بسم الله الرحمن الرحيم
أعرب باحثون إسلاميون في المغرب عن تفاؤلهم بمستقبل الشباب الإسلامي الذي جعلته الأحداث الجارية أكثر اهتماما بهموم الأمة، وأكثر استعدادا للإسهام في بنائها، شرط أن يستفيد من تأطير سليم، وأن تتوفر لديه وسائل البحث العلمي.
وذكر هؤلاء الباحثون لـ (الشبكة الإسلامية) أن الشباب المسلم، منذ مدة يعيش في دوامة محيرة، فمن جهة يرى ما وصل إليه الغرب من تقدم وتكنولوجيا، وحضور على جميع المستويات، السياسية والثقافية والاقتصادية والعلمية، مما يجعله منبهرا بما يقع في هذا الغرب، ومن جهة أخرى يلاحظ أن الأمة التي ينتسب إليها تعيش تأخرا مريعاً على جميع المستويات، وعندما يتسنى له أن يطلع على تاريخ أمته يجد أن المسلمين كانت لهم عصور زاهرة، وكان لهم علماء نبغوا في علوم الكيمياء والفيزياء والطب والجراحة وعلم الفلك..
فهذا الشباب المنتمي إلى هذه الأمة، بين التاريخ الزاهر وبين الواقع الحالي، يجد نفسه يكاد يفقد توازنه، لأنه لا يستطيع أن يستوعب لماذا وقع هذا لأمته؟ وهذا دور العلماء والمفكرين والمثقفين، في أن يقوموا بربط منهجي لما وقع، من الجانبين الداخلي والخارجي، حتى وصلت الأحوال إلى ما هي عليه.
والشباب في هذه الدوامة على حالتين:
- حالة من ينبهر بالغرب ويسقط فيه، فكرا وثقافة وتقاليد وعادات، بما فيها تلك التي تصطدم مع عاداته وتقاليده، وبالتالي ينتهي إلى الانفصال عن جذوره.
- وحالة من تحفزه هذه الظروف كي يبادر بالبحث في جذوره محاولا استيعاب هذه الصيرورة التاريخية والاستفادة من أخطائها، لتجاوز المرحلة الحالية.
ويجمع الباحثون على أن التطورات الأخيرة رفعت أعداد الشباب الذين اكتشفوا أن هذا الغرب الذي يتغنى بالعديد من الشعارات المغرية، يتحمل مسؤولية كبيرة فيما يقع في العالم الإسلامي من حروب وخلافات وتطاحنات ونهب لثروات الأمة.
وأكدوا حدوث نوع من استعادة الوعي المفقود، فبينما كانت الغلبة قبل أربعة عقود للعدو الاشتراكي الشيوعي، يلاحظ اليوم فرق إيجابي كبير، ففي الجامعات المغربية أصبحت الأغلبية للشباب المسلم الملتزم، كما ارتفعت أعداد المتحجبات في مختلف المناطق، وزاد الإقبال على المساجد، ونشطت الحركة الثقافية الإسلامية.
صحيح أن وسائل الإعلام ربما تحمل أحيانا قيما مضادة للهوية الإسلامية، وهناك اختراقات على مستوى مسلكيات بعض الشباب، لكن رغم ذلك تبدو هذه التأثرات ظاهرية، بدليل أنه حيث يحل شهر رمضان الأبرك تملأ المساجد عن آخرها، وهو ما يؤكد أن الهوية الإسلامية مترسخة في الشعب المغربي.
وركز هؤلاء الباحثون على دور العلماء، الذين لا يقومون بدورهم كما ينبغي، واعتبروا أن المؤسسة العلمية في حاجة إلى تجديد وتشبيب، بعد أن هرمت وبدأ يتجاوزها الواقع الحالي، كما ألحوا على دور الحركات الإسلامية، ليس في جانبها السياسي فقط، ولكن أيضا في مجال العمل الثقافي والعمل الدعوي والمؤسسات التربوية وبرامج التعليم، مؤكدين على أن قضية الإسلام ينبغي ألا تبقى مقتصرة على جماعة من الجماعات، ولا على حزب من الأحزاب، بل ينبغي أن تنخرط فيه كل الأحزاب والجمعيات والتيارات، أي أن تكون الهوية الإسلامية همًّا مشتركا بين كل الفعاليات، فالمغرب كان بهذه الهوية، فالإشعاع الإفريقي للمغرب تأسس على الروابط الروحية التي تربط شعوب تلك الدول مع المغرب، وإذا تم التفريط في هذه الهوية سيضيع هذا الإشعاع، ويفصل المغاربة أنفسهم عن جذورهم الإفريقية.
ويغلب الاعتقاد بأن الانتفاضة القائمة في الأراضي الفلسطينية خلقت واقعا جديداً، بعد ما كانت حرب الخليج الثانية قد خلفت نوعا من الإحباط لدى شباب المسلمين، وأحدثت نوعا من التفكك في مواقف الدول الإسلامية التي تعارضت مواقفها، وأصبح كل يفكر بطريقته الخاصة، حتى كدنا نصل درجة اليأس، في هذا السياق تحركت آلة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتنوعت اختراقات هذا الكيان الذي هو مشروع معادٍ, لوجود الأمة الإسلامية.
بل الأدهى من ذلك أن عم اليأس والوهن بين الشباب الإسلامي، الذي لم تعد له أية قضية، فالقضية الفلسطينية التي وحدت هذا الشباب منذ عام 1948م، غطتها النكسة، التي جاءت بسبب أن بعض الفلسطينيين بدؤوا يتخلون عن القضية الفلسطينية، لأن مشروع التسوية، هو في نهاية المطاف، مشروع استسلامي. وفي الحقيقة إن الظروف التي وجد فيها الفلسطينيون أنفسهم، بعد حرب الخليج الثانية، هي التي قادتهم إلى هذا النفق المظلم، فما كان أمامهم إلا أن يستسلموا لـ\"مؤتمر مدريد\" و\"اتفاقية أوسلو\" التي تعني تسليماً بالحق في إقامة فلسطين الحلم، والتخلي عن القدس واللاجئين وعن كثير من الأراضي، مع القبول بوجود مستوطنات تمزق ما تبقى من الخارطة الفلسطينية، وهو ما يعني أن نضال الشعب الفلسطيني، ومساندة الشعوب العربية، على امتداد عقود، تم ضربها فجأة في صفر.
في هذه الأجواء جاءت الانتفاضة الحالية، التي كانت مدعومة من فصائل كبيرة من داخل السلطة الفلسطينية، لأن القيادة موجودة هذه المرة داخل الأراضي الفلسطينية، كما أن هذه الانتفاضة جرت على مرأى ومسمع العالم أجمع من خلال القنوات التلفزيونية الفضائية.
وأكد الباحثون المغاربة أنه لم توجد هناك لحظة كان فيها الشباب الإسلامي منخرطا مع هموم الأمة، ومع قضيتها الأولى، كما هو عليه حاليا، بل إن أطفال اليوم تشكل لديهم وعي بالقضية واستعداد للتضحية في سبيلها.
وبالتالي فإن آثار هذه التطورات على تفكير الشباب وثقافته هي تطورات إيجابية، والدليل أنه في المغرب، كما في كثير من الدول الإسلامية، خرج تلاميذ الثانويات إلى الشوارع في مظاهرات عارمة قبل أن يتظاهر الكبار واليوم هناك حركة دائبة بين الشباب لمقاطعة البضائع الصهيونية والأمريكية، والمطلوب من الهيئات السياسية والثقافية أن تكون في مستوى هذا الوعي، وأن تملأ فراغ هذا الشباب وتؤطره التأطير الصحيح، والملاحظ أن النخبة السياسية، مثل النخبة الثقافية، لا تطرح قضايا، بل ولا تريد أن تدمج الشباب الواعي في المشاركة في إدارة الشأن العام والدليل في المغرب أن الحكومة رفضت مقترحات بتخفيض سن التصويت إلى الثامنة عشرة، رغم أن الأحزاب المكونة لها كانت تطالب به يوم كانت في صفوف المعارضة.
فهناك اليوم نوع من استعادة الوعي لدى أغلبية الشباب في البلاد الإسلامية، بدليل أن من كانوا يشككون في نوايا الغرب كانوا قلة، وغالبا ما كانوا يحسبون على الصحوة الإسلامية، التي كانت تحذر من أن الغرب يحل ثقافة استئصالية ساعية للهيمنة، لكن حيث نتأمل اليوم حركية المجتمع نلاحظ وجود شباب غير منتسب للتيارات الإسلامية أصبحت لديهم هذه القناعة أيضاً، وجزء ممن حملوا لافتات الدعوة إلى الجهاد ومقاطعة الغرب في مسيرة الرباط التضامنية مع الشعب الفلسطيني لم تكن لهم علاقة بالحركة الإسلامية.
غير أن هؤلاء الباحثين يرون أن شبابنا اليوم يحتاج إلى تأطير سليم باستيعاب الأسباب الحقيقية لتأخرنا، دون أن نحسب كل مشاكلنا على الأسباب الخارجية، وخاصة منها الحركات الاستعمارية والتبشيرية، فلا ينبغي أن نغض الطرف عن العوامل الداخلية. ومن العوامل الداخلية الأساسية في انحطاطنا أننا عطلنا عمليات التفكير والإبداع والمبادرة داخل مجتمعاتنا، وأكبر فضيلة عطلناها هي فضيلة الاجتهاد.
والمسؤولية في هذا المضمار لا يمكن أن نلقيها كاملة على عاتق الحكام ولكنها مشتركة تشمل أيضا صناع القرار، أي الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع الأهلي المفكرين والمثقفين عامة، كل هؤلاء مسؤولون عن تأطير المجتمع في الاتجاه الصحيح بتذكيرهم بأنهم أبناء حضارة، وأن أمة أنجبت العباقرة لا يمكن أن تكون أمة لقيطة، كما أن الإمكانيات الطبيعية المتوفرة في عالمنا الإسلامي هي إمكانيات هائلة تشمل أهم الموارد الطبيعية، وبمقارنة بسيطة نلاحظ أن دولة في حجم اليابان، التي لا تملك موارد طبيعية، وأصبحت ثاني أو ثالث قوة عالمية، وأهم من هذا، أننا على مستوى الموارد البشرية، نحن أمة تفكر، ويمكن لها أن تبدع، بدليل أن أعدادا من الأسماء المتألقة في الغرب اليوم هي أسماء إسلامية جرفتها رياح هجرة العقول.
وحين نستحضر كل هذه الشروط يبقى علينا أن نجعل العلاقات ما بين المفكرين والمثقفين وهيئات المجتمع الأهلي في البلدان الإسلامية تنحو نحو اتجاه توحيد الجهود بإحداث سوق مشتركة، ومجمعات فقهية أو فكرية أو ثقافية أو شركات عابرة للدول، دون أن يرتبط ذلك بضرورة الوحدة الاندماجية بين مجموع الأنظمة السياسية في البلاد الإسلامية، المهم هو تحديد قواسم مشتركة.
إن ما يجمع البلدان الإسلامية، مقارنة مع الاتحاد الأوروبي أكثر مما يفرقنا، ولكن علينا أن نؤطر شبابنا ونخلق لديه الأمل، والمؤكد أن الظروف السائدة اليوم تبدو مناسبة، بعد أن قام عدد من المسلمين \"المتغربين\" بمراجعة مجموعة من المفاهيم والقناعات إضافة إلى أن أوروبا تقوم اليوم بإغلاق حدودها في وجه شبابنا المهاجر.
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن دول العالم الإسلامي كلها دول جنوب، يتميز هرمها السكاني باتساع قاعدته، ففي المغرب مثلا تقل أعمار ثلثي السكان عن أربعين عاماً، أي أن طاقاتنا وحاجياتنا متجددة، تفرض علينا تحديات كبيرة وتشكل في الوقت نفسه وقوداً للمستقبل.
ووجه هؤلاء الباحثون دعوة ملحة للدول الإسلامية لتخصيص اعتمادات أكبر للبحث العلمي، من شأنها أن تساهم في اختصار عامل الزمان الذي يفصلنا عن التقدم، فاليابان تقدمت لأنها خلقت ديناميكية للبحث العلمي، فهي من الدول الأولى التي تخصص أكثر من 3 في المئة من ناتجها الداخلي الخام للبحث العلمي.
وجددوا تفاؤلهم على أساس أن التوجه الحالي للدول الإسلامية ينحو منحى النضج في ظل الحديث عن ديمقراطية تستجيب لخصوصياتنا، وهناك اليوم كثير من الدول الإسلامية التي تقطع أشواطاً في المسلسل الديمقراطي.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد