بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة الليبيين - حفظهم الله تعالى-
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، وبعد:
فقد اطلعت على رسالتكم الطويلة الموجهة إلينا ، التي تذكرون فيها حالتكم وما تعانونه من الملاحقة والمطاردة وعدم الأمن في بلادكم ولا في البلاد الأخرى ، وقد يُلجئكم ذلك إلى أخذ الجنسية البريطانية لكي تأمنوا بذلك في تلك البلاد وفي غيرها من البلاد إذا سافرتم باعتباركم من حاملي الجنسية البريطانية فلا تتعرضون لأذى ، وتسألون عن حكم ذلك ؟ ثم ذيلتم رسالتكم بعدة أسئلة تطلبون الإجابة عنها ؟
فنقول وبالله التوفيق يجوز حسب الحالة التي ذكرتم أخذ وطلب الجنسية البريطانية نظراً لحالتكم وما ذكرتم في السؤال ، ومما يدل على ذلك الأدلة الآتية:
1 ـ قوله تعالى ( من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً ) الآية. فقد أجاز الله الكفر في حالة الإكراه إذا كان قلبه مطمئناً بالإيمان ، وطلب الجنسية المذكورة من هذا الباب ، فقد جاز لكم ذلك لأنه ألجأتكم ضرورة الإكراه إلى ذلك ، لكن بشرط أن يكون طالب الجنسية مبغضاً للكفار معادياً لهم يرى البراءة منهم ، قائماً بدينه بقدر ما يستطيع.
2ـ قصة طلب الحماية والإجارة من الرسول - صلى الله عليه وسلم- من المطعم بن عدي ، لما رجع من الطائف فلم يستطع أن يدخل مكة إلا بطلب الحماية من هذا الكافر ، وبهذه الحماية استطاع أن يدخل مكة ويأمن فيها. وهي مروية في السير ، رواها ابن إسحاق في سيرته ، وابن هشام في تلخيصه ، وابن كثير في الفصول وفي البداية والنهاية.
3 ـ انتفاع الرسول - صلى الله عليه وسلم- من حماية أبي طالب وبني هاشم وبني المطلب له ، حيث كانوا يحمونه ويذبون عنه رغم كفرهم.
4ـ قصة حماية ابن الدغنة ـ سيد القارة ـ لما قام بحماية أبي بكر الصديق - رضي الله عنه- ، لما خرج من مكة ، فأجاره هذا الكافر وأعاده إلى مكة آمنا.
5ـ قصة الهجرة إلى الحبشة ، فإن الرسول - صلى الله عليه وسلم- قال للمستضعفين في مكة: الحقوا بأرض الحبشة فإن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد ، فاحتموا ببلاده حتى يجعل الله لكم مخرجاً مما أنتم فيه.
6 ـ وقول ابن القيم - رحمه الله- لما تكلم عن تحريم الحيل قال: لا خلاف بين الأمة أنه لا يجوز الإذن في التكلم بكلمة الكفر لغرض من الأغراض إلا المكره إذا اطمأن قلبه بالإيمان اهـ إعلام الموقعين 3/191 .
ومن أقوال أهل العلم في هذه المسألة ما جاء عن الزهري - رحمه الله- فيما روى عنه ابن حزم - رحمه الله- في المحلى ، ويأتي نصه في كلام ابن حزم إن شاء الله.
ومن أقوال أهل العلم في هذه المسألة ما قاله ابن حزم - رحمه الله- في المحلى: قال ( في باب المرتدين ، المسألة رقم 2198 )، لما تكلم عن من لحق بدار الكفر والحرب قال: وأما من فرّ إلى أرض الحرب لظلم خافه ، ولم يحارب المسلمين ولا أعانهم عليه ولم يجد في المسلمين من يجيره فهذا لاشيء عليه لأنه مضطر مكره ، وقد ذكرنا أن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب كان عازماً على أنه إن مات هشام بن عبد الملك لحق بأرض الروم لأن الوليد بن يزيد كان نذر دمه إن قدر عليه وهو كان الوالي بعد هشام فمن كان هكذا فهو معذور ، وكذلك من سكن بأرض الهند والسند والصين والترك والسودان والروم من المسلمين فإن كان لا يقدر على الخروج من هنالك لثقل ظهر أو لقلة مال أو لضعف جسم أو لامتناع طريق فهو معذور. اهـ
ومما تقدم من الأدلة يتبين أنه يجوز لمثلكم أن يحمل الجنسية البريطانية ، بشرط أن تكونوا كارهين لهم ولدينهم مع عدم موالاتهم . قائمين بما تستطيعون من الدين
وأما ما ذكرتم من القسم أو التعهد عند أخذ الجنسية المذكورة ، فما دام أنهم يخيرونكم بين القسم و التعهد ولكم مندوحة عن القسم ، فتعملون بالتعهد وتضمرون الإيمان بقلوبكم بالله مع كراهيتكم لهم.
أما ما ذكرتم من مسألة التوقيع أو القسم أمام المحامي فلا حاجة لذلك ، وما ذكرنا لكم يكفي إن شاء الله.
وأما ما ذكرتم في السؤال الأخير من الاستفهام عن التفريق فلا فرق في ذلك.
هذا ما تبين لنا في ذلكم والله أعلم،
ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والتيسير والله يحفظكم .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد