بسم الله الرحمن الرحيم
اختبار المعلومة لمعرفة مدى إفادة السامع منها، وحفظ المتلقي لها، أو ليشحذ ذهنه ويهيأ لتقبلها وفهمها، منهج قديم، ووسيلة سديدة في التقويم.
ولم تكن الامتحانات معروفة لدى أسلافنا، ومن جاء بعدهم بهذه الكيفية الموجودة الآن، كما أنها ليست وليدة هذا العصر، وإنما وجدت الامتحانات بشكل أو بآخر يختلف عما عليه الحال في عصرنا في الهدف والمضمون والوسيلة غالبا.
ففي عصر النبوة مثلاً نجد مجموعة كبيرة من الأسئلة، وجهها النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه تنوعت أغراضها ومقاصدها، ولكن القدر المشترك بينها، هو أنها أسئلة تحتاج إلى جواب، إما من السائل، أو المسؤول، ومن ذلك:
حديث ابن عمر المتفق عليه قال كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (أخبروني شجرةً تشبه أو كالرجل المسلم، لا يتحاتُ ورقها تؤتي أكلها كل حين، قال ابن عمر فوقع في نفسي أنها النخلة ورأيت أبا بكر وعمر - رضي الله عنها - لا يتكلمان فكرهت أن أتكلم، فلما لم يقولوا شيئاً، قال - صلى الله عليه وسلم -: (هي النخلة). فلما قمنا قلت لعمر: يا أبتاه والله لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة. فقال: ما منعك أن تكلم؟ قلت: لم أركم تكلمونº فكرهت أن أتكلم أوأقول شيئاً. قال عمر: لأن تكون قلتها أحب إلي من كذا وكذا. وهذا الحديث واضح الدلالة في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يريد منهم إجابة، ولذلك تركهم مدة من الوقت يفكرون، وقد بينت بعض الروايات أن الصحابة اجتهدوا في البحث عن الإجابة ووقعوا في شجر البوادي، لكنهم لم يعثروا على الإجابة - إلا ابن عمر - واستحى أن يتكلم بحضرة الكبار.
ليكن هدفك أخي الطالب حفظ العلم، ومذاكرته وضبط مسائله، ثم العمل به إن كان مما للعمل فيه مجال
وفيه أيضا فرح عمر بنجاح ابنه في هذا الاختبار لو كان تكلم بما وقع في نفسه، وهي لفته جميلة في الفرح بالنجاح وتشجيع صاحبه، بأنواع المشجعات كالدعاء له والثناء على حسن فهمه، وربما يحظى ابن عمر بدعاء أو ثناء من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثم أخذت الاختبارات أشكالاً مختلفة في مراحل التاريخ المتعاقبة، لا أطيل بذكر أمثلة لذلك، لعدم الحاجة إليها في هذه العجالة، لكنها-غالبا-متحدة المقصد، وهو تثبيت المعلومة العلمية، ومعرفة مدى حفظ الطالب وفهمه لها، أو لفت انتباه المخاطب ليكون حاضر القلب والذهن لتلقي وتحمل ما سيلقى إليه، وهذا أمثلته في السنة لا تحصى كثرةً كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أتدرون ما الغيبة؟) وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أتدرون ما شوك السعدان؟) وقوله - صلى الله عليه وسلم - كذلك: (أتدرون ما الإيمان بالله وحده) وهي طريقة نبوية رائعة تتفوق على جميع طرق التعليم في التربية الحديثة.
ولم تكن أبداً- وسيلة لينال بها لقباً علمياً أو غرضاً دنيوياً أو شهادة بحق أو بباطل يتميز بها من يحملها عن غيره ويقدم بسببها وتفتح أمامه أبواب تغلق في وجوه من لم يحصل عليها، ولو كان أكثر علما، وأوفر حظا وأحسن فهما. كما هو الحال في عصرنا الحاضر وواقعنا المعاصر، فقد تغيرت الوسيلة واختلف الهدف.
وهذه إضاءات أرجو أن تنير لك شيئا من حلك الامتحانات -أخي الطالب- وتسهم في تحقيق شيئا من غرضك المنشود، وإرشادات أهمس بهافي أذنك أخي المعلم ناصحا ومذكرا، عساها تنفعك(فإن الذكرى تنفع المؤمنين)، وتعينك في أداء أمانتك وتبليغ رسالتك.
فإليك أخي الحبيب الطالب النجيب:
*نصائح وإرشادات للمتعلم والمعلم:
• الطالب
أولاً: أنت محور العملية التعليمية وثمرتها الناضجة الشهية، ليكن هدفك أخي الطالب حفظ العلم، ومذاكرته وضبط مسائله، ثم العمل به إن كان مما للعمل فيه مجال ـ ولا يكن همك هو الدرجة التي ستحصل عليها في الاختبار، وستأتيك الدرجات أوفر ما تكون فتجمع بين الحسنيين، النجاح والفائدة العلمية.
ثانيا: في أيام الامتحانات تكتشف القدرات الذهنية والعقلية، وتتجلى كثير من المواهب الكامنة والتي سرعان ما تذهب بانتهاء هذه الفترة عند كثير من الطلاب، ومن المهم جداً للطالب توجيه هذه الطاقات توجيهاً سديداً وتنميتها وترشيدها ببرامج ناجحة فيما بعد.
ومن المهم جداً للطالب توجيه هذه الطاقات توجيهاً سديداً وتنميتها وترشيدها ببرامج ناجحة فيما بعد.
ثالثاً: الناس يختلفون في طرق القراءة والمذاكر، ولكن بالتجربة أن ما حفظ سريعاً نسي سريعا، ولا ينبغي الجزم بأن طريقة ما هي أنجح وأفضل لاختلاف الناس، وكثرة الفروق الفردية بينهم، ولكن هناك، طريقة مفيدة وينصح علماء النفس والتربية، وهي (القراءة أكثر من مرة) فيقرأ في المرة الأولى المنهج المقرر كاملاً سريعاً ثم يقرأه مرة ثانية بتركيز، ثم يراجع في المرة الثالثة، إذا وجد متسعاً من الوقت وإلا اكتفى بالقراءة مرتين، ولا بأس أن تجرب عدة طرق لعلك تكتشف جديدا.
رابعاً: المحافظة على المعلومة بعد الامتحان محكٌ خطير، يتبين فيه الجاد من الهازل والناجح من الفاشل وذلك باستذكار المعلومات والمحافظة على الكتب والمذكرات، وكم هو محزن ومخجل عندما ترى المذكرات تتطاير على أبواب القاعات بعد الاختبارات، وكأن هذا آخر العهد بها، لاشك أن هذا تضييع واستخفاف، وأي نجاح يرجى وتقدم ينتظر وتفوق يشجع من أناس يحتقرون العلم ولا يعرفون قيمة تراثهم؟
خامساً: تذكر وأنت تستعد للامتحانات، وعندما تستلم ورقة الأسئلة، الامتحان الحقيقي يوم العرض واستلام الصحائف باليمين والشمال فما رسب من نجح حين ذاك، ولم ينجح من تفوق وحصل على أعلى الدرجات من رسب هناك.
هذه خمس نقاط أرجوا أن تستفيد منها- أخي الطالب- وفقك الله وسددك.
• المعلم
أولاً: أخي المعلم، إن التعليم أمانة عظيمة ومهمة كبيرة ووظيفة من أنبل الوظائف، بل أشرفها، كيف لا وهو مهمة الأنبياء، وورّاثهم من العلماء قال - تعالى -\" هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة..\"
وقد بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - معلما، فيتعين أداء هذه الأمانة بكل أمانة على أكمل وجه في التدريس والتربية والتقويم والتقييم.
ثانياً: الرفق بالمتعلم، فالتعليم نوع من أنواع الولاية والنبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لمن رفق بمن تحت ولايته فقال: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن شق عليهم فاشقق عليه)صحيح مسلم، ولا أراك إلا حريصاً على أن يكون هذا الدعاء لك لا عليك، وأن يرفق الله بك ولا يشق عليك، ومن صور الرفق بالطالب في الاختبارات:
المحافظة على المعلومة بعد الامتحان محكٌ خطير، يتبين فيه الجاد من الهازل والناجح من الفاشل وذلك باستذكار المعلومات والمحافظة على الكتب والمذكرات.
أ- وضوح الأسئلة وإيجابيتها، بألَا تكون معقدة ولا مشكلة، فليس المقصود التحدي وإبراز العضلات وإنما تقييم مدى استفادة الطالب من المنهج الدراسي، ولا أعني أن تكون الاسئلة سهلة يجيب عليها المجد والمفرط، ولكن خير الأمور أوسطها.
ب- مراعاة الفروق الفردية وأنت من أعلم الناس بذلك فلا تكن الأسئلة كلها للضعفاء ولا للأقوياء
ج-أن تكون الأسئلة في المعلومات الأساسية وما يمكن أن نعبر عنه باللبّ، ولا تكون في هوامش لافائدة منها.
د-توزيع الدرجات على الأسئلة ينبغي أن يكون دقيقاً وكلما كثرت الفقرات تحت السؤال كان أسهل وأيسر للطالب، والمدرس في التصحيح وتوزيع الدرجات، فمثلاً إذا كان الامتحان مكوناً من أربعة أسئلة ينبغي أن يشتمل كل سؤال على أربع فقرات: أ- ب- ت- ث-أو أكثر.
ثالثاً: تنويع الأسئلة يفيد الطالب وينمي ملكة التفكير والفهم لأكثر من أسلوب حتى لا يكون حرفياً.
رابعاً: توزيع الدرجات أمانة، فلا يعطي الطالب ما لا يستحق ولا يبخس شيئاً مما يستحق، لا سيما أن هذه الدرجات يقيم بها مستوى الطالب، وتترتب عليها كثير من الحقوق، فاحرص على ذلك.
خامساً: وأخيراً احتسب الأجر عند الله - عز وجل - على تعب التدريس والإشراف والتصحيح، وليكن هدفك تخريج جيل يعتز بالإسلام ويحمل همه ويعمل به ويدافع عنه، ويتفوق في مجالات العلوم المختلفة ويكون سببا في نهضة هذه الأمة وربط حاضرها بماضيها، واحرص على ربط التعليم بالتربية، فلا خير في علم لا يعمل به ولا خير في تعليم لا تربية فيه.
والله الموفق والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد