بسم الله الرحمن الرحيم
عبادة اللِّسان من أجلِّ العبادات وأعظمها، لِيُسرِها وسهولتها على العبادº ولكن قد يعرض لها من الآفات ما يهدم العبادة كلها، ويهوي العبد على أُمِّ رأسه في النار.
ولذلك أُمر العبد أولا بالإمساك عن الكلام إذ لا خطر من سَطوَةِ اللِّسان وشَرِّهِ إلا بالصَّمت، وإلجامه عن الخوض في الكلام دُربة له، وتخلية عما تعوَّد عليه.
فنتيجة إطلاق اللِّسان: هي بَثٌّ الوهن والفرقة والخصام والتنازع بين المسلمين، وقطع الطريق على العاملين، وإخماد العزائم بالقيل والقال، إنك ما إن ترى الرَّجل حسن المظهرº عليه علامات الخير، قد تمسك بالسٌّنةِ في ظاهره إلا وتقع الهيبة في قلبك، والاحترام والتقدير في نفسك له، وما إن يتكلم فيُجَرِّح فلانًا، ويُعرِّض بعلان، و ينتقص هذا ويغمز ذا، إلا وَتُنـزَعُ مهابته من قلبك، ويسقط من عينكº وإن كان حقًا ما يقول، وإن كان صادقًا فيه، فلا حاجة شرعية دعت لذلك، وإن دعت الحاجة فبالضوابط الشَّرعية، والقواعد الحديثية التي وضعها العلماء.
فإن لم تعلمها أخي المسلم!! فلا أستطيع أن أقول إلا \"أَمسِك عَلَيكَ لِسَانَك\"
وذلك لأن علم ما يُحمَد في اللِّسان أو يُذم غامض عزيز، والعمل بمقتضاه على من عرفه ثقيل عسير، إذ أعصى الأعضاءِ على الإنسان اللِّسان، فإنه لا تعب في إطلاقه، ولا مؤنة في تحريكه، وقد تساهل الخلق في الاحتراز عن آفاته وغوائله، والحذر من مصايده وحبائله، وإنه أعظم آلة الشيطان في استغواء الإنسان.
عَن أَبِي شُرَيحٍ, الخُزَاعِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: مَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليَقُل خَيرًا أَو لِيَسكُت.
وَعَن عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ, قَالَ: لَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لِي: يَا عُقبَةُ بنَ عَامِرٍ,: أَملِك لِسَانَكَ، وَابكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ، وَليَسَعكَ بَيتُكَ.
وَكَانَ فَروَةُ بنُ مُجَاهِدٍ, إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيثِ يَقُولُ: أَلَا فَرُبَّ مَن لَا يَملِكُ لِسَانَهُ، أَو لَا يَبكِي عَلَى خَطِيئَتِهِ، وَلَا يَسَعُهُ بَيتُهُ.
وَعَن سَهلِ بنِ سَعدٍ, عَن رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: مَن يَضمَن لِي مَا بَينَ لَحيَيهِ، وَمَا بَينَ رِجلَيهِ، أَضمَن لَهُ الجَنَّةَ.
بل كان للسَّلف في شأن اللِّسان أمر عجيب، دَخَلَ عُمَرُ بنَ الخَطَّابِ عَلَى أَبِي بَكرٍ, الصِّدِّيقِ وَهُوَ يَجبِذُ لِسَانَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَه! غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ,: إِنَّ هَذَا أَورَدَنِي المَوَارِدَ.
وآفات اللِّسان كثيرة إذ هو أسهل الأعضاء حركة، وأيسرها مؤنه فإنه لا تعب في إطلاقه، ولا مؤنة في تحريكه، وقد تساهل الخلق في الاحتراز عن آفاته، والحذر من مصائده وحبائله.
فمنها فضول الكلام، والخوض في الباطل، والمراء، والخصومة، والتقعر في الكلام بالتشدق، والفحش، والسَّب، واللعن، والسٌّخرية، والكذب، والبهتان، وغيرها من الآفات، وأشدها خطرًا وأعظمها جرمًاº آفة الغِيبة!! ومن ثم أفردتها ببعض بيان.
ومن آفات اللسان:
1- القول على الله بغير علم
فمن أعظم الآفات وأخطرها على الإطلاق القول على الله بغير علم، وهي جَرأة عجيبة وبغي بغير حق، وقد عَدَّه - سبحانه وتعالى - من عظائم الأمور، فقال - عز وجل -: {قُل إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثمَ وَالبَغيَ بِغَيرِ الحَقِّ وَأَن تُشرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَم يُنَزِّل بِهِ سُلطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعلَمُونَ (33)} [سورة الأعراف: 33]
وغالبًا يحدث هذا من الأحداث الذين لم يخوضوا غِمار طلب العلم، أو ممن تصدَّر قبل أوانه فيحتاج إلى الفُتيا لتكثير أتباعه، وإبقاء مكانته بينهم فَيَنسِبُ إلى الشَّرع مالا يعلم.
ويكثر هذا عند غَيبة العُلماء، وتطاول السٌّفهاء، وإسداء الأمر لغير أهله.
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: بَينَمَا النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - فِي مَجلِسٍ, يُحَدِّثُ القَومَ جَاءَهُ أَعرَابِيُّ، فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يُحَدِّثُ، فَقَالَ بَعضُ القَومِ: سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ، وَقَالَ بَعضُهُم: بَل لَم يَسمَع، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ: أَينَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَن السَّاعَةِ؟! قَالَ: هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: فَإِذَا ضُيِّعَت الأَمَانَةُ فَانتَظِر السَّاعَةَ. قَالَ: كَيفَ إِضَاعَتُهَا؟ قَالَ: إِذَا وُسِّدَ الأَمرُ إِلَى غَيرِ أَهلِهِ فَانتَظِر السَّاعَةَ.
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّهَا سَتَأتِي عَلَى النَّاس سِنُونَ خَدَّاعَةٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَي
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد