مائتي مليون مطرب!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قبل نصف قرن تقريباً زار شاعر الهند الكبير طاغور مصر وخلال زيارته أطلق جملته الشهيرة: وجدت في مصر أكثر من 20 مليون شاعر.. مصر كلها شعراء. 

جملة قالها طاغور في زمن مضى، والآن يمكننا تعديلها أو إعادة صياغتها لتصبح على النحو التالي: في العالم العربي أكثر من 200 مليون مطرب، لقد صار الوطن العربي كله مطربين. 

هكذا انطلقت البرامج، وهكذا تم تعريب كل ما يمت لاكتشاف الأصوات بصلة، فبرنامج ستار ميكر أو \"سمعنا صوتك\" ما هو إلا نسخة عربية لبرنامج \"صانع النجوم\"(star maker) البريطاني.  

وفي\"سمعنا صوتك\"يتنافس في كل حلقة 3 مشاركين، ويجري اختيار فائز من كل حلقة ليمضي في التصفيات، ويختار فائزاً في كل رابع حلقة، أما الفائز في الحلقة الأخيرة فيتوج نجم غناء، وتتبناه شركة \"عالم الفن\" لتطلقه في المسيرة الفنية. 

أما برنامج سوبر ستار فهو النسخة العربية من برنامج \"بوب إيدولز\" وهو برنامج ترفيهي يبحث عن نجم بوب وطني جديد في بريطانيا، وخلال 4 أشهر جذب البرنامج عدداً هائلاً من المشاهدين بلغ 14 مليوناً، بينهم 67% تتراوح أعمارهم بين 16 و34 سنة. 

والبرنامج نفسه تم إنتاج نسخة منه في الولايات المتحدة باسم \" البحث عن سوبر ستار\"، وكان من أنجح البرامج على شاشة محطة \"فوكس\" الأمريكية، كما أن البرنامج نجح أيضاً في جنوب أفريقيا وبولندا، وهو عموماً برنامج ترفيهي يقبل عليه أفراد العائلة، ولهذا فكرت قناة المستقبل في شراء النسخة العربية من الشركة المنتجة للبرنامج.

العدوى وصلت إلى أكثر من قناة، وتم نسخه في أشكال مختلفة، أفقرها \"النسخة المغربية\" التي تبناها المغني الجزائري الشاب مامي تحت اسم \"كاستينج ستار\" على القناة المغربية الأولى. 

كذلك فإن الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون السورية، ستستعين بمخرج لبناني لإخراج برنامج منوعات يهدف إلى استقطاب المواهب الشابة في سورية والبلدان العربية، ورغم أن تنفيذ البرنامج سيجري كله في استوديوهات التلفزيون السوري فإن التمويل سيكون من القطاع الخاص.

 

البيزنس.. ولا عزاء للحالمين

ومما يجب أن نعرفه هو أن معظم برامج صناعة النجوم هي نسخ معربة من برامج أجنبية شهيرة لها نفس الديكور والموسيقى التصويرية، بل وطريقة التقديم، أما لماذا استدعاها إعلاميون أو إعلاميون عرب، فلذلك قصة لا علاقة لها بصناعة النجوم أو باكتشاف المواهب. 

منذ فترة انتشرت في البلدان العربية هوجة الأرقام الصفرية، وهي أرقام يقوم الجمهور بالاتصال بها للحصول على خدمات معينة، أما في حالتنا فقد استغلها أصحاب شركات الدعاية وراغبوا المكاسب السهلة والسريعة في تحقيق غاياتهم. 

طريقة الحساب هي فتح اعتماد الخط والحصول على الأرقام، وبعدها يتم اقتسام عوائد المكالمات بين فاتح اعتماد الخط وشركة الاتصالات، والشيء نفسه يحدث بالنسبة لشركات التيلفون المحمول، استغلالاً لعدم معرفة الجمهور في بداية الأمر بطريقة استغلاله. 

وعن طريق هذه الخدمة تم عمل العديد من الحيل، فبدؤوا بالمسابقات التي تكون أسئلتها في منتهى التفاهة ومكاسبها خرافية، والتي لا تساوي شيئاً فيما تحصل عليه الشركة من عوائد الاتصالات. 

وتدريجياً بدأ أصحاب شركات الدعاية يتفننون في الطريقة التي ينظفون بها جيوب الجمهور، فظهرت برامج مثل: من سيربح المليون ووزنك ذهب و... و... وغيرها، وأخيراً كانت برامج اكتشاف المواهب أو صناعة النجوم.  

وكمثال فإن الاتصال بهذه البرامج لدقيقة واحدة محلياً في القاهرة -مثلاً- يتكلف جنيهاً ونصف (تقريباً ربع دولار)، وهي القيمة نفسها التي يدفعها المواطنون في سوريا، أما تكلفة الدقيقة من الأردن لبرنامج سوبر ستار فقيمتها 40 قرشاً أردنياً أي ما يعادل ثلاثة أرباع الدولار الأمريكي، وكذلك الأمر بالنسبة للتصويت من سوريا، وقد يقل قليلاً في مصر.

 

برامج.. صناعة النجم أم صناعة الوهم؟ 

 أحد الصحفيين كتب يهاجم صاحب شركة إنتاج كاسيتº لأنه يمتص دم مطربة وقّعت معه عقد احتكار، وينعى عليها حظهاº لأنها بعد أكثر من ثلاثة أعوام من الغناء وبعد أن أصدرت\"ألبومين\"تركب سيارة لم تسدد أقساطها بعد، وتسكن في شقة لم تدفع من ثمنها غير خمسين ألف جنيه.

وهذا الزميل بعد ما يقرب من العشرين عاماً من العمل في مهنة الصحافة ما زال يسير على قدميه، وما زال يسكن شقة بالإيجار المؤقت!  

هناك أزمة بطالة تضرب بجذورها في عمق المجتمع العربي، ولم تعد هناك وسيلة لصعود السلم الاجتماعي غير احتراف الغناء أو التمثيل أو لعب كرة القدم. 

تراجع العلم للمؤخرة وصار الحاصلون على الدرجات العلمية أكثر من الهم على قلب يائس من الحياة وما فيها ومن فيها. 

هكذا انتشرت مدارس الكرة، وهكذا انتشرت شركات اكتشاف الموهوبين، وهكذا أصبحت لعبة النجومية باباً مفتوحاً على مصراعيه أمام الحالمين وأمام المتاجرين بأحلام هؤلاء الحالمين، ممن يداعبون خيالهم ويحصلون منهم على كل ما يمكنهم دفعه في سبيل الحصول على فرصة للصعود غالباً لا تأتي.

الحلم يداعب خيال الأغلبية، فلماذا إذن لا تدخل الشركات الإعلانية الكبرى السباق وتحتكر منفردة ساحة تنظيف جيوب الحالمين بالنجومية والشهرة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply