فقه الوفاق .. متى نحييه ..؟ ! تغيير الخطط في مواجهة خطط التغيير ( 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

- ما هذا يا أمة الإسلام؟! أفي مثل ذلك الليل البهيم نظل نسهر على التخاصم والتنافر، وننام على التنازع والتدابر؟! أين الصف المرصوص، أين قلب الرجل الواحد، وتداعي الجسد الواحد، وخفض الجناح ولين الجانب، والتآخي والتصافي والتراحم والتواد؟! حقاً لقد صنع الشقاق والجفاء منا غثاء، حتى تعاوت علينا كلاب الأرض، وتعاونت علينا ذئابها، وصدق فينا قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

 

- هناك قسماً كبيراً من الشريعة التي نتنادى بتطبيقها وإقامة أحكامها، نقوم  نحن الإسلاميين  إلا من رحم الله  بتجافيه والإهمال فيه، وهو ذلك القسم الذي يشمل الأحكام والهدايات والآداب التي تتضمن تأليف القلوب وتوحيد الصفوف.

 

- الحوار مع (الأخ) مؤخر دائماً حتى ينتهي الحوار مع (الآخر)؟!

 

- قال - صلى الله علية وسلم -: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا بلى! قال: صلاح ذات البينº فإن فساد ذات البين هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين» (1)

 

- مسائل الولاء، لم تحظ  دعوياً وعلمياً  بذاك الاهتمام الذي نالته مسائل البراء، بل تكاد قضايا الولاء الشرعي للمؤمنين بأحكامه ومسائله تذوب وتتوارى خلف قضايا البراءة الشرعية من الكافرين.

 

- وقد أرسى شيخ الإسلام قاعدة ذهبية في التعامل بين المسلمين: وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة، وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر .

 

- الإخاء روح يسري، وفقه يُشاع، وثقافة تنتشر، وعلى العكس تماماً، فإن الجفاء له روحه وفكره وثقافته، ولكل من روح الإخاء والجفاء أهل، ولكل منهما أنصار ورموز ومنظِّرون ومندوبون، مسوِّقون وموزِّعون.

 

- اندب نفسك أخي من الآن، وشارك بعقلك وقلبك وروحك في إشاعة روح الوفاق والاتفاق، فذاك عمل تغييري كبير، ودور عظيم في (العمل الإسلامي) لا يحتاج إلى تنظيم أو جماعة، أو تنظير أو تقعيرº فالأمر في غاية البساطة: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ولا يحقره» اعلم أهمية ذلك واعمل بذلك، وادع الجميع من حولك إلى إحياء ذلك الهدي النبوي العظيم.

 

- كل خطط الأعداء قد وضعت على افتراض بقاء المسلمين عامة، والإسلاميين منهم خاصة في حال من الوهن والتشرذم والفشل الناتج عن التنازع والتخالف والفرقةº فدورنا الآن أن نغير خطنا في الفرقة والشقاق إلى خطط للوحدة والألفة والوفاق. مجلة البيان.

 

أصبح الإجماع الدولي على استهداف الإسلاميين أمراً محيراً، وأصبح انحياز الملحدين إلي جانب النصارى، وانسجام النصارى مع اليهود، وتلاقي اليهود مع الوثنيين، واتفاق أهل النفاق مع كل هؤلاء على ضرب الإسلام وإذلال المسلمينº من المحن الدهماء، والفتن التي تدع الحليم حيران، فحتى الدعوات السلمية، والجهود الخيرية، والمقاومات المشروعة للاحتلال في مثل فلسطين والشيشان والفلبين والعراق وأفغانستان، أصبح كل ذلك محرَّماً مجرَّماً، ومعارضاً مطارداً!

 

إنه إجماع غير مسبوق للاعتداء على المسلمينº فقد كان الأعداء يتناوبون ذلك الاعتداء على بعض الأطراف ولكنهم يَدَعون بعضها، ويصادمون بلداً ويصالحون آخر، أما اليوم فهم مجمعون ومجتمعون على الحرب والضرب في كل حدب وصوب {أَتَوَاصَوا بِهِ بَل هُم قَومٌ طَاغُونَ} [الذاريات: 53].

 

ولكن دهشتنا وحيرتنا، وانزعاجنا واستغرابنا من ذلك (الإجماع والاتفاق) لا يدانيه في الدهشة والانزعاج، والحيرة والاستغراب، إلا ما يقابله ما يشبه (الإجماع)  من هؤلاء المستهدَفين  على عدم الاجتماع، من شِبه الاتفاق منهم على عدم الاتفاق. لا أقصد على مستوى الزعامات والقيادات فقطº فذلك أمر قد كثر الكلام فيه، وسبق التعرض له، ولكن أقصد على مستوى القواعد العريضة، والبُنى التحتية لهؤلاء الإسلاميين المستهدَفين.

 

انظر حولك ترَ عجباً: جهوداً مبعثرة، وإمكانات مهدرة، مع صفوف متناثرة، وقلوب متناكرة!.. ما هذا يا أمة الإسلام؟! أفي مثل ذلك الليل البهيم نظل نسهر على التخاصم والتنافر، وننام على التنازع والتدابر؟! أين الصف المرصوص، أين قلب الرجل الواحد، وتداعي الجسد الواحد، وخفض الجناح ولين الجانب، والتآخي والتصافي والتراحم والتواد؟! حقاً لقد صنع الشقاق والجفاء منا غثاء، حتى تعاوت علينا كلاب الأرض، وتعاونت علينا ذئابها، وصدق فينا قول الرسول صلى الله علية وسلم: «يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أوَ مِن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل»(1)، نعم نحن كثير كثير.... ولكن الشقاق والجفاء حوَّلنا إلى ذلك الغثاء.

 

* هناك مشكلة:

لقد وُفقت الصحوة الإسلامية في تجاوز عقبات كثيرة في أثناء مسيرتها في العقود الأخيرة، فأحرزت إنجازات، وانتزعت نجاحات، واختطت طريقها وسط كثير من العراقيل والعقابيل بتوفيق وسداد.

 

ولكننا يجب أن نعترف أنها أخفقت... نعم أخفقت في تأمين الحد الأدنى من وحدة الأمة، بتقصيرها في بذل الحد الأدنى من العوامل «الشرعية» لوحدة هذه الأمة، لا على المستوى العام فقط، بل على المستوى الخاص أيضاً مستوى الإسلاميين العاملين.

 

إنني أزعم أن هناك قسماً كبيراً من الشريعة التي نتنادى بتطبيقها وإقامة أحكامها، نقوم  نحن الإسلاميين  إلا من رحم الله  بتجافيه والإهمال فيه، وهو ذلك القسم الذي يشمل الأحكام والهدايات والآداب التي تتضمن تأليف القلوب وتوحيد الصفوفº فوحدة هذه الأمة منهجياً وقلبياً، مطلب من مطالب الشريعة كبير، ومقصد من مقاصد الإصلاح عظيم، ولا أدريº كيف خلت مناهج أكثر الجماعات الإسلامية  إن لم تكن كلها  من مراعاة تحقيق ذلك المقصد في الواقع العملي؟! صحيح أنه كانت هناك دائماً مساحة للكلام على (الوحدة الإسلامية) من الناحية النظرية، ولكنها من الناحية العملية كانت توظف  في الغالب  لصالح الوحدة الحزبية أو الفكرية أو التنظيمية، ولن أدلل على ذلك بأكثر من شهادة الواقع على ذلك، مما يعرف الجميع تفاصيله.

 

* معاتبات (أخوية):

 

* «المسلم أخو المسلم»(1)هذه مقولة نبوية، وشِرعة إلهية، وهي مع ذلك بدهية أولية من بدهيات الإسلام، ليست من مسائل الخلاف الوعر أو البحث الدقيق. ولكن تعالوا ننظر في واقعنا  نحن الإسلاميين : هل ينظر كل منا إلى الآخر هذه النظرة، وهل يطبق معه هذه البدهيةº ف «لا يظلمه ولا يسلمه ولا يحقره»؟!

 

* «ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى»(2)، كلمات مضيئة من مشكاة النور النبويº فهل تربت الأجيال في الفصائل والتجمعات، على ذلك الخُلق السامي مع (كل المؤمنين)، ولو كانوا مخالفين في «الانتماء»، أو مغايرين في «الفكر»؟!

 

* ثم.. ما حقيقة هذا «الانتماء»، عندما يتعارض مع الانتماء المعقود في السماء؟ وما قيمة ذلك «الفكر» الذي لا ينطلق من الفقه القرآني والهدى الرسولي عندما يدعو ذلك الفكر إلى قطيعة وجدانية بين المؤمنين الذين «تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يد على من سواهم»(3).

 

* أمرُ الله لهذه الأمة بالاعتصام بحبله تكليف للعامة والخاصةº فكيف ننادي في العامة بالاجتماع تحت راية الإسلام، ونحن غارقون في الفرقة، والناس يروننا  ونحن حملة الراية  أولى الأمة بذلك الاجتماع؟

 

* «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضُه بعضَه. وشبك بين أصابعه»(4)، هل أقمنا البنيان على مبدأ الأخوة والمحبة في الله، حتى يشد بعضه بعضاً، أم أقيم ذلك البنيان على أسس من المحبة في....، وفي......، وفي....، وفي.... حتى أصبحت مبانينا يهد بعضها بعضاً، بدلاً من أن يشد بعضها بعضاً؟!

 

* تنادينا بأهمية الحوار، حتى نادى بعضنا بضرورة الحوار مع (الآخر)  يعني الكفار  والحوار مع (الآخر) من المارقين والعلمانيين الفجار، وقد سمعنا كثيراً عن حوارات (التقارب بين الأديان) و (الحوار الإسلامي المسيحي) وحوارات (التقارب بين السنة والشيعة) والحوارات بين الإسلاميين والقوميين والليبراليين، ولكن: أين حوار الإسلاميين مع الإسلاميين؟ حوار السٌّنة مع السٌّنة؟ حوارات جماعاتها مع جماعاتها، وقياداتها مع قياداتها، ودعاتها مع دعاتها؟ أم أن الحوار مع (الأخ) مؤخر دائماً حتى ينتهي الحوار مع (الآخر)؟!

 

* نتحسس في الكلام  كثيراً  ونتدسس في الأسلوب  غالباً  ونهادن أو نداهن في العبارة أحياناً  إذا كان الكلام مع (الآخر) ولو كان هذا الآخر منافقاً معلوم النفاق، أو فاجراً يكرمه الناس مخافة شره، أو كافراً لا حرمة له ولا ذمة، خوفاً على شعوره (الرقيق) أن يخدش، وحسه (المرهف) أن يمس، أما إذا جاء الحديث مع، أو عن، أو إلى ذلك الأخ (المخالف) أو فعند الكثيرين منا  إلا من رحم الله  فلا تحسس ولا تدسس ولا مجاملة ولا حتى حسن مجادلة، مع أن حسن المجادلة مطلوب مع أهل الكتاب، فكيف بمن جعلته الشريعة في منزلة الأقربين من الأهل والأصحاب؟!

 

* كلما ندب دعاة الوفاق أنفسهم لمحاولة إصلاح ذات البين بين خواص الأمة، انبرى لهم دعاة الشقاق متهمين إياهم بأنهم أصحاب نهج (عاطفي)، أو أن الواحد منهم مجرد (واعظ) لا يرقى إلى مستوى فوق الخطب والمواعظ!!

 

نقول: هبهم (عاطفيين) فمتى أصبح شأن المؤمنين في (تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم) أمراً مستهجناً؟ وهل تستنزل الرحمة إلا بذلك التراحم وتلك العاطفة فيما بين المسلمين؟ ثم.. ماذا يُنقم من (الموعظة)، ولماذا يُهوَّن من شأنها، مع أن القرآن كله (موعظة) وكذلك التوراة المنزلة من عند الله، والإنجيل المنزل من عند الله. قال - سبحانه - عن القرآن: {يَا أَيٌّهَا النَّاسُ قَد جَاءَتكُم مَّوعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُم وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصٌّدُورِ} [يونس: 57]، وقال عن التوراة: {وَكَتَبنَا لَهُ فِي الأَلوَاحِ مِن كُلِّ شَيءٍ, مَّوعِظَةً وَتَفصِيلاً لِّكُلِّ شَيءٍ,} [الأعراف: 145]، وقال عن الإنجيل: {وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَينَ يَدَيهِ مِنَ التَّورَاةِ وَهُدًى وَمَوعِظَةً لِّلمُتَّقِينَ} [المائدة: 46]، وليست المواعظ في الرقائق والسلوكيات فحسب بل إن الأمر بالنظر في جوهر الرسالة  وهو التوحيد  موعظة، والنهي عن الشرك موعظة، قال - سبحانه - : {قُل إنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ, أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّة} [سبأ: 46]، وقال: {وَإذ قَالَ لُقمَانُ لابنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشرِك بِاللَّهِ إنَّ الشِّركَ لَظُلمٌ عَظِيمٌ}. [لقمان: 13].

 

* فلسفة (ليس في الإمكان أحسن مما كان) تكاد تحكم النظرة «التجميدية» للواقع الإسلامي، على ما هو عليه من تشرذم وفرقة، مع أن النظرة الشرعية «التجديدية» تدعو دائماً لإحياء ما اندرس من معالم الدين، ومنها وفي مقدمتها  بعد التوحيد  عقيدة الولاء والبراء، التي هي أوثق عُرى الإيمان.

 

* شرعيون لا قدريون:

نحن نؤمن بالقدر، لكننا لا نؤمن «بالقدرية» فالقدرية (العقدية) بنوعيها(1)، ابتداع في الدين، وشذوذ في الاعتقاد، عافى الله - تعالى - منه أهل السنة والجماعة، ولكن نوعاً جديداً من (القدرية الفكرية) بدأ ينتشر بين المسلمين، يشيع بينهم نوعاً من الهزيمة، ولوناً من السلبية، تقعدهم عن العمل بتكاليف الشريعة ومحكمات الأحكام احتجاجاً بالقدرº وذلك في صنوف من الأقاويل، منها مثلاً: أن هزيمة أعداء الأمة والتمكين للإسلام لن يكون إلا في زمان المهدي، ومنها: أن انتصارنا على اليهود لن يكون إلا في زمن الدجال..! ومنها: وهذا هو المقصود هنا  أن وحدة الأمة لن تتحقق أبداًº لأن القدر محتوم بدوام الافتراقº فلهذا فإن من العبث  كما يقولون  السعي في الوفاق والاتفاق، بل إن بعضهم تنطع وعدَّ الدعاء بجمع كلمة المسلمين من التعدي في الدعاءº لأن ذلك يتعارض مع القدر المعلوم باستحالة هذا الجمع!! ولو أنصف هؤلاء من أنفسهم، لعلموا أن الاعتصام بحبل الله حكم شرعي للتنفيذ لا حكم قدري للتعجيز، أو من باب (التكليف بما لا يطاق)º فاجتماع قلوب المسلمين على العمل بالدين هو الدين، وتفرقهم وتنازعهم وفرقتهم  بمزاعم قدرية أو حزبية أو مصلحية  هو هدم لأهم عوامل التمكينº ألم يأمر الله - تعالى - بالاجتماع في قوله - سبحانه - : {وَاعتَصِمُوا بِحَبلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]؟ إن هذه الآية أصل في فقه الوفاق، وقاعدة من قواعد العلاقات بين المسلمين، ولو كان الاجتماع والوفاق مستحيلاً قدراً، لما جاء الأمر به شرعاً. قال الإمام الطبري - رحمه الله - في تفسيره لهذه الآية: «يعني بذلك  جل ثناؤه : وتعلقوا بأسباب الله جميعاً، يريد بذلك - تعالى ذكره : وتمسكوا بدين الله الذي أمركم به، وعهده الذي عهد

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply