أسباب الاختلاف وتطوره


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

أسباب الاختلاف من عهد النبوة حتى عهد الفقهاء:

إذا سلمنا أن الاختلاف في القضايا الفكرية - التي منها القضايا الفقهية - أمر طبيعي، لما فطر عليه الناس من تباين في عقولهم وأفهامهم ومداركهم، وجب أن نقر بأن الاختلاف في عهد النبوة والخلافة الراشدة بين عديد من الصحابة كان أمراً واقعاً تشهد له جملة من الأحداث، وليس في نقيه ما يخدم هذا الدين، كما أننا لا نرى في بيانه مساساً بمثالية هذه الدعوة، وصدق نية أولئك الرجال الذين كانوا يختلفون، بل يمكن أن نقول: إن في ذكر هذه الاختلافات بياناً لواقعية هذا الدين، فهو يتعامل مع الناس على أنهم بشر، تتنازعهم عوامل مختلفة مما فطر الله - تعالى - خلقه عليه، ولكن الذي تطمئن إليه النفس المؤمنة أن ذلك الاختلاف لم ينشأ عن ضعف في العقيدة، أو شك في صدق ما يدعو إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل كان تحري الحق والرغبة في إصابة قصد الشارع من الأحكام بغية جميع المختلفين.

 

ولما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - مصدر تلك الأحكام لم يكن عمر الخلاف يمتد لأطول من الطريق المؤدية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد رأينا من خلال الأحداث التي مرت أن أسباب الاختلاف في مجموعها، لم تكن تخرج عن تباين في فهم النص لأسباب لغوية أو اجتهادية، وذلك في تفسير ما بين أيديهم من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم تكن هذه الأسباب لتخفي وراءها أية نوايا تحاول إنماء بذرة الخلاف التي كان المنافقون يحرصون على تعهدها.

 

لذلك سرعان ما كانت هذه الاختلافات تضمحل بلقاء الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو الاحتكام إلى نص أدركه بعضهم وغاب عن الآخرين، لأن غاية ذي الفطرة السليمة نشدان الحق حيثما وجد.

 

من الطبيعي أن تنتقل بعض الأسباب الموضوعية للاختلاف من عصر لآخر حيث يصعب وضع حواجز تحصر خلفها أسباب الاختلاف في كل عصر، ولكن هناك أموراً كانت تستجد على الساحة الإسلامية، نتجت عنها أسباب وعوامل تذكي روح الاختلاف.

 

فمنذ مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان - رضي الله عنه -تعرضت الأمصار الإسلامية لهزات عنيفة أفرزت بعض الأحداث التي أدخلت إلى دائرة الاختلاف أموراً كانت خارجها، ربما أدت إلى انطواء أهل كل بلد أو مصر على ما وصلهم من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خوف الوضع والدس، كما أشرنا من قبل.

 

وظهرت مدرستا الكوفة والبصرة كبيئة خصبة لتفاعل الأفكار السياسية وتعددت الفرق المختلفة، كالخوارج والشيعة والمرجئة(106)، وظهرت المعتزلة والجهمية وغيرهم من أهل الأهواء والبدع.

 

وتعددت المناهج العقلية والفكرية بتعدد تلك الفرق، وأصبح لكل فرقة منطلقات وقواعد تنطلق منها في تعاملها مع نصوص الشارع، وفي تفسيرها للمصادر الشرعية، وفي مواقفها من القضايا المختلفة التي استجدت، وبدأت الحاجة تظهر إلى وضع الضوابط والقيود، وتحديد المناهج وطرق استنباط أحكام الوقائع من الوحي الإلهي، وتحديد ما يجوز الاختلاف فيه وما لا يجوز.

 

ولعل من فضل الله - تعالى - أن جعل الجانب الفقهي في دائرة ما يجوز فيه الاختلاف، وذلك لأن \"الفقه \" عبارة عن معرفة الفقيه حكم الواقعة من دليل من الأدلة التفصيلية الجزئية التي نصبها الشارع للدلالة على أحكامه من آيات الكتاب، وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد يصيب الفقيه حكم الشارع، أو يوافقه، وقد لا يوافق ذلك، ولكنه في الحالتين غير مطالب بأكثر من أن يبذل أقصى طاقته العقلية والذهنية للوصول إلى حكم، فإن لم يكن ما وصل إليه حكم الشارع فهو أقرب ما يكون إليه في حقيقته وغاياته وآثاره، ولذلك كان الاختلاف أمراً مشروعاً وذلك لتوفر أمرين فيه:

 

الأول: أن لكل من المختلفين دليلاً يصح الاحتجاج به، فما لم يكن له دليل يحتج به سقط، ولم يعتبر أصلاً.

 

الثاني: ألاّ يؤدي الأخذ بالمذهب المخالف إلى محال أو باطل، فإن كان ذلك بطل منذ البداية، ولم يسع لأحد القول به بحال، وبهذين الأمرين يغير \"الاختلاف \" \"الخلاف \".

 

فالاختلاف ما توافر فيه الشرطان المذكوران، وهو مظهر من مظاهر النظر العقلي والاجتهاد، وأسبابه منهجية موضوعية في الغالب.

 

أما الخلاف فهو الذي يفقد الشرطين أو أحدهما، وهو مظهر من مظاهر التشنج والهوى والعناد، وليس له من سبب يمت إلى الموضوعية.

 

أسباب الاختلافات الفقهية في عصر الفقهاء:

حرص الفقهاء الذين أجمعت الأمة على الأخذ بمذاهبهم، على التزام الشرطين السابقين، وقد اختلف الناس في تحديد أسباب الاختلافات الفقهية في هذا العصر اختلافاً بيِّناً: فمن مكثر في ذكر هذه الأسباب إلى مقتصد فيها، ومع ذلك فإن من الممكن إعادة

 

هذه الأسباب إلى الأمور التالية:

1- أسبـاب تعود إلى اللغـة:

وذلك كأن يرد في كلام الشارع لفظ مشترك، وهو ما وضع لمعان متعددة ومختلفة، كلفظة \"عين \" التي تستعمل في الباصرة والجارية، وفي الذهب الخالص، وفي الرقيب، وغيرها من المعاني.

 

فإذا وردت في كلام الشارع مجردة عن القرينة، تساوت المعاني التي وضعت لها - في احتمال كون كل منها مراداً - فيختلف المجتهدون في حمل ذلك اللفظ على أي من معانيه التي وضع لها، أو عليها كلها.

 

فقد اختلف الفقهاء في مراد الشارع من لفظ \"القرء \" في قوله - تعالى -: ((وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ, )) (البقرة: 228). فلفظ \"القرء \" مشترك بين الطهر والحيض، فاختلف الفقهاء في عدة المطلقة أتكون بالحيض أم بالأطهار؟ فذهب الحجازيون - منهم - إلى أن عدة المطلقة ثلاثة أطهار، وذهب العراقيون إلى أنها ثلاث حيض (107).

 

وأحياناً يكون للفظ استعمالان: حقيقي، ومجازي، فيختلفون في أيهما استعمل اللفظ في ذلك النص من نصوص الشارع.

 

وقد اختلف العلماء بادئ ذي بدء في جواز وقوع المجاز في لفظ الشارع، بأثبته الأكثرون، ونفاه الأقلون، كالأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني وشيخ الإسلام ابن تيمية.

 

والذين نفوه استدلوا بأن المجاز هو إطلاق اللفظ على غير ما وضع له - في الأصل - كإطلاق لفظ \"الأسد \" وإرادة الرجل الشجاع، ونصوص الشارع جاءت لبيان الأحكام الشرعية وإطلاق اللفظ وإرادة غير ما وضع له مناف للبيان المقصود، ولسنا بصدد مناقشة هذا الموضوع، فإن جماهير العلماء قد ذهبوا إلى ورود المجاز في لفظ الشارع، واعتبر ابن قدامة وغيره من الأصوليين إنكار وقوعه في نصوص الشارع نوعاً من المكابرة (108).

 

وعلى هذا فقد يختلف العلماء في فهم المراد من كلام الشارع، إذا ورد بتركيب متردد بين الحقيقة والمجاز، أو ورد لفظ مفرد يحتمل الأمرين فيحمله بعضهم على المعنى الحقيقي، ويحمله آخرون على المعنى المجازي وذلك كلفظ:الميزان\" فحقيقته تلك الأداة التي يزن الناس بها الأشياء.

 

ويطلق على \"العدل\" مجازاً. قال - تعالى -:

((وَالسَّماءَ رَفَعَهَا ووَضَعَ المِيزَانَ، ألاّ تَطغَوا في المِيزَانِ، وَأَقِيمُوا الوَزنَ بِالقِسطِ وَلاَ تُخسِرُوا المِيزَان َ)) (الرحمن:7-9). فالميزان في الأولى والثانية استعمل في \"العدل\" كما في قوله - تعالى -: ((لَقَد أَرسَلنا رُسُلَنَا بِالبَيِّناَتِ وَأَنزَلنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالقِسط ِ)) (الحديد:25)، وفي الثالثة أريد به المعنى الحسي، وهو الأداة التي توزن بها الأشياء(109). كما يقال للعروض \"ميزان الشعر\" وللنحو \"ميزان الكلام \" (110). ومثله لفظ \"السلسلة \" وغيرها. وأحياناً يكون المجاز في التركيب كما في قوله - تعالى -: ((يا تَنِي آدَمَ قَد أَنزَلنَا عَلَيكُم لِبَساً يُوَارِي سَوءَاتِكُم وَرِيشا ً)) (الأعراف: 26) فمن المعلوم أن اللباس لا ينزل من السماء وهو لباس، ولا الريش كذلك، ولكن الله - تعالى - أنزل المطر وأنبت النبات وخلق الحيوان وكساه الصوف والشعر والوبر، وأنبت القطن والكتان ليتخذ منه اللباس، فأسند إلى المسبب وهو اللباس بدلاً من السبب وهو الماء الذي جعل الله - تعالى - منه كل شيء حي. ومن المعروف أن صيغة \"افعل \" للأمر و\"لا تفعل \" للنهي، ومطلق الأمر يفيد الوجوب، ومطلق النهي يفيد التحريم، ذلك هو الاستعمال الحقيقي لكل من الصيغتين، ولكن قد ترد كل منهما لمعان غير المعنى الذي وضعت له أولاً.

 

فقد يرد الأمر للندب مثل قوله - تعالى -: ((فَكَاتِبُوهُم إن عَلِمتُم فِيهِم خَيراً )) (النور:33).

 

والإرشاد نحو قوله - تعالى -:((وَاستَشهِدُوا شَهِيدَينِ… )) أو قوله: ((إذا تَدَايِنتُم بِدَينٍ, إلى أَجَلٍ, مُسمًّى فَاكتُبُوه ُ)) (البقرة: 282) والتهديد نحو قوله - تعالى -: ((اعمَلُوا مَا شِئتُم )) (فصلت:40) وغير ذلك (111).

 

وكذلك النهي قد يرد لغير التحريم، كالكراهة والتحقير في نحو قوله - تعالى -: ((لا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إلى مَا مَتَّعنَا بِهِ أَزوَاجاً مِنهُم )) (الحجر:88).

 

والإرشاد كما في قوله - تعالى -: ((لا تسأَلوُا عَن أشياءَ إن تُبدَ لَكُم تَسُؤكُم )) (المائدة:101) وغيرها (112).

 

كما أن الأمر قد يرد بصيغة الخبر، وكذلك النهي قد يرد أيضاَ بصيغة الخبر والنفي، وكل ذلك له آثار في اختلاف الفقهاء، وفي طرائقهم، وفي استنباط الأحكام الشرعية من النصوصº وأحياناً تختلف مذاهب العلماء في فهم النص لاختلاف أحوال كلمة واردة فيه، وإن لم يختلف معناها، كاختلافهم في قوله - تعالى -: ((ولا يُضاَرَّ كَاتِبُ وَلاَ شَهِيد ُ)) (البقرة:282 ) حيث ذهب بعضهم إلى أن المراد بها صدور الضرر من الكاتب والشهيد وذلك بأن يكتب الكاتب ما لم يُملَ عليه، ويشهد الشاهد بخلاف الواقع، ودليل هؤلاء قراءة ابن عباس رضي الله عنهما: ((ولا يُضاَرَّ كَاتِبُ وَلاَ شَهِيدُ )).

 

وذهب آخرون إلى أن المراد وقوع الضرر عليهما، كأن يمنعا من أشغالهما، ويكلَّفا الكتابة والشهادة في وقت لا يلائمهما، ودليل من ذهب إلى هذا قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: ((ولا يُضاَرَّ كَاتِبُ وَلاَ شَهِيد ُ)) فلما كانت اللفظة مدغمة في لغة تميم، احتمل بناء الفعل المعلوم، وبناؤه للمجهول، فحدث هذا الاختلاف، وإن كان فك الإدغام لغة أهل الحجاز(113).

 

والمتتبع لهذا النوع من أسباب الاختلاف، يجد أمثلة كثيرة عليه في الكلمات المفردة، وفي التراكيب المختلفة وأنواعها، وما يعرض لها من عموم وخصوص، وإطلاق وتقييد، وإجمال وبيان، وغير ذلك… ولعل فيما ذكرنا ما ينبه إلى ما أغفلنا مما يمكن الاطلاع عليه في مظانه (114).

 

2- أسباب تعود إلى رواية السنن:

وهذا النوع من الأسباب متعدد الجوانب، مختلف الآثار، وإليه ترجع معظم الاختلافات الفقهية التي وقعت لعلماء السلف.

 

فأحياناً لا يصل الحديث إلى مجتهد ما، فيفتي بمقتضى ظاهر آية أو حديث آخر، أو بقياس على مسألة سبق فيها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضاء، أو بمقتضى استصحاب للحال السابقة(115)، أو بمقتضى أن الأصل البراءة وعدم التكليف(116)، أو بموجب أي وجه معتبر من وجوه الاجتهاد.

 

وقد يصل - في الواقعة موضع البحث - إلى مجتهد آخر حديث، فيفتي بمقتضاه فتختلف فتياهما.

 

وأحياناً يصل الحديث إلى المجتهد، ولكنه يرى فيه علة تمنع من العمل بمقتضاه، كاعتقاده عدم صحة إسناده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لوجود مجهول أو متهم، أو سيئ الحفظ في سلسلة إسناده، أو لانقطاعه أو إرساله، أو لكونه يشترط في خبر الواحد العدل الحافظ شروطاً لا يشترطها غيره، فيعمل أحدهما بالحديث، لأن له طريقاً صحيحاً متصلاً عده، ولا يعمل الآخر بمقتضاه لعلَّة من العلل المذكورة، فتختلف الأقوال.

 

وقد تختلف أقوال العلماء لاختلاف آرائهم في معاني الحديث ودلالته، وذلك كاختلاف أقوالهم في مسائل: \"المزابنة \" (117) و\"المخابرة \"(118) و \"المحاقلة \" (119) و \"الملامسة \"(120)و\"المنابذة \"(121) و \"الغرر \"(122) لاختلافهم في تفسيرها.

 

وقد يصل الحديث لبعضهم من طريق بلفظ، ويصل لمجتهد آخر بلفظ مغير وذلك كأن يُسقط أحدهما من الحديث لفظاً لا يتم المعنى إلا به، أو يتغير معنى الحديث بسقوطه.

 

وقد يصل الحديث إلى أحد المجتهدين مقترناً بسبب وروده، فيحسن فهم المراد منه، ويصل إلى آخر من غير سبب وروده، فيختلف فهمه له.

 

وقد يسمع راو بعض الحديث، ويسمع الآخر الحديث كاملاً. وقد ينقل الحديث من كتاب بلفظ مصحّف أو متغير، ويبني عليه، وينقله آخر بلفظ لم يدخله شيء من ذلك فتختلف الأقوال بناء على ذلك، وقد يصح الحديث عند المجتهد ولكنه يعتقد أنه معارض بما هو أصح منه أو أقوى، فيرجح الأقوى، أو لا يتضح له أقوى الدليلين، فيتوقف عن الأخذ بكل منهما، حتى يظهر له مرجح.

 

وقد يعثر مجتهد على ناسخ للحديث، أو مخصص لعامه، أو مقيد لمطلقه ولا يطلع مجتهد آخر على شيء من ذلك، فتختلف مذاهبهما (123).

 

3- أسبـاب تعـود إلى القواعـد الأصولية وضوابط الاستنباط:

علم أصول الفقه هو: \"معرفة أدلة الفقه على سبيل الإجمال، وكيفية الاستفادة منها، وحال المستفيد \".

 

فهذا العلم عبارة عن: مجموع القواعد والضوابط التي وضعها المجتهدون لضبط عملية الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية الفرعية من الأدلة التفصيليةº فيحدد المجتهدون في مناهجهم الأصولية الأدلة التي تستقى منها الأحكام، ويستدلون لحجية كل منها، ويبيِّنون جميع العوارض الذاتية لتلك الأدلة لتتضح طرائق استفادة الأحكام منها، ويحددون طرق استفادة الحكم الشرعي من كل دليل من تلك الأدلة، والخطوات التي يسلكونها منذ البداية حتى الوصول إلى الحكم الشرعي.

 

وهذه القواعد والضوابط اختلفت مذاهب المجتهدين فيها: فنجم عن الاختلاف فيها اختلاف في المذاهب الفقهية التي يذهب كل منهم إليها، فبعض الأئمة يذهب إلى أن فتوى الصحابي إذا اشتهرت ولم يكن لها مخالف - من الصحابة أنفسهم - حجة، لأن الثقة بعدالة الصحابة تشعر بأن الصحابي ما أفتى بما أفتى به إلاّ بناءً على دليل، أو فهم في دليل، أو سماع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يشتهر ولم يصل إلينا.

 

وبعضهم لا يرى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا فيما يراه، فتختلف مذاهب الفقهاء بناء على ذلك.

 

وبعض المجتهدين يأخذ بـ\"المصالح المرسلة \" أي: تلك الأمور التي لم يوجد في الشرع ما يدل على اعتبارها بذاتها، كما لم يوجد فيه ما يدل على إلغائها بذاتها، فهي مرسلة مطلقة عن الإلغاء والاعتبار، فإذا أدرك المجتهد في تلك الأمور ما يحقق مصلحة، قال بمقتضى تلك المصلحة باعتبار أن الشارع ما شرع الأحكام إلاّ لتحقيق مصالح العباد.

 

وهناك أمور أخرى - من هذا النوع - اختلف المجتهدون فيها، وتعرف في كتب أصول الفقه بـ\"الأدلة المختلف فيها \" كـ\"سد الذرائع \" و\"الاستحسان \" و \"الاستصحاب \" و \" الأخذ بالأحوط \" و \"الأخذ بالأثقل \" و \"العرف \" و \"العادة \" وغيرها.

 

كما أن هناك اختلافاً في بعض الأمور المتعلقة بدلالات النصوص، وطرق تلك الدلالات، وما يحتج به منها، وعن كل ذلك نشأت اختلافات فقهية في كثير من الفروع.

 

تلك هي أهم وأبرز الأسباب التي ترجع إليها الاختلافات الفقهية نبهنا إليها بإيجاز، ومن أراد الاستقصاء ومعرفة كل تلك الأسباب، أو جلها مع أمثلتها، فليرجع إلى الكتب التي أُلِّفت لمعالجة هذا الأمر قديماً وحديثاً(124).

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply