا؟
ولا جواب صحيح ومقبول غير القول بأن ذلك من أجل المناهج، ولو حاول أحد أن يكسب تلك الجموع الحاشدة بنوع لهو يقدمه، أو سلع يبذلها لما استطاع، بل لن يتوجه إليه إنسان، ولعد العقلاء صنيعه سفهاً لايقبله العقل!
وإذا كان الأمر كذلك فإن من أعظم الغش أن تقدم مدرسة مناهج صورية خالية من مضمون، ومن أخطر ألوان الخداع أن تمرر مدرسة طلابها في مراحلهم المختلفة دون أن تصقل عقولهم بمناهجها وتختبر إتقانهم لها، إنه غش للأب، وغش للأم، وغش للجهة المسؤولة عن عمل المدرسة، وغش للمجتمع بأسره، وقبل ذلك كله غش للطلاب أنفسهم ومهما كانت المبررات.
وكذلك التجوز في مادة واحدة لا يجوز، ولاسيما إذا كانت تلك المادة من المواد المهمة التي ينبني عليها مستقبل الطالب وطريق تحصيله، ويزداد الأمر سوءاً عندما تكون تلك المادة من المواد التي تميزت بها أمة من الأمم.
وإذا تأملنا حال الدول الشرقية والغربية نجد تميزاً ظاهراً لبعضها في مواد دون أخرى، فقد عرفت ألمانيا مثلاً بالتميز في علوم الهندسة الميكانيكية، وعرفت اليابان بالتقدم التقني في مجال الإلكترونيات وغيرها، وعرفت دول أخرى بالتقدم في دراسة الطب، وغيرها في مجالات أخرى، وقد عرفت بلادنا بالتميز في العلوم الشرعية، ولئن خرجت تلك البلاد بمناهجها علماء في كثير من المجالات التجريبية، فقد خرجت بلادنا للأمة ولله الحمد- بمناهجها علماء وقادة في كافة الميادين الشرعية نال الخير الذي يقدمونه أطراف الأرض البعيدة.
ولست بحاجة لذكر أسماء وأشخاص، ولك أن تتساءل من هم أشهر العلماء المعاصرين، ومن هم أبرز الدعاة المرضيين، لاشك أن بلاد الإسلام خرجت علماء فضلاء \"وإن بني عمك فيهم رماح\"، ولكن القدح المعلى لأهل هذه البلاد والحمد لله ولاسيما عند قياس النسبة العددية لجموع السكان.
وإذا أعدت النظر لوجدت أولئك العلماء والدعاة وطلاب العلم الذين ذاع صيتهم كثير منهم تخرج بمناهج بلادنا الشرعية التي ربتهم على الحكمة والاعتدال والوسطية بعيداً عن الإفراط أو التفريط الذين هما متلازمان ينتج أحدهما عن الآخر، ويسبب السابق فيهما اللاحق.
إن عودة الطلاب حري أن تكون إلى تلك المناهج التي خرجت أكابر علمائهم المعاصرين، ودعاتهم المرضيين، فبمثل تلك المناهج الشرعية يصان الإنسان من الغلو ومن التساهل وتمييع الدين.
ومتى حدنا عن ذلك المنهج الوسط حصل الشطط نحو الإفراط أو التفريط.
وهاهم طلابنا وأبناؤنا مع بدء العام يعودون إلى المدارس، فهل تراهم يجدون ما وجده من سبقهم وكان سبباً لتميزهم؟ أم أن المعالم قد تنكرت، والبلاد قد تغيرت؟ والحال كما قال الأول:
تنكرت البلاد ومن عليها *** كأن أناسها ليسوا بناسي!
إني لأرجو أن تكون عودة قوية للمناهج الشرعية حتى تكون عودة أبنائنا إلى المدارس ذات نفس القيمة والقيم القديمة، وبمعناها الأول.
وإلاّ فليع المربون والآباء والأساتذة والطلاب أن عليهم واجباً شرعياً في التماس علم الشريعة من أهله العالمين به الحادبين عليه، وأن علينا إغلاق الخلة وسد الثغر من قبل أن يلتمس العلم عند غير أهله، ومن قبل أن يتخذ الناس رؤوساً جهالاً فيسألوا فيفتوا الناس بغير علم فيضلوا ويضلوا.
وفي الختام لنعلم جميعاً بأن المسؤولية كبيرة، وحاجة الأمة إلى المناهج الشريعة القوية عظيمة، فليسعَ المسؤولون من أجل سد حاجة الطلاب، وليعمل العاملون من أجلها، هذا والله نسأل أن يبصر الجميع بما لأجله خلقوا، وأن يوفقنا وإياكم إلى ما فيه رضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد