لحظات مع .. الامتحانات والمذاكرة


بسم الله الرحمن الرحيم

 

في نهاية كل فصل دراسي يعيش الطلاب والطالبات موسماً مهماً، يجنون فيه ثمار غرسهم ألا وهو موسم الامتحانات التي هي وسيلة معاصرة لتقويم مستوى الطلاب والطالبات من الناحية العلمية، وأسلوب حديث يتوصل به إلى معرفة مدى ما استوعبوه من معلومات دراسية خلال الفصل الدراسي، فيطلب من كل طالب وطالبة الحصول على قدر من الدرجات لا يمكن اجتياز تلك المرحلة إلا بالحصول عليها، ويتنافس المتنافسون المتفوقون في الحصول على أكبر قدر من الدرجات للظفر بتقديرات عالية، وبمعدل مرتفع، وهي الوسيلة التي يمكن للطالب والطالبة الانتقال من سنة إلى أخرى بواسطتها إذا نجحوا، فهي وسيلة فعالة للترقي في سلم المعرفة العلمية، وكلما نجح الطالب سنة تقدم في الدراسة واكتسب معلومات أوسع من ذي قبل.

 

فلما كانت الامتحانات بهذه الأهمية، ويترتب على النجاح فيها الترقي في العلم ثم التخرج، كان لزاماً على الطلاب والطالبات أن يشمروا عن سواعد الجد، ويبذلوا جهدهم في المذاكرة ومراجعة ما حفظوه، وتكرار ما قرؤوه، ليدخلوا صالات الامتحان بنفس مطمئنة وعزيمة واثقة بتوفيق الله - تعالى - للوصول للإجابات الصحيحة في المواد كلها، ليسعدوا بعد ذلك، ويحققوا ما تطمح إليه أنفسهم وأنفس والديهم، ويستحقوا حينئذ التقدير والتكريم.

 

قال - تعالى -: {وإذا ابتلى إبراهيمَ ربُه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً} قال الإمام ابن كثير  - رحمه الله - : ((أي: واذكر يا محمد لهؤلاء ابتلاء الله لإبراهيم، أي: اختباره له بما كلفه به من الأوامر والنواهي، فأتمهن أي قام بهن كلهن، فجازاه الله بأن جعله للناس قدوة وإماماً يقتدي به ويحتذي حذوه)) أ. هـ. ولنعلم أن العلم مستلزم للتقوى كما قال - تعالى -: {واتقوا الله ويعلمكم الله}.

وينبغي للمعلمين والمعلمات أن يعودوا طلابهم وطالباتهم على طرح الأسئلة عليهم ليختبروا ذكاءهم ويفتحوا أذهانهم، ويدربوهم على الاختبارات وأسئلتها الشاملة. 

 

وكان هذا من هديه - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه - رضي الله عنهم - فإنه كان يستعمل أسلوب السؤال والاستفهام لحفز همم الصحابة وتشويقهم لسماع أقواله في عدة أحاديث، منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور)). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)) رواه مسلم.

 

وكان السلف يمتحنون طلابهم ليعرفوا مقدرة حفظهم، ومن ذلك ما ذكره الإمام السخاوي: \" أن المحب ابن الهائم حفظ القرآن بتمامه، وكان يختبر فيه، فتذكر له الآية فيتلوها، ثم يسأل عما قبلها فيجيب دون توقف\". وذكر الخطيب البغدادي في كتابه ((تاريخ بغداد)) قصة امتحان علماء بغداد للإمام البخاري في مئة حديث قلبوا أسانيدها ومتونها، فأعادها صحيحة، فأعادها الناس له بالحفظ.

 

المذاكرة: 

 

وإن أفضل طريقة في المذاكرة هي ((المذاكرة والمراجعة الفورية)) التي تتبع الدرس مباشرة ليكون الطالب على استذكار لما سبق شرحه لقرب العهد به مع زملائه. ويدل على ذلك حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -  قال: ((كنا قعوداً مع النبي فيحدثنا الحديث ثم يدخل لحاجته فنراجعه بيننا، فنقوم كأنما زرع في قلوبنا)) رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده. وأيضا مراجعة الطالب مع أحد إخوانه لها أثرها في تبادل المعلومات واستذكار المهمات بروح أخوية، قال علي بن الحسن بن شقيق: قمت مع ابن المبارك ليلة باردة ليخرج من المسجد، فذاكر عند باب المسجد بحديث فذاكرته، فما زال يذاكرني حتى جاء المؤذن وأذن للفجر)).

 

لا يخفى على الطلاب والطالبات أنهم لا بد أن يراعوا بعض الجوانب المهمة عند المذاكرة في أيام الامتحانات، وأهمها:

 

- الراحة النفسية: بالبعد عن القلق والتوتر النفسي، وتجنب المشاكل المؤدية للاكتئاب النفسي أو الاضطراب العصبي لئلا يؤثر ذلك على التحصيل والاستيعاب، وليحرص الآباء والأمهات على توفير جو مطمئن في البيت يذاكر فيه الولد أو البنت بهدوء، بعيداً عن تهديد الأبوين للولد بأنه لا بد أن ينجح بتفوق، والويل والعقاب الشديد له أن كمل أو رسب، فإن ذلك يشحنه نفسياً، ويجعله يذاكر وهو خائف من الفشل، وحينئذ قد ينعكس ذلك على صعوبة فهمه أو حفظه للمقرر ببطء مع كثير من الإجهاد والتعب.

 

- ولا ينبغي للوالدين أن يكسرا قلب ولدهما بكثرة توبيخه، ومدح أحد زملائه والثناء عليه وأنه أفضل منه، فإن ذلك يوقع في نفس الولد كثيراً من الإحباط أو الحقد ويجعله يكره مخالطة المتفوقين، وإنما يجب على الأبوين تشجيع الولد وتدريبه.

 

- وليعلموا أن العلوم مواهب إلهية يقسمها الله بين عباده كيف شاء - سبحانه -، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -  إذا رأى رجلاً يتلجلج في كلامه قال: خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد. رواه ابن عساكر في تاريخه. أي: أن الله - سبحانه - رزق عمراً الفصاحة وقدر على ذاك الرجل اللجاجة وهي ثقل اللسان والتردد في الكلام مع صعوبة نطق الحروف وتتابع الكلمات. 

 

- ولكي يتحقق الارتياح النفسي فعلى الطالب أن يحرص على أن يكون جسمه معتدلاً بعيداً عن الجوع أو الشبع، فيتناول وجباته في مواعيدها، ويتجنب المذاكرة بعد الأكل مباشرة ـ لأن البطنة تذهب الفطنة ـ وأيضا ينبغي تجنب الغضب فإنه يؤدي إلى شحن النفس ويؤثر على أعصاب الطالب مما يجعله مرتبكاً حاد المزاج.

 

- وأيضا لا بد من النوم الكافي خلال الليل ليأخذ الجسم راحته، وليستيقظ الطالب بنشاط وليكن حريصاً على أداء صلاة الفجر مع الجماعة في المسجد كل يوم لينال الأمر الوارد في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله)) رواه مسلم، وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء)) الحديث رواه مسلم.

 

وحبذا تخصيص الوقت بعد صلاة الفجر للمذاكرة، ومراجعة ما سبق حفظه، فإنه وقت مبارك، ويكون الإنسان نشيطاً متقد الذهن نشيط الجسم لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((بورك لأمتي في بكورها)) رواه الترمذي. وليخرج بعد ذلك للامتحان، وليكن مبكراً لئلا يعرض له ما يؤخره من زحام أو نحوه. وليقل عند الخروج من المنزل الدعاء الوارد في حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: حسبك هديت وكفيت ووفيت، وتنحى عنه الشيطان)) رواه الترمذي وحسنه والنسائي وابن حبان. فإذا وصل الطالب إلى مقر الامتحان فليحرص أن يذاكر مع زملائه أو في مكان قريب من المدرسة ولا يجلس لوحده في سيارته لئلا ينام أو يسهو فيمر الوقت دون أن يشعر فيفوته الامتحان. وليدخل الطلاب والطالبات قاعات الامتحان بنفس واثقة مطمئنة ما داموا قد بذلوا جهدهم، وليكثروا من الأذكار والدعاء وسؤال الله التوفيق والسداد، وعند تسلم ورقة الأسئلة حبذا أن تقرأ كاملة في أول مرة قبل الإجابة، ولا داعي أن يغلقها فلا يقرأ إلا سؤالاً ثم يجيب عليه، ثم يقرأ السؤال الثاني ثم يجيب عليه وهكذا، فإنه يجعله دائم التوتر والخوف من مفاجآت الأسئلة وليبدأ بإجابات الأسئلة التي قد تأكد من أجوبتها الصحيحة.

 

ولا تضيع الوقت في التفكير في سؤال صعب، بل ابدأ بغيره حتى تنهي ما عرفته ثم عد لذلك السؤال وفكر في إجابته فيما تبقى من الوقت. وكن حريصاً على توزيع الوقت حسب عدد الأسئلة، وحدد العناصر التي في ذهنك وتتطلبها الإجابة قبل البدء في الكتابة .

 

ولا تنس مراجعة إجاباتك قبل تسليم الورقة، لئلا تكون قد نسيت سؤالاً أو فقرة فتندم بعد الخروج حيث لا ينفع الندم.

 

ولا داعي للاستعجال والخروج مبكراً بقصد التفاخر بأنك كنت سباقاً فلم يخرج أحد قبلك. فإن ذلك ليس بمنفعة، بل يعد مثلبة ولا سيما لمن لم يتقن إجاباته ولم يراجعها ولم ينظم فقرات الإجابة فتضيع عليه درجات كثيرة ليس بسبب نقص معلوماته أو عدم مذاكرته، بل لعجلته وعدم جودة خطه وسرعة كتابته.

 

والعجلة مذمومة ولا سيما إذا ترتب عليها تفويت مصلحة، وجاء في الحديث ((التأني من الله والعجلة من الشيطان)) رواه أبو يعلى والبيهقي، وقال ((التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة)) رواه أبو داود. فعليك يا أخي الطالب بلزوم الطمأنينة والتأني أثناء إجاباتك، وأخيراً: لا يخفى عليك أن الله - تعالى - يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فإياك والغش فإنه حرام لعموم قوله: ((من غشنا فليس منا)) رواه مسلم .

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply