بسم الله الرحمن الرحيم
العلم بحر لا شاطئ له،والثقافة ميراث إنساني مشترك، تتناقله الأجيال عبر الأزمان،وينتقل خلال البلدان متجاوزاً حدود المكان،ويتم بتبادله بين اللغات عبر الترجمات،ومن المعلوم أن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، والإسلام يرحب بكل نافع لا يناقض أصوله، ولا يخالف أحكامه، ومن هنا فإنه لا ضير من الاقتباس النافع، بل لا بد منه في بعض الأحوال، ولكن ضمن أُطر وضوابط تكفل تحقق المصالح، وتمنع من حصول المفاسد،ومنها:
1- لا اقتباس في الثوابت من العقائد والمبادئ {قل إني على بينة من ربي}، { لكم دينكم ولي دين}º لأن إسلامنا هو الدين الحق { إن الدين عند الله الإسلام}، وهو الكمال المطلق { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً }.
2- لا اقتباس في مجال الفكر والسلوك والحكم، لأنها كلها تبع للعقائد وأثٌر لها { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} ونحن أمة الأخلاق الفاضلة،والفكر الأصيل.
3- الاقتباس يقوم به مختصون مخلصون لدينهم وأمتهم، يستطيعون الانتقاء والتحوير اللازم لما يناسب البيئة والآداب والأعراف العامة.
4- الاقتباس بداية وليس نهايةº فهو مرحلة أولى للبناء والتطوير، وهو مفتاح الإبداع، وليس مجرد تقليد واتباع.
5- الحرص على التأصيل لما يقتبس من تراثنا الحضاري الإسلامي الزاخر، مرشدين بالأصول العامة، والقواعد الكلية مع التطبيقات العملية، على امتداد الحقب التاريخية للأمة الإسلامية.
فعلى سبيل المثال أقول: إن الغرب عندهم إبداع في علوم الإدارة وفنونها المتنوعة، وكتبهم وبحوثهم في هذا الميدان كثيرة، ومعظمها متميز ومبني على الدراسات التطبيقية، والبيانات التحليلية،وفيها من حسن العرض والصياغة ما هو جدير بالاحترام، وحري بالاقتباس،وهناك أيضاً مجال الدعاية والإعلان،وفنون الإعلام و الاتصال،إذ بلغوا فيها رتبة عالية، وتفوقوا وأبدعوا،وهناك مجالات أخرى ليس هذا مقام سردها، ولكنني أحسب أن من المفيد أن يكون هناك أفراد وفئات من جيل الصحوة، وشباب الدعوة تعني في تكوينها التخصصي وزادها الثقافي العام بمثل هذه الجوانب، وتقتبس وتؤصل وتضيف ليتم إثراء العمل الإسلامي بما يحتاجه من حسن الإدارة، وجودة التخطيط، وفنون الاتصال، وفعالية الإعلام ونحو ذلك، ولا ينبغي للصحوة وجيلها الزاخر أن تعزل نفسها عن الاقتباس لمجرد كونه من نتاج غير المسلمين، ولا ينبغي أن نوصد أبواب الاستفادة من خلال التضخيم غير الصحيح للغزو الفكري، فهذا يصوّر الصحوة بصور ة الانغلاق، ويصمها بعدم الأهلية للتفاعل مع الحياة المعاصرة ومعطياتها الجديدة.
وفي الوقت نفسه نعي على المستغربين الذين يريدون أن نكون انعكاساً لثقافة الغرب أو صدى لفكر الشرق، وأذيالاً لكل ناعق باسم الحضارة، وأتباعاً لكل رافع لشعارات التقدم، إنهم يريدون أن تكون المرأة ليس لها دور إلا أن تعكس الصور التي أمامها كما هي بكل ما فيها،هذا غير مقبول من أمة لها دينها وتاريخها وثقافتها، وإنما مثلنا مثل الغربال توضع فيه المادة فيتفاعل معها بالتحرك، ممحصاً فيمرر الصالح، ويحجز الضار، ثم يركمه بعضه على بعض، فلسنا مع الذين يريدون باسم الانفتاح، وتلاقي الثقافات، وثورة الاتصالات أن يلغوا مصطلح الغزو الفكري، ليروجوا عقائد الضلال وسلوكيات الانحلال،وقد جرّ هؤلاء علينا ويلات كثيرة باسم الثقافة بما روجوه من روايات ساقطة، وقصائد زائفة تتضمن ما يتعارض مع المبادئ الدينية، والقيم الأخلاقية، وذلك لما فيها – كما يزعمون - من روعة الأدب، وبلاغة الأسلوب، وهؤلاء كمن يشتري سيارة جميلة الطلاء، معطوبة المحركات، ونتيجة لفعلهم نجد الترجمة قوية في مجال الأعمال الأدبية والفكرية، من غير نظرة نقدية، بل بمصاحبة الدعاية والإعجاب في الغالب، بينما نجد الترجمة والاقتباس أقل في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وكذلك في مجال الإدارة والقيادة والإعلام، وإذا اتهم أمثال هؤلاء الصحوة بالأصولية والانغلاق على القديم فنقول لهم:هذا دليل تميعكم وتبعيثكم، واقتباسنا الواعي دليل انفتاحنا ومعاصرتنا مع أصالتنا فنحن دعاة اقتباس لا انعكاس.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد