بسم الله الرحمن الرحيم
مفرخة الإرهاب.. ولنأت الآن إلى التهمة الرابعة.. إنّ أقسى ما يوجه إلى الصحوة اليوم من تهم أنّها هي المحضن (الشرعيّ)، والمفرخة الطبيعيّة لتفجيرات الرياض ومطاردات جدة ومكة وينبع والخبر!! لماذا؟ لأنّها هي التي نشرت ثقافة الجهاد، وباركت معارك أفغانستان، ورسّخت معاني الولاء والبراء، وأنكرت المنكرات. أتدرون ما لازم هذا المنطق؟ إنّ من لوازِمِهِ اتّهامَ عمر - رضي الله عنه - بأنَّه المحضن الشرعيّ لحملة لواء العنف ضد المخالف!! لماذا؟ لأنّه حلق شعر نصر بن حجاج ونفاه إلى البصرةِ حين بلغه أن النساء فتنّ بجماله وأنّه لا يمنعهنَّ! ولأنّه نفى كذلك معقل بن سنان الأشجعيّ وأبا ذئب السلميّ لذات السبب، ولأنّه جلد صبيغاً حين تأول شيئاً من نصوص الوحي على خلاف الهدي النبويّ! وإنّ من لوازِمِهِ أن نتهم عليا - رضي الله عنه - بأنه المحضن الشرعي للخوارج!! لماذا؟ لأنّ إشارته إلى تحكيم كتاب الله كانت هي القاعدة التي بنى عليها الخوارجُ خروجهم وقتالهم للمسلمين!! بل إنّ من لوازِمِه اتّهام القرآن والسنةَ بأنهما وقود الإرهاب لأن جُلّ ما يتكلم به هؤلاء الغالون إنما هو نصوصٌ منهما!! سيكونُ القرآنُ بناء على هذا المنطق محضن الفتنة وداعية الحقد على الإنسانية ـ عياذا بالله من هذا القول ـ لأنه يأمر بالقتال ورفع السلاح شفاء لغيظ القلوب: ((قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم)). وسيكون رسولنا - صلى الله عليه وسلم - بناء على هذا المنطق ـ وحاشاه ـ هو الباعثَ على اختطاف الرهائن الغربيين وقتلهم لأنّه - صلى الله عليه وسلم - قال في الصحيح: ((لا يجتمعُ كافرٌ وقاتله في النار أبداً))!! هل يقبل ذو رشد أن يحمّل القرآن والسنة وزر من أخطأ فهمها فقتل وسرق وفجّر؟ وهل قال عاقلٌ منذ كان الإسلام إنّ الثلاثةَ الذين قالوا: نصوم ولا نفطر، ونصلي ولا ننام، ولا نتزوّج النساء.. إنّما هم نتاجٌ طبيعيُّ لأحاديث الترغيب في الصوم والقيام والزهد؟ إنّ العاقل المنصف يدركُ أنّه ليس من ذنب من يقرر الحقائق أن يفهمها فاهم على غير وجهها، أو يطبقها في غير مكانها، أو يتجاوز بها حدّها فيفسد في الأرض. ولكن بعض الناقدين يريدون منا أن نقتنع بأنّ دعم الدعاةِ والحكومة لجهادٍ, شرعيّ قام في أفغانستان ضد الروس هو بالضرورة سببُ كوراثنا اليوم!! وبأنّ تقرير عقيدة الولاء والبراء التي امتلأت بها نصوص الوحي هو بالضرورة سببُ قطع رأس الأمريكي بول مارشال!! وبأنّ إنكار المنكر باللسان يُحمّلَ قائله وزر من أقدم على غير بيّنة فأحرق محلّ فيديو أو حطّم دكّان موسيقى!! لا يرى هؤلاء أنّ سوء الفهم واعوجاج التفكير قد يكون هو السبب، ولا يرونَ أنّ الضغوطَ الماديّة والنفسية قد تكون من وراء هذا الشذوذ، ولا يلتفتون إلى الآلاف المؤلفة التي باركت نفس الجهاد بل شاركت فيه وسمعت نفس المعاني ولكن هداية الله لها ثم سلامة فطرتها لم تحملها على ركوب المركب الوعر والعبث بأمن البلاد. ولا يلتفون إلى أنّ هذه المعاني التي يعيبونها على الصحوة لم تزل موجودةً منذ القديم فلم لم تفرّخ إرهابها إلا الآن؟ ولا يلتفتون إلى كلام كبار العلماء والمسؤولين الذين اعترفوا منصفين بأنّ مناشط الصحوة هي محاضنُ تربوية تحمي من العنف. يفتتح أصحاب السمو الأمراء هذه المناشطَ، ويتحدّث فيها كبار العلماء، ويشهد لها رجال الأمن من شرطة وجوازات ومباحث بأنها مكاسبُ أمنيّة.. ومع ذلك يصر من يصر على أنّ هذه المخيّمات هي التي تولّد الإرهابيين!! وأنّ على الدولة أن توقفها!! ((إنّ نعوم تشومسكي الكاتب الأمريكي اليهوديّ الذي يعدّ أكبر الناقدين للأداء الحكومي الأمريكي، والذي يصف أمريكا بأنها الدولة المارقة الكبرى ورغم خطابه العنيف، و هجومه المطرد على السياسة الأمريكية، و نقده الساخر لها، إنَّ تشومسكي لم يتهمه أحد بأنه ينظّر للعنف، أو أنه عدوُّ للديموقراطية.. فضلاً عن السياسة الأمريكية.. ناهيك.. أن يكون (خطراً)، على استقرار بلده، الولايات المتحدة الأمريكية)) [من مقال للدكتور الحضيف]. أما عندنا.. فإنّ شيوخ الصحوة يجب أن يتحمّلوا المسؤولية ويجب أن يخرجوا أذلاء يعترفون بخطئهم لأنّهم ذات يومٍ, انتقدوا أداء مسؤول.. أو لأنّهم ذات جمعةٍ, خطبوا عن فضل المجاهدين!! وإلى هنا ننتهي.. لستُ أزعم للصحوة البراءة من كل عيب. بل لا أنكر أن بعض الأطياف المحسوبة عليها ربّما كان وقوداً للعنف.. لكن أن (تُصلبَ) الصحوةَ وتحمّل كلّ أخطاء الواقعِ المرّ وكأنّها ـ كما قال د. الحضيف ـ المسيحُ الذي يحمل خطايا النّاس.. أن يحصل هذا وأن يُتجاهل كل دور آخر سياسيّ واقتصاديٍّ, وأمنيّ فهذا ما لا يرضى به عقلُ منصفٍ,. لقد كنت وما زلت كما هو شأن الكثيرين ـ أرفع صوتي بأخطاء الصحوةِ، وأدعو إلى تدارك ذلك، وأُسرّ به وأعلن، ولكن هذا شيءٌ والتشفّي، ومحاولة الاستئصال الجديد ـ كما قال د. العودة ـ شيءٌ آخر. إنّ أحداً لا يمكنُهُ أن يخلطَ بين قلمٍ, مشفقٍ, ناصحٍ, وآخر متشفٍّ, حاقدٍ,. لقد عانت الصحوة من عيوب كثيرة بلا ريب ولكنها لم تكن في كل هذا شرّاً من غيرها، وكانت أخطاء المسيرة هذه وغيرها تُسدّد وتتحسَّنُ.. وها نحن اليوم نشهدُ مخاضاً جديداً تتجاوز فيه الصحوة كثيراً من عيوبها.. إنها اليوم تنفتح، تتعاطى، تتأقلم، تتكيّف، تتواصل، تستفيد من تجارب الآخرين، يتسع صدرها، لاترضى بالارتهان لمدرسة واحدةٍ,.. وكان حريّاً بالصادقين أن يفرحوا بهذا وأن يسرّوا له، لا أنّ يستغلّوا كارثة الوطنِ من أجلِ تصفية حسابات قديمةٍ, نصفها خاسر! أيها السادةُ الممعنون في نقد الصحوة. هل تسمحون لنا أن نشكر ولاة أمرنا على حسن رويّتهم، ووفور حكمتهم، وعدم تعجّلهم بتحقيق ما تطالبون به من تجفيف لمنابع الصحوة؟ هل تسمحون لنا أن نثني على الدعم المعنوي والمادي الهائل الذي يقدّمونه للدعوة وبرامجها؟ سنشكرهم على ذلك مرة واثنتين وألفاً..أيها السادة الممعنون في نقد الصحوة..هل تسمحون لنا أن ننتقدكم؟ أن نناقش ما تقولون؟ أم الأمر كما قال الأول:أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس؟! وصدق الله العظيمُ: ((وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلالٍ, مبين)).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد