مِنَ الخُلدِ..أم مِن شاطئِ الغيبِ تُسفِرُ *** صباحاتُ أيَّامٍ, مِنَ النُورِ تُبهِرُ؟
تُنيرُ دَياجي النفسِ كالوحي مُشرِقاً *** كما ضاءَ في الإظلامِ ماسٌ وجَوهَرُ
وينسابُ مِنها البِشرُ في كُلٍّ, كائِنٍ, *** ويسري مَعَ الأنسام مسكٌ وعنبرٌ
وتجري مَعَ الأرياح أرواح هائِمٍ, *** تَخُبٌّ بِبَرِّ الشوقِ حِيناً، وتُِبحرُ
فتُصبِحُ في دَيمُومةِ الحُبِّ والهوى *** وتُمسي ببحرٍ, بالتباريح يزخَرُ
تَصُبٌّ على الأفهام مِن فَيضِ جُودِها *** يقيناً... وآمالاً عِظاماً تُفجِّرُ
فيِخشَعُ هذا الكونُ لِلَّهِ إذ هفا *** وأبدى مِنَ اللوعاتِ ما كانَ يُستَرُ
وطافَت على النورِ الإلهيِّ زُمرةٌ *** كساها مِنَ الإيمانِ ثوبٌ ومِئزَرُ
تَغَنَّت ـ وما إثمٌ عليها ـ وزَغرَدَت *** وهامَت بضيفٍ,ٍ, بالعطايا يُبشِّرُ
فأهلاً به يشدو بها كُلٌّ طائرٍ, *** ومرحى بِهِ يَزهو به اليومَ مِنبَرُ
وَفَدتَ أيا شَهرَ التراتيلِ والهُدى *** تُفَسِّرُ مِن لَوعاتِنا ما تُفسِّرُ
تَمُدٌّ حِبالَ الوصل بينك والورى *** بِصومٍ,... وأنفاسٍ, إلى اللهِ تَجأَرُ
لَك اللهُ.. يا شهراً أفاءَت بِظِلِّهِ *** قُلُوبٌ على حَقلِ الخطيئاتِ تُزهِرُ
أتَتكَ.. فَكُن برداً لها مِن ضرامِها *** وملجأهَا ممّا تخاَفُ.. وتحذَرُ
وصُنها بِحِصنِ الصومِ عن كُلِّ مُوبِقٍ, *** فقد عَمَّها بحرٌ مِن الخوفِ أحمرُ
وكُن في خِضِمِّ الكونِ للخلقِ مَوئِلاَ *** وجِسراً.. على أعجازِهِ الناسُ تَعبُرُ
ألا أَيٌّهذا الشهرُ أغدِق فضائِلاً *** على كُلِّ مسكينٍ, على العُدمِ يُفطِرُ
وأيقِظ قلُوبَ الأغنياءِ لِيَذكُروا *** أُناساً على الإملاقٍ, والجُوع تصبرُ
ففيكَ مِن الآياتِ للخلقِ غُنيةٌ *** ومَوعظةٌ لو في عطاياكَ فكَّروا
أيا شهرَ نَصر الدينِ في كُلِّ وَقعةٍ, *** يَقُودُ أُسودَ الحربِ فيها غَضَنفَرُ
ببدرٍ,... وأملاكُ السما في دُروعِها *** وفي كفِّها الأسيافُ للهامِ تَسبُرُ
بمكةَ يومَ الفتحِ تسري ركائِبٌ *** إلى النصرِ... والإسلامُ أعلى وأظهَرُ
محمدُ يحدُوها.. وقد زاغَ باطِلٌ *** وكُلٌّ لِسانِ الخلقِ... اللَّهُ أكبَرُ
وحِطِّينَ.. إذ جَلَّى صلاحٌ عَنِ الدُنا *** وعن قُدسِنا رِجساً على الطُهرِ يَظهَرُ
ولكن.. أَجِل طَرفاً علينا فلن ترى *** عُيوناً لنا في عِزَّةِ الدينِ تنظُرُ
وسائِل بلادَ القُدسِ.. ماذا أصابها؟ *** وهل بينَ أهلِ الدينِ مَن سوفَ يَنصُرُ؟
وقد أصبَحَت مأوى اليهودِ.. ومَوطِناً *** على سَفحِهِ كُلٌّ المُروءاتِ تُقبَرُ
وجالَت على أرضِ العراقِ عِصابةٌ *** مِن الكُفرِ والعُدوانِ والظُلمِ تَفجُرُ
فَذَلَّت رِقابُ المسلمينَ وأَذعَنت *** وداسَ عليها كافِرٌ يتبختَرُ
سِهامُ الأعادي في حشاها كثيرةٌ *** ولكن.. سهام الأهلِ والصَحبِ أكثَرُ
فَأَيَّ سِهام في الوغى سوف تتقي.. ؟ *** وأيَّ يَدٍ, منّانةٍ, سوفَ تَشكُرُ؟
أتيت أيا شهرَ التباشيرِ بالتٌّقى *** تزُورُ لِماماً.. والهوى فيكَ أخضَرُ
فَلَيلُكَ قُرآنٌ... وإخباتُ خاشِعٍ, *** وصُبحُكَ أضواءٌ مِنَ اللهِ تُسفِرُ
حَنانَيكَ.. لا تَرحَل عن الكونِ، فالنٌّهى *** بِحُبِّكَ يا شَهرَ السَناءَاتِ تَسكَرُ
يَلُوحُ عليها اليومَ مِن بَعدِكَ الأسى *** عليكَ.. وما تخُفي مِنَ الوَجدِ أكبَرُ
فَحُطها بِكفِّ العطفِ والحُبِّ والرِضا *** فَكفٌّكَ غَيثٌ مِن يَدِ العفوِ يُمطِرُ
فيا أيٌّها الشهرُ الذي فيكَ أشهرٌ *** ويا أيٌّها الدهرُ الذي فيكَ أدهرُ.. !
بِمَن تزدَهي الدُنيا ـ سواكَ ـ وتنتشي *** وأنتَ لِكُلِّ الكونِ عِزُّ ومَفخَرُ؟
وقد تعتري وجهَ الزمانِ مصائِبٌ *** تُغِيرُ على أيَِامِهِ... وتُكَدِّرُ
وأنت.. كما كُنتَº ما زِلتَ باسِماً *** ووجهُكَ ـ رغمَ الدهرِ ـ ريَّانُ أنضَرُ
فَعُد.. مِثلما قد جِئتَ ضيفاً مُكرَّماً *** تُعَمِّرُ مِن بُنيانِنا ما تُعَمِّرُ
لَكَ اللَّهُ.. يا رفداً مِنَ اللّهِ للورى *** وبحراً مِن الغُفرانِ.. للخَلقِ يَغمُرُ
فَمِثلُكَ شهرٌ لا تُوَفَّى حُقوقُهُ *** وعن مَدحِهِ كُلٌّ الأقاويلِ تَقصُرُ