بسم الله الرحمن الرحيم
يتسابق العديد من طلاب العلم في اقتناء الكتب وشرائها، وملء رفوف مكتباتهم بأنواع المصنفات والمؤلفات، وهي ظاهرة جيدة متى صدقت النوايا، واحتسبت الأجور.
بيد أن أكثر هؤلاء - للأسف الشديد - لا يولون جانب القراءة الفاعلة حقها من الأهمية، حيث تظل تلك الكتب حبيسة الإدراج، أسيرة الرفوف، تنتظر يداً حانية تمتد إليها لتتحررها من أسرها، ولو ساعة، أو بعض ساعة، ولكن هيهات!.
ولك أن تقارن أخي طالب العلم بين حالنا وحال بعض أصحاب الهمم العالية، وكيف كانوا يجردون أمهات الكتب والمطولات في أيام معدودة بنهم كبير، وإقبال منقطع النظير!.
ذكر القاسمي - رحمه الله - في قواعد التحديث ص 262: في ترجمة (الفيروز أبادي) صاحب القاموس أنه قرأ صحيح مسلم في ثلاثة أيام بدمشق وانشد:
قرأت بحمد الله جامع مسلم *** بجوف دمشق الشام جوف الإسلام
على ناصر الدين الإمام ابن حنبل ***بحضـــرة حفاظ مشاهير أعلام
وتم بتوفيق الإله وفضـله *** قــراءة ضبط في ثلاثة أيـــام
وقرأ الحافظ العراقي صحيح مسلم على محمد بن إسماعيل الخبّاز بدمشق في ستة مجالس متوالية.
وقرأ في آخر مجلس منها أكثر من ثلث الكتاب، وذلك بحضور الحافظ زين الدين بن رجب وهو يعارض بنسخته.
وفي تاريخ الذهبي في ترجمة (إسماعيل بن احمد الحيري النيسابوري الضرير) ما نصه: \"وقد سمع عليه الخطيب البغدادي بمكة صحيح البخاري بسماعه من الكشميهني في ثلاثة مجالس، اثنان منها في ليليتين، كان يبتدئ بالقراءة وقت المغرب، ويختم عند صلاة الفجر، والثالث من ضحوة النهار إلى طلوع الفجر، قال الذهبي: وهذا شيء لا أعلم أحداً في زماننا يستطيعه! \".
وقال الحافظ السخاوي: \"وقع لشيخنا الحافظ ابن حجر أجلٌّº قرأ صحيح البخاري في أربعين ساعة رملية، وقرأ صحيح مسلم في أربعة مجالس، سوى مجلس الختم في يومين وشيء، وقرأ سنن ابن ماجه في أربعة مجالس، وقرأ كتاب النسائي الكبير في عشرة مجالس، كل مجلس منها نحو أربع ساعات، وقرأ صحيح البخاري في عشرة مجالس، كل مجلس من أربع ساعات.
ثم قال السخاوي: \"وأسرع شيء وقع له أي لابن حجر أنه قرأ في رحلته الشامية معجم الطبراني الصغير في مجلس واحد بين صلاتي الظهر والعصر، وهذا الكتاب في مجلد يشتمل على نحو ألف حديث وخمسمائة حديث\".
قال القاسمي: \"والعبد الضعيف يعني نفسه قد منّ الله عليه بفضله، فأسمع صحيح مسلم رواية ودراية في مجالس من أربعين يوماً، واسمع سنن ابن ماجه في مجالس من إحدى وعشرين يوماً، وأسمع أيضاً الموطأ كذلك في مجالس من تسعة عشر يوماً، وطالعت بنفسي لنفسي تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر، مع تصحيح سهو القلم فيه، وضبطه وتحشيته من نسخة مصححة جداً، في مجالس من عشرة أيام!.
أقول: وهذه الكتب قرأتها بأثر بعضها فأجهدت نفسي وبصري حتى رمدت بأثر ذلك شفاني الله بفضله\".
قلت: ولابد أن نتذكر أن النسخ التي قرأها الفيروز أبادي والعراقي وابن حجر وحتى القاسمي كانت مخطوطات باليد، لا تخلو من سقط وسهو وتحريف وطمس، وليست نسخاً مذهبه بأوراق \"الشمواء\" الفاخرة، وبطابعة الليزر الملونة!.
ولا يحتاج الأمر إلى تعليق فوق هذا!.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد