كيف تجعل طفلك يذاكر بتركيز؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشكركم على سعة صدركم لكل هذا الكم الهائل من المشاكل. تتلخص مشكلتي في ابني الأكبر فهو يبلغ من العمر 5.8 أعوام وأخيه 3.8، ونحن مقيمون هنا في هذا البلد العربي منذ ولادته، ولم يزر الأهل إلا 3 مرات منذ ولادته، كما أن علاقتنا محدودة جدًّا جدًّا، أي ليس له أصدقاء في مثل سنه.

وهو الآن في الصف الثاني التمهيدي بإحدى المدارس الأجنبية، تشتكي مدرسته دائمًا من أنه بطيء جدًّا في كتابته ولا يجلس في مكان واحد، وكثيرًا ما يشرد ذهنه، أما في البيت فهو كذلك، ولكن عندما ألفت انتباهه وأحفزه أجده كتب سريعًا وجيدًا وأيضًا في المدرسة كتب سريعًا، وسرعان ما عاد بعد يومين لما عليه وهكذا، ولكنه رغم ذلك ذكي ويستوعب اللغة بنسبة 80%، كما أنه يستطيع الرسم والكتابة على الكمبيوتر أيضًا.

هو لا يحكى لي ما يحدث له في المدرسة وخاصة ما فعله من أخطاء، ولا أعرف إلا من مدرسته أو أحد زملائه، وإذا سألته فقد ينكر أو يكذب لمصلحته، أيضًا عدم قدرته على أن يحكى لي ما حدث له في المدرسة، في حين أن أحد أصحابه وفي مثل سنه يحكي بدقة أفضل بكثير منه.

ملحوظة: أنا كنت أعمل في الفترة من 3 - 5 سنوات (طبيبة)، وكنت أتركهما مع جليسة أطفال في منزلها، كما أنني لم يكن عندي وقت كافٍ, للجلوس معهما، وكنت أتعصب عليهما كثيرًا والآن تفرغت لهما. وأشكركم على حسن اهتمامكم وتعاونكم.     

الحل

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أيتها الزميلة العزيزة في مهنة الطب السامية ومهنة الأمومة الأكثر سموًّا، وشكرًا لثنائك الرقيق، ونأمل أن نكون دائمًا عند حسن ظنك، وأول من يرد بخاطرك –بعد الله تعالى– ليساعدك في حل مشاكلك في غربتك.

أختي الحبيبة، إن الرد على سؤالك سيغطي جزئيات أربعًا، هي:

الأولى: الحركة الزائدة للطفل.

الثانية: البطء الذي يؤدي به ما يطلب منه.

الثالثة: عدم نقل الصورة واضحة عن الأحداث، وضعف قدرته على الحكي.

الرابعة: الكذب وإخفاء الحقائق.

تعالي بنا نستوضحها معًا:

أولاً: الحركة الزائدة: وهي ما يجب عدم القلق بشأنه مطلقًا (خاصة في الذكور) حتى سن السابعةº لكون الحركة أو النشاط (على ما هو دارج من تسمية سلوك الأطفال في هذه المرحلة، ولا أعني هنا اضطراب فرط الحركة) الذي قد يزيد أحيانًا من السمات الطبيعية للكثير من الأطفال في هذه السن.
وقد يشيع أيضًا أن يكون هذا النشاط زائدًا حيث لا محل له، وأقصد بذلك أن نجد الطفل زائد الحركة في أوقات يجب عليه فيها الهدوء والإنصات مثلاً للمعلمة أو الاستقرار لحظة تناول الوجبة... إلى غير ذلك، كما أنه من الطبيعي أن تتسم شخصية هذا الطفل بالاندفاعية وكراهية الصبر أو انتظار الدور في أي شيء، والتعجل الدائم، وعدم وجود إستراتيجية لديه لإدارة الوقت وفقًا لبرنامج محدد المعالم يأخذ فيه كل شيء مكانه ووقته ودوره، ويمكن التدخل بقوة لتوجيه ما هو ممكن بعد اجتياز هذه السن.
قبل البدء في توجيه أي نصائح لا بد من التأكيد على نصيحة أكدناها مرارًا وهي مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء، وعدم مقارنتهم بأقرانهم من نفس السن ما دام الطفل تحت مظلة الطبيعي من السلوكيات والخصائص.

أما نصائحي للتقليل من تشتت الطفل ودفعه للتركيز أثناء التحصيل أو أداء أي مهمة تحتاج للجلوس والهدوء كتناول الطعام مثلاً، فهي ما يجب تنفيذه في البيت والفصل في المدرسة بالتنسيق مع المعلمة والاتفاق معها بودّ على إعانة الطفل على تجاوز هذه المرحلة بسلام، وهي كالتالي:
1 - عند أداء مهمة ما –ولنأخذ مثلاً بالمذاكرة– يجب إثارة وتنبيه حواس الطفل كلها لأداء هذه المهمة وتخفيف مشتتات كل حاسة، وذلك كما يلي:

حاسة البصر:

-     يجب أن يتم التواصل مع الطفل بعينين منتبهتين تركزان في عينيه مباشرة ولا تسمح بتشتتهما هنا أو هناك، وهو ما يسمّى (eye to eye contact)، أي اتصال عيون طرفي العملية طيلة الوقت الذي يجري فيه الإرسال والاستقبال بينهما.

-     - يجب أن يكون مكتبه فارغًا من المشتتات البصرية من أشياء ملونة أو براقة أو ألعاب مع تقليل الأدوات المكتبية المستخدمة قدر المستطاع، وخاصة المزركشة أو التي تحدث أصواتًا أو التي بها أزرار يمكن أن يصرف الوقت في ضغطها لفتحها وغلقها... إلخ. ويفضل أن يكون مكتبه موجهًا للحائط، ومع الحرص على تقليل المثيرات المحسوسة بالمكان وما يلفت النظر ككرسي دوار أو متأرجح أو غير ذلك.


حاسة السمع:

-          يجب أن تتم المهمة بشكل جهري كالقراءة مثلاً مع تغيير نغمات الصوت وانفعالاته بشكل يجذب الانتباه ويمتع في الوقت نفسه.

-          - يجب خلو المكان من أي مشتتات سمعية أو أشياء تصدر أصواتًا ولو حتى غطاء القلم الذي ينضغط فيحدث صوتًا... وهكذا.

-     - يجب إعداد ملخص بعد الانتهاء من كل جزئية تم شرحها واسترجاع ملخصها مرة أخرى، ثم سؤاله عما استوعبه أو فهمه أو استمتع به مما قيل.

-          حاسة اللمس:

-          - يجب أن يتم التواصل باللمس عن طريق الربت أو التمليس على الشعر أو اليدين كل فترة لتنبيه حاسة اللمس أيضًا.

-     الخلاصة تلجيم نشاط الطفل كما يلجم الحصان، ولكن دون قسوة.. فقط بإزالة المشتتات.
2 - يجب تقليص فترات الجلوس بهذه الطريقة إلى 15 دقيقة مثلاً مع جعل فترات تعدل ضعف المدة بين كل جلسة وأخرى تقضى كلها في مجهود حركي وليس مشاهدة تلفاز أو تسلية تتطلب الراحة والاسترخاءº وذلك لتفريغ الطاقة المكبوتة في فترة المذاكرة، ونعطي مثالاً للمجهود الحركي (مثل تمرينات رياضية، شراء شيء، جري في المكان أو أي لعبة يحبها وتتطلب مجهودًا حركيًّا).

-     هذا على مستوى المنزل، أما المدرسة فيجب أن يلفت نظر المدرسة إلى الآتي:
1 - أن يكون مقعد ولدك في مكان متقدم في الصفوف في الوسط بما يسمح بأن يحدث تواصل بالأعين مع المعلمة باستمرار يجعله يستبعد فكرة أن يسرح أو يشردº لأنه متواصل معها بعينيه وهي تراه بوضوح معظم الوقت لكن بدون إشعاره أنه مراقب.

-          2 - لا بد من إقناعها بالتعامل معه بحكمة وصبر ودون استعجال ودون مقارنة بينه وبين زملائه ومنحه وقتًا أكبر لأداء مهامه عن الآخرين.

-          3 - لا بد من مكافأته بشكل لطيف على أي إنجاز يحرزه وعدم الشكوى أو التبرم منه ليحدث التطور.

-     4 - لا بد من أن تجعل المعلمة له الأولوية في النشاط الحركي داخل الفصل، فيكون هو من يمكن أن تسند له مهمة إحضار الكراسات من حجرة المدرسات مثلاً، أو توزيعها في الصف أو تنظيف السبورة... إلى غير ذلك مما يسند للأطفال من أعمال داخل الفصل.
5 - لا بد من الاتفاق والتفاهم معها بهدوء أن طبيعة سنه تسمح أن يكون كثير الحركة فلا داعي لتوبيخه أو تقريعه كيلا ينفر من الدراسةº فهو ذكي ومتفوق وينبغي تنمية ذكائه وقدراته.
وننتقل للجزئية الثانية الخاصة بالبطء، ويمكن التغلب عليها بتعليم الطفل معنى وقيمة الوقت وتوزيع مهامه عليها، ونسوق لك بعض الأفكار لذلك:

-     1 - يمكن شراء منبِّه أو ساعة إيقاف لطيفة الشكل وضبطها عندما يعمل أي عمل وليكن مشاهدة التلفاز أو عمل الواجب –كل نشاطات يومه– بحيث تقدرين لهذه المهمة وقتًا معينًا، فتعطي الساعة تنبيهًا عند استنفاد الوقت، وهو ما يعلن ضرورة فعل المهمة التالية وهي اللعب بالمكعبات مثلاً وفقًا لمدتها المحددة وهكذا، ويكافأ عندما يكون معدل أدائه مناسبًا للساعة أي حينما ينتهي قبل فوات الوقت.

-     2 - يجب أن تكون مكافأته شيئًا محسوسًا فتكون تصفيقًا بصوت به انفعال مرح، وقبلة على الجبين وملصقًا على كراسته مثلاً... أو قطعة من الحلوى، بحيث يشعر بالنجاح وحلاوته وبكمّ الإنجاز.

3 - يمكن أن تبدئي بتطبيق هذا الأمر على نفسك لتكوني له قدوة، فيرى اهتمامك بالمنبه حال انتهائك من الطبخ، حيث يحين موعد الاستحمام... وهكذا. أما بالنسبة للجزئية الثالثة عن عدم قدرته على الحكي فهو أمر يحتاج للخبرة والممارسة والتدريب، ويمكن من خلال قراءة القصص معًا، ثم حكايتها، ثم تطلبين منه أن يروي ما أحبه منها مرة ثالثة، ثم تطلبين أن يحكيها هو لك، وهكذا...، ولكن بهدوء ومرح وسعادة ودون إلزام.

وستجدين تفاصيل القيام بهذا النشاط في المعالجتين التاليتين:

- أطلق إبداع ابنك بالحكايات

- الصداقة مع أبنائنا.. كيف؟

وفيما يخص مسألة الكذب فالطفل قد يكذب لعدد من الأسباب ستجدين تفاصيلها في المعالجة التالية:

-          لماذا يكذب الأبناء؟

-     أما علاج الأمر فينبغي أن يبتعد عن العصبية والعنف أو العقاب البدني، بل هو بل يكون بأمرين:
1 - المكافأة والتشجيع. 2 - العقاب.

-     ونعني بالعقاب إلغاء شيء يحبه الطفل كنزهة أسبوعية لطيفة أو حلوى بعد العشاء أو مشاهدة فيلم كارتون، ولا يتم اللجوء لهذا العقاب إلا إذا أصرّ الطفل على سلوكياته الخاطئة رغم التعامل معه بأسلوب المكافأة والتشجيعº وذلك لأن الطفل يصيبه كثرة العقاب باهتزاز في ثقته بنفسه ويصاب بإحباطات تكون سلوكياته السيئة التي نريد تقويمها خيرًا منها كما أشرنا سالفًا.

وعن كيفية استخدام أسلوب المكافأة:

-     1 - أولاً يجب الاتفاق مع الطفل أن تغيير الحقائق يسمى كذبًا، وهو أمر لا يحبه الله عز وجل ولا يحبه الناس، ويجعل الإنسان بعيدًا عن الله وعن الناسº لذا فلا يجب فعله، وبالتالي يتم إقناعه لماذا الخطأ خطأ.

-     2 - يجب الاتفاق معه على أنه سيقول الصدق دائمًا دون خوف من أي شيء، ويمكن دعم ذلك بمثل حقيقي من عدم تعرضه للعقاب حين يصدق القول في شيء ما خطأ اقترفه بحيث يتعلم أن الخطأ ممكن أن يقع فيه أي إنسان، لكن يجب ألا يكرره، فهذا هو ما لا يصح، وذلك في جو من الهدوء والحنان.

-     3 - يجب منحه الثقة بقدرته على تصحيح أخطائه وإعطائه الفرصة لذلك، فينتقل له من خلال الحوار أن لديه القدرة على أن يكون أفضل، وعلى تصحيح أي خطأ وعلى التطور للأفضل دائمًا.
4 - بشكل عام يجب غرس أسس قوية للصداقة والمصارحة بينه وبينكما كوالدين مع إعلامه أنه لا خوف إطلاقًا من أي أمر سيحكيه حتى لو كان خطأº لأنكما ستعلمانه الصواب وتساعدانه دائمًا وتحميانه من كل مكروه... بحيث يحكي كل ما مر به في يومه أيًّا كان، وليكن ذلك من خلال جلسة يومية بعد العشاء أو على الغداء يحكي فيها الأب ما حدث له في يومه، وكذلك الأم ليبدأ الابن في سرد تفاصيل يومه هو الآخر لمسامرتكم، ولا مانع من اختلاق مواقف تنصح فيها الأم الأب أو العكسº ليعلم الابن أن هذا المسامرات يمكن فيها الحصول على النصائح المفيدة.
ولا مانع من رواية الأخطاء فكل ما سيحدث بشأنها هو التصحيح والنصح بدون تعرض لإيذاء بدني، ولا مانع من تكرار هذه الجلسة أكثر من مرة في اليوم الواحد بأكثر من صورةº فتارة على شكل حديث عن قصص عن الصحابة أو مكارم الأخلاق وما استفاده منها، أو ألعاب يمارسها أحد الوالدين مع الابن على الكمبيوتر مثلاًº وذلك للاقتراب منه أكثر والالتحام به، وكذلك لمحاولة حثِّه على أن يبوح عن كل ما مر به، فأنتم في مجتمع غير ما تعودتم العيش فيه وهو ما يضع على عاتقكما كوالدين مسئولية أكبر ودور في الحفاظ على الأبناء أكثر دقة.

-          وستجدين مزيدًا من التفاصيل حول هذه الجزئية في المعالجات التالية:

-          - يوميات أديبة في الحضانة

-          - دليلك التربوي في أرض الغربة

-          وستجدين في الأنشطة التالية عونا على استعادة التواصل مع أطفالك:

-          - برنامج مميز للوقت المميز

-          - الاستمتاع بالأمومة ليس مستحيلاً!!

-          - بالخطوط والألوان طفل ذكي وفنان

-          - مطبخ الصغيرات.. دروس في فن الطهي والثقة!

-          - الفن جنون

-     أختي الكريمة، إنك حديثة عهد بأبنائك كما يبدو من سؤالك، فأنت لتوّك قد قررت التفرغ لهم وتسلمهم من جليسة الأطفال، وبالتالي فأنت تعيدين صياغتهم مرة أخرىº فلا تدخري في ذلك وسعًا.. أعانك الله تعالى عليهم، ويسعدنا تواصلك معنا، وفي انتظار أخبارك.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply