أثر العقيدة في السلوك الإنساني


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين، وعلى جميع رسل الله وأنبيائه صلوات الله تعالى عليهم أجمعين، وعلى الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

 

فإن العقيدة هي العاطفة الغالبة على النفس الإنسانية، المسيرة للسلوك البشري، فإذا كانت صالحة كانت أثمن ما يملكه الإنسان، وكانت النفس البشرية في قمتها توازنا واتساقا.

 

وإذا كانت فاسدة، كانت النفس في قمتها اضطرابا وضياعا، وكان صاحبها أشقى ما يكون عليه الإنسان، والعقيدة الصالحة هي الإيمان بالله – تعالى- ولهذا ربط الله جلت قدرته قبول الأعمال لديه كلها بسلامة العقيدة، وصحة الإيمان به – سبحانه- فنظر إلى أعمال الكفار فقال: (وَقَدِمنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِن عَمَلٍ, فَجَعَلنَاهُ هَبَاءً مَنثُورًا) الفرقان: 23. والإيمان بالله – تعالى - قضية عقلية، يعرفها كل من أكرمه الله – تعالى- بنعمة العقل، ولهذا نجد القرآن الكريم يخاطب العقلاء والمفكرين، ويدعوهم إلى إعمال عقولهم وفكرهم، وذلك في العديد من آيات الله – سبحانه -: من ذلك قوله – تعالى -: (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلبَابِ) آل عمران:7 . وقوله – تعالى -: (كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَومٍ, يَتَفَكَّرُونَ) يونس:24 . ولا يمكن لعاقل مفكر إلا أن يكون مؤمنا بالله تعالى ورسالاته، فإذا رأينا غير مؤمن بالله – تعالى - ورسالاته فهو واحد من ثلاثة: إما أنه أهمل إعمال فكره وعقله واشتغل بأمور الدنيا عن كل شيء، أو أنه أعمل فكره ووصل إلى الإيمان الحق بالله – تعالى - ورسالاته، ولكنه أغضى عن الالتزام والإعلان عنه لمصالح دنيوية رآها في ذلك، أو مخاطر غلبته على أمر عقله وفكره، وإما أنه قليل الفكر ناقص العقل أو عديمهما وإن بدا للناس عاقلا.

فأما الأول فمسؤول ومحاسب على تقصيره، ولا عذر له في انشغاله في أمور الدنيا عن الإيمان الحق، وأما الثاني فغير معذور في الدنيا وأمره في الآخرة إلى الله – تعالى- وأما الثالث فمحاسب على قدر ما أداه إليه فكره، فإن كان فاقده تماما كان غير محاسب وخارجا عن نطاق التكليف بالكلية، وفي الحياة أمثلة كثيرة على ذلك:

 

منها أن رجلا من عظماء القوم وصل إلى مرتبة رئيس للوزراء في دولة إسلامية في يوم من الأيام، وكان بين الناس نصرانيا، ولما توفي وجد أولاده في وصيته أنه مسلم ومؤمن بالله – تعالى - ورسوله محمد – صلى الله عليه وسلم - وجميع الأنبياء والرسل - عليهم الصلاة والسلام- وأنه يطلب من أولاده أن يشيِّعوه ويدفنوه على طريقة المسلمين، وفي مقابرهم، وأن يستقبلوا العزاء فيه على طريقة المسلمين، وأن يقرؤوا القرآن في بيته ثلاثة أيام، وقد نفذ أولاده وصيته في حينه، ويعلم ذلك القاصي والداني لاشتهاره.

 

وقد حدثني صديق صادق عن أمر شاهده بنفسه، فقال: كنت رئيسا لكتيبة مكافحة التهريب، وفي يوم وأنا على رأس عملي ورأس كتيبتي أمسينا في قرية أهلها من النصارى، فأضافونا في دير في القرية، وقدموا لنا العشاء والمبيت، فطلبت من صاحب الدير أن يهيئ لي مكانا للصلاة، فأجابني إلى طلبي وصحبني إلى غرفته الخاصة وفرش لي بساطا صليت عليه، ثم طلب مني أن أبيت في غرفته، فوافقته، وفي الصباح قمت إلى صلاة الفجر فإذا به يتوضأ، فعجبت لأمره، ولما سألته عن ذلك قال لي: أنا مسلم منذ سنين، ولكنني لا أعلن ذلك محافظة مني على مركزي ومصالحي.

ومثل ذلك كثير.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

  

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply