بسم الله الرحمن الرحيم
لم يعد الغش فعلة لا يقبل عليها إلا الفاشلون من الطلاب كما كان يعتقد البعض فيما مضى، ولكنه ومع انهيار منظومة القيم في المجتمعات أصبح شأنه شأن وسائل الثراء الفاحش والكسب السريع، وبما أن العملية التعليمية أصبحت سباقًا للحصول على درجات أعلى للوصول لدرجات علمية معينة ربما للوجاهة الاجتماعية أو غير ذلك، فقد أصبحت الغلبة لمن يفوز في السباق، ويتفوق فيه محققًا المراكز، ويحرز الدرجات بعيدًا عن الوسيلة والكيفية فالشعار المرفوع من مزاولي تلك الفعلة هو \"ذاكر ربما تنجح.. ولكن غش تضمن المجموع العالي\".
نماذج عديدة كانت في السابق سهر الليالي في إعداد الخطط والورقات ونماذج الغش، وربما استغرقت هذه العمليات أوقاتًا طويلة كان يمكن إنفاقها في الاستذكار.. ومع تطور النظرية أكثر وأكثر وجدت الجهات ومواقع الإنترنت والأجهزة التي تريح الطالب حتى من عناء إعداده لنماذج الغش، وتزامن ذلك مع تغافل كل الجهات المعينة بمواجهة تلك الظاهرةº فاستفحلت لتصبح غشًا جماعيًا، أو غولا يلتهم الإبداع والتفوق والضمير.
ومما يثير التساؤل لجوء المتفوقين أيضًا في هذا المضمار لضمان الحصول على ما هو أعلى وأعلى وربما الدرجة النهائية كما أن الدعوة والإعلان عن الغش شيء لا يستترº لأنه على ما يبدو أصبح شيئا طبيعيًا وفعلاً عاديًّا لا يحرج صاحبه ولا مقدمه…
ربما ظننت ـ مثلما ظننت أنا حتى فوجئت بالحقيقة المريرة ـ أن الرسوب وبالتالي الغش بعيدان كل البعد عن حدود أسرتك، ولكن الملازمة بينها اليوم أصبحت دربًا من دروب الخطأ الفادح سيدي المربي إذ إن الغش مما يجب الاستعداد لحدوثه لاحتمال قربه الشديد من الأبناء بغض النظر عن دوافعه…
حدث بالفعل
حوادث الغش فرديًّا أو جماعيًّا تتم بمباركة الآباء، وتشجيع الأمهات- اليوم- لسرقة حقوق الآخرين في النجاح بالمذاكرة والإجابة بصدق وحق وضمير، فمن الكتب المخبأة والتليفون المحمول إلى غش جماعي بالميكروفونات يدور بها الأهالي حول اللجان، كما حدث العام الماضي في الحسينية (أحد المراكز بجمهورية مصر العربية) وكذا كراسات الإجابة التي تخرج بيضاء من غير سوء من داخل اللجان لتعود لصاحبها الجالس مثل الحمل الوديع، وقد امتلأت بالإجابات النموذجية كما حدث في البلدة نفسها، وتتحول المدينة طلابًا وأهالي لمدينة الغشاشين بالإرهاب وفرض القوة حتى تضطر الجهات المسئولة إلى استخدام قوات الأمن المركزي، كأن الأمر معركة حربية لا ييئس فيها الأهالي من المقاومة ومحاولة فرض الغش بكل قوة متحديين رجال الأمن… حتى صدر قرار بإلغاء الامتحانات وجعل مقار جديدة لهاº لتبديد هذه الجموع التي توحدت صفوفها في سبيل الغش!!
بل إن الجديد أن أسئلة الامتحانات تباع في المحلات شأنها شأن المشروبات الغازية واللبان، وما يجري في غرف التصحيح هو أدهى وأمرº إذ يمكن رفع الراسب تحت ضغط المناصب والكراسي والنفوذ.
في بور سعيد يجلس المدرس مع أحد الطلبة يدونون معًا أجوبة الأسئلة ويعدون لها ورقة ليتم تداولها في اللجنة، ويثبت بعد ذلك تورط المدرس في الدروس الخصوصية التي لا تهدف للنهوض بمستوى الطالب الضعيف بمزيد من العناية المتخصصة، وإنما تعني التنجيم والتكهن بأسئلة الامتحانº لتحقيق الكسب السريع للمدرس والنجاح المكذوب والسهل للطالب دون أن يعي أي المواد درس خلال السنة الدراسية، وحين تفشل توقعاته وتكهناته.. يلجأ لهذه الطريقة ثم يدعي خروج الامتحان عن المنهج، هذا بالطبع غير شراء الامتحانات أو رشوة الملاحظين أو استغلال الحاجة.
ففي فرشوط ( إحدى قرى مصر) اتفق رئيس لجنة الامتحان مع أحد الطلاب لتبديل ورقة إجابته مقابل خمسة آلاف جنيه، وآخر عضو مجلس شعب يترك مدرسة ابنه ويمتحن في لجنة أخرى في الواحات البحرية وتختفي ورقة إجابته لمدة 24 ساعة، ومأمور قسم ينقل ابنه إلى لجنة بمدينة نصر ليتبع دائرة القسم ليدخل إليه أفراد الشرطة ويتم تغشيشه في اللجان .. ولقد تم إلغاء امتحانات هذه النماذج وعقاب المتورطين في الجريمة، والتي إن دلت فإنما تدل على مدى إصرار الأهالي على هذا الأمر ناسين أن هذا الغش يفرخ لمجتمعاتنا طبيبًا يقتل الناس ومهندسًا يبني عمارات تسقط على رؤوس قاطنيها ومحاميًا نصابًا وقاضيًا مرتشيًا… وإذا كان رب البيت بالدف ضاربًا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص.
هذا عن مشاهداتي في المجتمع المصري، فماذا عن المجتمعات الأخرى؟
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد