بسم الله الرحمن الرحيم
كثيرة تلك الكتابات المغرضة التي يتولى كبرها طائفة من العلمانيين وفلول الشيوعيين، والتي تـهدف إلى تشويه أحكام الشرع الحنيف والاعتداء على مبادئه الأصيلة تحت دعوى محاربة الإرهاب والتطرف.
وكثيراً ما يعرض المرء عن تلك الأباطيل غير عابئ بـها فهي لا تعدو أن تكون محاولات دنيئة من وعول قميئة، تبغي تحطيم صخرة عظيمة بقرون كليلة.
فلم يَضِرها وأوهى قرنه الوعل
غير أننا نرى أنه لابد في كثير من الأحيان من تناول بعض تلك الكتابات بالرد والتنفيد، إذا كانت تحمل من السموم ما لا يمكن السكوت عليه.
ومن الأمور التي لا يمكن التغاضي عنها أن يخرج علينا بعض أولئك النفر متقمصاً ثوب أهل العلم فيتكلم في شرع الله بباطل من القول موهماً الناس أنه إنما يتكلم بأدلة شرعية وأقوال علمية.
وموضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الموضوعات التي لم تسلم من هذا العبث الذي أشرنا إليه، فإنك لا تزال تطالع بين الفينة والأخرى كتابات تتناول هذا الموضوع محاولة تفريغه من مضمونه أو حتى إنكاره بالكلية.
ونتناول فيما يلي مقالاً كتبه بعضهم حول هذا الموضوع، وهو ما نشرته مجلة المصور المصرية بتاريخ 26/1/1996 تحت عنوان: (ليس للحسبة أصل في الإسلام)، قائلة إنه بحث كتبه لها الدكتور: أحمد صبحي منصور وهو مدرس تاريخ مفصول من جامعة الأزهر[1].
والحق أنه برغم مرور فترة ليست بالوجيزة على نشر ذلك المقال إلا أن ذلك لا يمنع من تناوله وذلك لأمور منها: الصبغة العلمية الزائفة التي حاول صاحب المقالة أن يضفيها على مقالته، مما يجعل الأمر ليس خاصاً بظرف معين كتب فيه ذلك الموضوع، ومنها أن بعض الجهات بدأت في الرفع من شأن هذا الكتاب والترويج لهº فبعد أن كان يكتب فقط في بعض الدوريات المحدودة الانتشار وخصوصاً جريدة الأهالي الشيوعية، أصبحنا نرى الصحف والمجلات الحكومية تفتح صفحاتـها له، وهي التي كانت تتحاشى أن تنشر كتاباته، ومنها أن ما قاله الكاتب في مقاله ذاك لا يزال يكرر من قبله ومن قبل آخرين من أمثالهº فكان لابد من التعرض له وبيان ما فيه من الأباطيل.
ولابد من الإشارة هنا إلى الظرف الذي نشر فيه ذاك المقال، ففي تلك الفترة كان النظام المصري يمهد لإصدار قانون يمنع الأفراد من إقامة دعوى الحسبة في المحاكم، وكان ذلك على إثر حكم قضائي صدر بالتفريق بين مدرس جامعي وزوجته بناء على دعوى حسبة رفعها بعض الإسلاميين مطالبين بـهذا التفريق بسبب ردة ذلك الأستاذ.
ومن الناحية القانونية فإن حق الأفراد في رفع دعوى الحسبة كان معمولاً به في المحاكم الشرعية قبل إلغائها، فلما ألغيت انتقل ذلك المبدأ إلى محاكم الأحوال الشخصية، والتي تختص بقضايا الأسرة من زواج وطلاق وإرث ونحوه، وهو الجانب الوحيد الذي تطبق فيه أحكام الشريعة، وإن كان لم يسلم أيضاً من عبث العابثينº بسبب قوانين مخالفة لأحكام الشريعة فيه.
والمقصود من هذا المبدأ أنه من حق أي فرد أن يرفع دعوى قضائية ضد أي شخص يرى أنه قد خالف أحكام الشريعة في مجال الأحوال الشخصية، حتى ولو لم تكن للمدعي مصلحة مباشرة في رفع تلك الدعوى، ولا هناك مضرة تلحقه من ارتكاب ذلك الشخص لتلك المخالفة.
واستناداً إلى هذا المبدأ قبلت الدعوى المشار إليها وصدر الحكم المذكور، وقيل إن هناك دعاوى أخرى من هذا القبيل سترفع على آخرين من أمثال هذا المدرس الجامعي، مما حدا بالحكومة المصرية إلى أن تسرع بسن القانون المشار إليه.
وفي غمرة الحديث عن دعاوى الحسبة والتفريق بين الأزواج، وتمهيداً لصدور القانون المشار إليه فإن أجهزة النظام المصري قد ملأت الجو ضجيجاً حول الموضوع وراح الكل يتكلم فيما لا يحسنه، وظهرت أقلام مسمومة تصل في غلوائها إلى حد التعدي على مبدأ الحسبة الشرعية الذي هو كما قال أبو حامد الغزالي - بحق -: \"القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين\" [2].
وكان المقال المشار إليه نموذجاً لهذه الكتابات التي أشرنا إليهاº فصاحبه يزعم أن الحسبة بمعناها المعروف عند الفقهاء ليس لها أصل في الإسلام، لا في القرآن ولا في السنة ولا في أقوال الفقهاء القدامى، وهو وإن كان يعترف بورود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القرآن، إلا أنه يفسره تفسيراً سقيماً يسلب عن تلك الشعيرة معناها الإيجابي فيقصرها على مجرد النصح القولي ثم الإعراض عن صاحب المنكر.
أما السنة حسب مفهومه فليس للحسبة فيها أصل لا من حيث الاصطلاح ولا من حيث المعنى المقصود وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكذلك الفقهاء يزعم الكاتب أنه ليس للحسبة ذكر في فتاواهم، ويقف تحديداً عند الأئمة الثلاثة: أبي حنيفة ومالك والشافعي، فيذكر أنه ليس للحسبة أصل في أقوالهم وأنـهم لم يقولوا بالتفريق بين الرجل وزوجته بسبب الردة.
ونحن نبين - بمشيئة الله - تعالى - مدى جهل هذا الكاتب وتلبيسه من خلال عرضنا لقضية الحسبة في الإسلام، فنقول وبالله التوفيق:
أولاً: معنى الحسبة لغة واصطلاحاً:
الحسبة في اللغة هي الأجر، واحتسب بكذا أجراً عند الله: اعتده ينوي به وجه الله، واحتسب عليه: أنكر، ومنه المحتسب[3].
ومن هذا المعنى اللغوي جاء المعنى الاصطلاحيº فالحسبة في الاصطلاح هي كما ذكر الماوردي: \"أمر بمعروف ظهر تركه، أو نـهي عن منكر ظهر فعله\" [4].
وعليه فإن المقصود بالحسبة هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإذا سأل إنسان: هل في الحسبة أصل في الإسلام؟ فهو يسأل: هل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل في الإسلام؟.
ولاشك أن الإجابة التي لا محيص عنها هي: نعم، بل إن الأمر بالمعروف والنهي عن المكر واجب من أهم واجبات الإسلام، والنصوص الشرعية الدالة على ذلك أكثر من أن تحصى.
ثانياً: الأدلة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
من هذه الأدلة: قوله - تعالى -: [ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر][آل عمران: 104]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: \"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان\" [5].
فهذه الآية وهذا الحديث نصان قاطعان في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذه الأمة، وفي معناهما آيات وأحاديث أخر.
وذلك مثل قوله - تعالى -: [كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله][آل عمران: 110]، فقد رتبت هذه الآية خيرية الأمة على قيامها بـهذه الشعيرة العظيمة: شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد إيمانـها بالله - عز وجل -.
وقال - تعالى - في ذم بني إسرائيل: [لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون] [المائدة: 78 - 79].
وفي الحديث الصحيح: \"مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً\" [6].
ومن الأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك أيضاً قوله - صلى الله عليه وسلم -: \"ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنـها تختلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل\" [7].
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً: \"إياكم والجلوس على الطرقات، قالوا: مالنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها. قال: فإذا أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها. قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر\" [8].
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \" انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً. قالوا: يا رسول الله: هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال: تأخذ فوق يديه\" [9].
قال الحافظ ابن حجر: \"قوله: تأخذ فوق يديهº كنى به عن كفه عن الظلم بالفعل إن لم يكف بالقول، وعبر بالفوقية إشارة إلى الأخذ بالاستعلاء والقوة\" [10].
ثالثاً: نفي الكاتب لوجود الحسبة في السنة:
إن الأحاديث الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما رأينا كثيرة جداً، ولذا فإن من أعجب العجب أن يقول صاحب المقال المشار إليه تحت عنوان (هل للحسبة أصل في السنة النبوية؟): \"أبداً ليس لها أصل على الإطلاق في السنة النبوية، فلم يثبت أن النبي أقام محاكم تفتيش لأحد من المنافقين.. \"، وهذا من قائله جهل مركبº فإن الأحاديث التي أوردناها واضحة وضوح الشمس في إثبات الحسبة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولست أدرى عن أي سنة يتكلم هذا الرجلº وقد كنت أسمع أن له منهجاً باطلاً في الحكم على الأحاديث، ولكني ما كنت أظن أنه تبلغ به الجرأة على تكذيب كل هذه الأحاديث الصحيحة الواردة في شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي هي قليل من كثير مما ورد في هذا الأمر العظيم.
أما قضية المنافقين التي أشار إليها الكاتب فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يحتاج إلى أن يقيم لهم محاكم تفتيش، إذ قد أعلمه الله بـهم وأمرهم ألا يصلي عليهم، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يعرفهم بأعيانـهم حتى إنه قد أخبر بـهم حذيفة - رضي الله عنه - في غزوة تبوك، ومع معرفته بـهم إلا أنه تركهم فلم يقتلهم لحكمة يعلمها أهل الفقه بسنة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وسيرته، فقد قال عمر - رضي الله عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شأن عبد الله ابن أبي: \"يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه\" [11].
فقد أقر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر في إثبات النفاق لعبد الله بن أبي، ولكنه بين له أن هناك مفسدة عظيمة سوف تحدث لو قتله، وهي أن هذا الرجل مع نفاقه - يُظهر الإسلام والناس لا يظنونه إلا مسلماً لو قتلناه لتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، فلم يقل له - صلى الله عليه وسلم - إنه لا يجوز قتله، بل ذكر له العلة في ترك قتله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند حديثه عن أهمية قياس المصالح والمفاسد قبل تغير المنكر: \"ومن هذا الباب إقرار النبي لعبد الله بن أبي وأمثاله من أئمة النفاق والفجور لما لهم من أعوان، فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحميتهم وبنفور الناس إذا سمعوا أن محمداً يقتل أصحابه\" [12].
وهكذا نقول هنا: إننا قد نترك إقامة حد شرعي أو نترك منكراً فلا نغيره إذا كان سيترتب على القيام بذلك مفسدة أكبر، لكن ذلك لا يحملنا على الرضا بذلك المنكر أو تغيير حكم الله في وجوب إقامة الحدود الشرعية ووجوب تغيير المنكرات.
رابعاً: فهم الكاتب لقضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القرآن:
الكاتب لا ينكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في القرآن الكريم، لكنه يضع له فهماً ما أنزل الله بن من سلطانº إذ نراه يقول: \"فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبرز معالم التشريع القرآني، ولكنه محدد بمجرد النصح القولي بالأمر والنهي، ثم الإعراض عمن يستمر في المنكر ما دام لا يؤدي ذلك المنكر إلى عقوبة من العقوبات التي تتعلق بحقوق البشر في النفس والمال والعرض، فإذا ارتكب ذلك عوقب، وما عدا ذلك وخصوصاً ما يتعلق بحقوق الله - تعالى - فمرجعها إلى الله - تعالى - يحكم فيها يوم القيامة\".
ويستدل الكاتب على أقواله تلك بقول الله - عز وجل -: ]يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم[[المائدة: 105]، وقوله جل جلاله: ]خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين[[الشعراء: 216]، ويقول الكاتب: \".. لم يقل له: فإن عصوك فاضربـهم بالسلاسل والجنازير مع أن عصيان النبي أمر فظيع\".
والحقيقة أنا لا ندري من أين أتى الكاتب بـهذا الفهم العجيب، وإننا نسأله: أهو أعلم بالشريعة من صاحب الشرع - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: \"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده.. \"؟.
فقد بين لنا - صلى الله عليه وسلم - أن تغيير المنكر ليس بمجرد النصح القوليº بل قد يكون باليد، وقد يكون باللسان، وقد يكون بالقلب، ولم يفرق - صلى الله عليه وسلم - بين ما فيه عقوبة وما ليس فيه عقوبة.
كما أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يفرق بين ما يتعلق بحق الله، وما يتعلق بحق البشر في تحديد المنكر الذي يجب تغييره باليد أو اللسان أو القلب.
وما ذكره الكاتب من أدلة الصفح والإعراض إنما كان في العصر المكي حيث كان المسلمون مأمورين بالصفح والعفو، ولم تكن قد نزلت الحدود بعد، فكانوا يصفحون ويعرضون ليس فقط عمن لم يستجب للنصح بل حتى عمن آذاهم ونال منهم، ثم لما قوي المسلمون في العصر المدني نُسخ ذلك وشرع الجهاد وشرعت الحدود فقال الله - عز وجل - مخاطباً المؤمنين: [فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد][التوبة: 5]، بعد أن كان يقول لهم في العصر المكي: [فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره][البقرة: 109].
قال ابن كثير: \".. وكان هذا في ابتداء الإسلام أمروا أن يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب، ليكون ذلك كالتأليف لهم، ثم لما أصروا على العناد شرع الله - تعالى - للمؤمنين الجهاد والجلاد\" [13].
وأيضاً فقوله - تعالى -: [يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم.. ] ليس معناها ما ذهب إليه الكاتب من ترك المفسدين يفسدون في الأرض إذا لم يستجيبوا للنصحº وإنما معناه أنه بعد قيام المسلمين بواجبهم في الأمر والنهي بكل ما أمكنهم من الوسائل فإنـهم لا يتحملون وزر من بقي على ضلاله ولم يهتد.
ولذا فقد قال أبو بكر - رضي الله عنه -: \"يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونـها على غير موضعها، وإنا سمعنا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقابه\" [14].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: \"وإنما يتم الاهتداء إذا أطيع الله وأُدي الواجب من الأمر والنهي وغيرهما\" [15].
فلابد إذاً من الأخذ على يدي الظالم كما علمنا الصديق رضي الله عنه مصححاً للبعض ما قد يظنونه تفسيراً للآية الكريمة.
خامساً: قضية الردة:
وأدلف الآن سريعاً إلى قضية مهمةº وهي التي أظن الكاتب عناها بما كتب ألا وهي قضية الردة، ذلك أنه يذكر في كلامه الذي نقلناه آنفاً أن ما يتعلق بحقوق الله فمرجعه إلى الله يحكم فيه يوم القيامة، وأن ذلك لا مدخل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه، وأنه لا عقوبة عليه في الدنيا، ويقول بعد ذلك: \"وكل إنسان يرى نفسه على الحق في اعتقاده، ولذلك فإن الله - تعالى - جعل يوم الدين هو يوم الفصل بين العباد في أمور العقائد والاختلافات الدينية\".
فهل يريد الكاتب أن يلغي حد الردة من شريعة الله؟!.
إن عقوبة المرتد في الإسلام معروفة، بينها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: \"من بدل دينه فاقتلوه\" [16].
وفي الصحيح من حديث ابن مسعود مرفوعاً: \"لا يحل دم مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة\" [17].
قال ابن حجر: والمراد الجماعة: جماعة المسلمينº أي فارقهم، أو تركهم بالارتداد فهي صفة للتارك أو المفارق لا صفة مستقلة، وإلا لكانت الخصال أربعاً\" [18].
وعن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: \"لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إسلام، أو زنا بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس\" [19].
والأئمة الذين يتشدق الكاتب ببعض أقوالهم زاعماً أنـها تفيده في منهجه الباطل يجمعون على وجوب قتل المرتد.
قال مالك - رحمه الله -: \"ومعنى قوله النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما نرى والله أعلم: (من غير دينه فاضربوا عنقه)º أنه من خرج من الإسلام إلى غيره مثل الزنادقة وأشباههم فإن أولئك إذا ظُهر عليهم قُتلوا ولم يستتابواº لأنه لا تعرف توبتهم وأنـهم كانوا يسرون الكفر ويعلنون الإسلام، فلا أرى أن يستتاب هؤلاء ولا يقبل منهم قولهم، وأما من خرج من الإسلام إلى غيره وأظهر ذلك فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قُتل\"[20].
وقال ابن عبد البر عند الكلام على نفس الحديث: \"وفقه الحديث أن من ارتد عن دينه حل دمه وضربت عنقه، والأمة مجتمعة على ذلك، وإنما اختلفوا في استتابتهº فطائفة منهم قالت لا يستتاب على ظاهر الحديث ويقتل، وطائفة منهم قالت يستتاب\"[21]
----------------------------------------
[1] - كانت الجامعة الأزهرية قد فصلته بسبب آرائه الشاذة وإنكاره للسنة النبوية الشريفة، وقد كان هذا الكاتب شريكاً لفرج فوده في تأسيس ما سمي بحزب المستقبل الذي لم يتم التصريح به، كما أن له علاقة مشبوهة بالمدعو: محمد رشاد خليفة الذي كان قد ادعى النبوة في أمريكا ثم أهلكه الله، فقد نشر الدكتور عبد الغفار عزيز في كتابه من قتل فرج فوده (ص: 55) نص رسالة أرسلها محمد رشاد خليفة إلى أحد أساتذة جامعة الأزهر كان قد انتقد أحمد صبحي منصور في مقال بإحدى الصحف، وفي هذه الرسالة يشكر رشاد خليفة - متهكماً - ذلك الأستاذ ويقول: \"لقد خدمتنا هذه المقالة الرائعة في الحصول على موافقة الحكومة الأمريكية على اعتبار الأخ الدكتور بطلاً مجاهداً برأيه وقلمه وضحية واضحة لبلد القهر الكبرى أزهر الشيطان.. \".
[2] - إحياء علوم الدين 2/306.
[3] - انظر القاموس المحيط 1/54 55.
[4] - الأحكام السلطانية، ص: 391.
[5] - أخرجه مسلم (49)، وأبو داود (1140)، وابن ماجه (1275)، والنسائي (8/111- 112) من حديث أبي سعيد الخدري.
[6] - أخرجه البخاري (2493)، (2686)، والترمذي (2172)، وأحمد (4/269) من حديث النعمان بن بشير.
[7] - أخرجه مسلم (50) من حديث عبد الله بن مسعود.
[8] - أخرجه البخاري (2465)، (6229)، ومسلم (2121) وأبو داود (4815).
[9] - أخرجه البخاري (2443)، (2444)، (6952).
[10] - فتح الباري 5/98.
[11] - أخرجه البخاري (4905)، (4907)، ومسلم (2584) من حديث جابر بن عبد الله.
[12] - مجموع الفتاوى 28/131.
[13] - تفسير القرآن العظيم 4/150.
[14] - أخرجه أبو داود (4338) والترمذي (2168)، (3057)، وقال: حسن صحيح، وأخرجه ابن ماجة (4005)، وأحمد (1/2، 5، 7، 9)، وصححه الألباني في الصحيحة (1564).
[15] - مجموع الفتاوى 14/ 480.
[16] - حديث صحيح أخرجه البخاري (3017)، وأبو داود (4351)، والترمذي (1458)، والنسائي (7/104)، وابن ماجة (2535) من حديث ابن عباس.
[17] - أخرجه البخاري (6878)، ومسلم (1676)، وأبو داود (4352)، والترمذي (1403)، والنسائي (7/90)، وابن ماجة (2534)، والدارمي (2451).
[18] - فتح الباري (12/201).
[19] - أخرجه أبو داود (4502)، والترمذي (2158)، وابن ماجة (2533).
[20] الموطأ 2/736.
[21] التمهيد 5/306.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد