بسم الله الرحمن الرحيم
الاختلاف والخلاف وعلم الخلاف:
الاختلاف والمخالفة أن ينهج كل شخص طريقاً مغايراً للآخر في حاله أو في قوله. والخلاف أعم من \"الضد \" لأن كل ضدين مختلفان، وليس كلٌّ مختلفين ضدين، ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يفضي إلى التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة، قال - تعالى -:
((فاختَلفَ الأحزابُ مِن بينِهم…)) [مريم: 37]
((وَلا يزَالُون مُختلِفين)) [هود: 118]
((إنَّكُم لفِي قولٍ, مُختلِف)) [الذاريات: 8]
((إنَّ رَبَّكَ يَقضِي بينهم يوم القِيامةِ فيما كانوا فيهِ يختلِفون)) [يونس: 93].
وعلى هذا يمكن القول بأن \"الخلاف والاختلاف \" يراد به مطلق المغايرة في القول أو الرأي أو الحالة أو الهيئة أو الموقف.
وأما ما يعرف لدى أهل الاختصاص بـ \"علم الخلاف \" فهو علم يمكِّن من حفظ الأشياء التي استنبطها إمام من الأئمة، وهدم ما خالفها دون الاستناد إلى دليل مخصوص، إذ لو استند إلى الدليل، واستدل به لأصبح مجتهداً وأصولياً، والمفروض في الخلاف ألاّ يكون باحثاً عن أحوال أدلة الفقه، بل حسبه أن يكون متمسكاً بقول إمامه لوجود مقتضيات الحكم - إجمالاً - عند إمامه كما يظن هو، وهذا يكفي عنده لإثبات الحكم، كما يكون قول إمامه حجة لديه لنفي الحكم المخالف لما توصل إليه إمامه كذلك.
الجــدل و \"علم الجـــدل\":
إذا اشتد اعتداد أحد المخالفين أو كليهما بما هو عليه من قول أو رأي أو موقف، وحاول الدفاع عنه، وإقناع الآخرين به، أو حملهم عليه سميت تلك المحاولة بالجدل.
فالجدل في اللغة \"المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة \" مأخوذ من \"جدلت الحبل \" إذا فتلته وأحكمت فتله، فإن كل واحد من المتجادلين يحاول أن يفتل صاحبه ويجدله بقوة وإحكام على رأيه الذي يراه.
وأما \"علم الجدل \" فهو: علم يقوم على مقابلة الأدلة لإظهار أرجح الأقوال الفقهية(4).
وعرَّفه بعض العلماء بأنه \"علم يقتدر به على حفظ أي وضع يراد ولو باطلاً وهدم أي وضع يراد ولو حقا ً\" (5).
ويظهر في هذا التعريف أثر المعنى اللغوي للجدل، لأنه - على هذا - علم لا يتعلق بأدلة معينة، بل هو قدرة أو ملكة يؤتاها الشخص ولو لم يحط بشيء من الكتاب والسنة ونحوهما.
الشــــقــاق:
فإذا اشتدت خصومة المتجادلين، وآثر كل منهما الغلبة بدل الحرص على ظهور الحق ووضوح الصواب، وتعذر أن يقوم بنما تفاهم أن اتفاق سميت تلك الحالة بـ \"الشقاق\" و \"الشقاق\" أصله: أن يكون كل واحد في شق من الأرض أي نصف أو جانب منها، فكأن أرضاً واحدة لا تتسع لهما معاً، وفي التنزيل ((وَإن خِفتُم شِقاق بينِهِما)) [النساء: 35] أي خلافاً حاداً يعقبه نزاع يجعل كل واحد منهما في شق غير شق صاحبه، ومثله قوله - تعالى - ((فَإِنّما هُم فِي شِقاق ٍ,)) [البقرة: 137].
المقبول والمـردود مـن الاختــلاف:
قضت مشيئة الله - تعالى - خلق الناس بعقول ومدارك متباينة، إلى جانب اختلاف الألسنة والألوان والتصورات والأفكار، وكل تلك الأمور تفضي إلى تعدد الآراء والأحكام، وتختلف باختلاف قائليها، وإذا كان اختلاف ألسنتنا وألواننا ومظاهر خلقنا آية من آيات الله - تعالى -، فإن اختلاف مداركنا وعقولنا وما تثمره تلك المدارك والعقول آية من آيات الله - تعالى - كذلك، ودليل من أدلة قدرته البالغة، وإن أعمار الكون وازدهار الوجود، وقيام الحياة لا يتحقق أي منها لو أن البشر خلقوا سواسية في كل شيء، وكل ميسر لما خلق له ((وَلو شاء ربٌّك لجَعل النَّاسَ أمَّةً واحِدةً، ولا يزالون مُختلِفين إلاّ مَن رَحِم ربٌّك ولذلِك خَلقهم)) [هود: 118-119].
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد