بسم الله الرحمن الرحيم
رغم قناعتنا بأهمية الرد على الاتهامات ودحض الشبهات وأن هذا هو الأصل في مواجهة الشبهات، إلا أن ذلك لا يعني أن ننحرف وراء الردود فيكون ذلك هو شغلنا الشاغل، وهل يريد المتربصون إلا أن يصلوا بنا إلى هذا الأمر؟
لذا نقول: إذا لم تكن الشبهة مؤثرة على الدعوة أو الدعاة، وإذا كان الرد يجر إلى منكر أشد، أو كان يؤدي إلى مراء مذموم، أو كان يشغل (بوضوح) عن أهداف الدعوة الرئيسة وأعمال الدعاة المهمة، أو لم يكن منطلقاً على أساس من تقوى الله وطلب الحق، فإن السكوت هنا أولى وأجدى، وهنا يحق لنا أن نردد قول القائل:
إذا الكلب لا يؤذيك إلا بنبحه
فدعه إلى يوم القيامة ينبح
وقول آخر:
ولو أن كل كلب عوى ألقمته حجراً
لأصبح التربُ مثقالاً بدينار
يقول صاحب\"العوائق\": \"لقد أسرف بعضهم في الابتعاد عن هذه النظرة (أي قبول أحسن ما عملنا والتجاوز عن سيئاتنا) فأحصى ما يظنه من أخطائنا مما صدر عن آحاد من دعاة حركتنا، حاولوا الاجتهاد، فبعض أصاب وبعض أخطأ.
ولو أردنا الاستقصاء في الرد على الشبهات التي يوردها المحصون، لوقعنا في المتاهة النفسية التي تراد لنا، ويكون ثمة انشغال عن وجوه النفع التي نحن ماضون في جلبها وتحصيلها كل يوم.
ولسنا نضيق صدراً بنقد يوجه لنا، ولا ندعي أن الله قد حكر لنا الصواب، لكننا ننكر الخلفية المتوترة لمثل هذا النقد، الشبيهة بالفتنة.
والأساس في ردنا لكل ملاحظة وجهت وتوجه لنا، أن الناقدين يغفلون مناقبنا وجمالنا وحسننا، ويجردون الأخطاء تجريداً عما صاحبها من الإصابة وقارنها من البذل\".1
ويقول الإمام الشافعي:
يخاطبني السفيه بكل قبح *** فأكره أن أكوه له مجيـباً
يزيد سفاهة فأزيد حلـماً *** كعود زاده الإحراق طيباً
إذا نطق السفيه فلا تجبه *** فخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرجت عـنه *** وإن خليته كمداً يمـوت
وحكي أن رجلاً من عامة الناس شتم الأحنف بن قيس مع عظم قدره فلم يرد عليه ومشى في طريقه، فمشى الرجل وراءه وهو يزيد في شتمه، فلما قرب الأحنف من قبيلته وقف وقال للرجل: إن كان قد بقي معك شيء قله كي لا يسمعك أحد في الحي فيؤذيك.2
وشتم رجل أبا حنيفة وهو في درسه وأكثر، فما التفت إليه ولا قطع كلامه، ونهى أصحابه عن مخاطبته، فلما فرغ وقام تبعه الرجل إلى باب داره، فقام على بابه وقال للرجل: هذه داري، إن كان بقي معك شيء فأتمه حتى لا يبقى في نفسك شيء، فاستحيا الرجل وانصرف مخذولاً.3
\"ففي بعض الأحيان يجد الإنسان أن شقة الخلاف بينه وبين الطرف الآخر كبيرة جداً، وأن هناك اختلافاً على أمور أساسية عدة لا يسمح الوقت بمناقشتها، أو تكون مناقشتها مع هذا الشخص بالذات تضييقاً للوقت، وتبديداً للجهد، عند ذلك يكون من الأفضل إقفال المناقشة بطريقة لبقة ذكية تشعر أن الطرف الأول لم ينسحب عجزاً، أو يترك النقاش هزيمة.
كما ينصح بإقفال المناقشة إذا لم يكن الشخص الآخر جاداً، باحثاً عن الحقيقة، أو كان دون المستوى المطلوب للخوض في الموضوع محل النقاش.
تحاور داعية يعمل مدرساً مع زميل له شيوعي يهاجم حجاب المرأة بشدة، ويثير حوله العديد من الشبهات، ولما أحس الداعية أن التباين في وجهات النظر أبعد من قضية الحجاب لأنه خلاف في الأسس والمنطلقات، رأى قفل المناقشة بطريقة حكيمة دون أن يظهر أن ذلك بسبب عجز.
قال له الداعية: أنت مدرس رياضيات، فأرجو أن تجيبني عن السؤال التالي: هل يمكن دراسة معادلة من الدرجة الثالثة، أو حل مسألة رياضية معقدة دون الاتفاق على الأساسيات الأولى في الرياضيات؟ قال له: بالطبع لا.
قال الداعية: كذلك حالنا مع الإسلام، لا يمكن أن نناقش قضية الحجاب في الإسلام إلا إذا اتفقنا على الأساسيات الأولى وهي الإقرار أن الله موجود، وأن محمداً - صلى الله عليه وسلم - صادق أمين، وأنه بعث إلينا بالإسلام وكتابه القرآن، فإذا أقررت معي بذلك كله، كان بوسعي أن أناقش معك بقية الأمور ومنها الحجاب\".4
ويقول الشافعي:
وجدتُ سكوتي متجراً فلزمــتُه ***إذا لم أجد ربحاً فلستُ بخاسر
وما الصمت إلا في الرجال متاجرٌ *** وتاجرُه يعلو على كل تاجـر5
إن للرد على الشبهات هدفاً، كما أن للسكوت هدفاً، وهدف الرد أو السكوت هو تبيان الحق وإظهاره ودحض الشبهات وطمس آثارها، ولذلك ينبغي للدعاة أن ينظروا في أي الأمرين (الرد أو السكوت) يحقق لهم هذه الأهداف، وعندها يقررون ما يرونه مناسباً لهم ولدينهم ولدعوتهم.
وصدق الإمام الشافعي حينما قال:
قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهـم *** إن الجواب لباب الشر مفتـــاح
والصمت عن جاهل أو أحمق شرف *** وفيه أيضاً لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتـة *** والكلب يخسى لعمري وهو نبـاح6
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 محمد أحمد الراشد، العوائق، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1981، ص 319
2 علي فكري، السمير المهذب، ج 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1979، ص 76.
3 المرجع السابق، ص 86.
4 وحدة الدراسات والبحوث بالندوة العالمية للشباب الإسلامي، أصول الحوار، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، الرياض، ص 32.
5 محمد بن إدريس الشافعي، ديوان الشافعي، جمعه وعلق عليه محمد عفيف الزعبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1983، ص 46.
6 المرجع السابق، ص 33.
http://www.ala7rar.net المصدر:
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
عندي سؤال
-Babi
09:07:01 2021-02-06