بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
أما بعد:
فإن العناية بتراث علمائنا السابقين، بحفظ أصول كتبهم الخطية من الواجبات الكفائية، ويشمل ذلك إيقاف طلبة العلم النبهاء عليها، واستخدام الوسائل العصرية التي توسع النطاق، وتذلل العقبات، مثل: الأقراص الحاسوبية، والبرامج الحديثية الحديثة التي تعين على الوقوف على المعلومات بأسرع وقت، وعلى وجه فيه دقّة!
والذي أقترحه في هذا الميدان على من يسر الله له الجمع بين (الأصالة) و (المعاصرة) أموراً:
أولاً: في حالة تحقيق الكتاب التراثي ترفق صور المخطوطات (النسخ المعتمدة) في قرص مع الكتاب المطبوع.
ثانياً: العناية القوية بجمع عدد كبير من المخطوطات، ووضعها على أقراص، على وجه فيه تتبع، ومحاولة التأنق في الجمع، والعناية بالنسخ المهمة.
ثالثاً: ضمّ النظير إلى النظير في الجمع المذكور، بحيث تكون مخطوطات كل فن على حدة، ويُبدأ بالكتب الجذرية في كل علم، وينتهى بالأجزاء والكتب المتخصصة في المسائل المفردة، ومحاولة رسم جداول توضح طريقة الترتيب.
رابعاً: صنع برامج بحث تفصيلية تعنى بالمؤلِّف، واسم المخطوط، والتعريف به، ويشمل: تأريخ نسخه، واسم الناسخ، ومصدر المخطوط (اسم المكتبة المحفوظ بها) وملاحظات عن المخطوط من حيث:
1- الإتمام والنقص.
2- هل سبق نشر الكتاب بالاعتماد على هذا المخطوط أم لا؟
3- عيوبه من حيث النقص أو الطمس أو أكل الأرضة له أو إصابته برطوبة وغير ذلك.
4- التعريف برواية النسخة والسماعات وأسماء أصحابها وخطوطهم، لتكون رديفاً لمعرفة جوانب من ترجمة لبعض المجهولين أو الحصول على زيادة معلومات عن تراجم مقتضبة أو غير وافية في الكتب المطبوعة.
5- إثبات أسماء أصحاب التملكات على النسخة الخطية.
6- إثبات ما على المخطوط من معلومات لا صلة لها بمادته الأصلية، وغالباً ما تكون هذه المواد على الطرة أو في آخر المخطوط.
7- إبراز أخطاء المفهرسين والمعرفين بالمخطوط وما أكثرها! - لمحاولة الوصول إلى فهارس علمية دقيقة.
8- محاولة جمع مواد موثّقة عن تنقل وجود المخطوط الواحد في أكثر من مكتبة، وطريقة ذلك: هل هو الشراء، أو النهب والاختلاس، وإبراز ضرورة المناداة بإرجاع المخطوطات المسروقة إلى مصادرها، والأخذ على أيدي الناهبين والمختلسين من النابهين والأمناء والحريصين والغيورين على أمتنا وتراثها ودينها وهويتها.
خامساً: محاولة إدخال الطرق الحديثة في تصوير المخطوطات في البلاد المسلمة المحتلة، وحفظها في أكثر من مكان بدعم الوسائل المعينة على ذلك.
سادساً: محاولة فهرسة المخطوطات في البلاد النائية أو الفقيرة، وأخذ مصورات عنها، وجعلها بين يدي طلبة العلم.
سابعاً: إصدار نشرة دورية تعنى بالتعريف بدور الكتب الخطية وفهرسها، وتعريب الفهارس التي نشرت بغير العربية، ومحاولة حصر نسخ الكتب المهمة التي لم تنشر، أو الكتب المطبوعة واعتمد في تحقيقها على نسخ متأخرة أو ناقصة، ومحاولة حصر الكتب التي نشرت في الدوريات، وإعداد قوائم (بيلوغرافية) للمقالات التي فيها تصحيح وتصويب للكتب، والإيقاف على الوسائل التي يمكن من خلالها تجميع الكتب المفقودة، وإظهار سرقة المخطوطات، وفضائح المتاجرين بها وتعريتهم للرأي العام، وتسليط الأضواء على مخطوطات البلاد القلقة.
ثامناً: نشر المخطوطات المهمة النادرة المتميزة بالدّقة والجودة لكتب جذرية يحتاجها الباحثون في سلسلة متتابعة من المجلدات.
تاسعاً: اقتناء الطبعات الأوروبية القديمة وغيرها من النوادر لكتب تراثنا وإعادة نشرها عن طريق التصوير بــ (الأوفست) بكميات مدروسة ليتسنى للباحثين الوقوف عليها بيسر وسهولة.
عاشراً: إصدار كتاب يضم خطوط العلماء، والتعريف بالناسخين المجودين المكثرين (الجنود المجاهيل) وعمل بعضهم آنذاك عمل دور النشر الآن- ومصادر ترجمتهم، والعناية الخاصة بجهدهم في النسخ، ووصف مقدار دقتهم وخطوطهم.
حادي عشر: إظهار طرق التحقيق ببرنامج مختص والاستعانة بلوائح وبيانات كل خطوة من خطوات التحقيق، مع العناية بدقة فرسان هذا الميدان، والتعريف بهم، وإبراز جهودهم وحرصهم وشدة عنايتهم.
ثاني عشر: تقويم طبعات الكتب التي تمتلئ بها الرفوف، وتقذفها المطابع، والتحذير من الإنزلاقات والانحرافات، ومحاولة حصرها، مع التمثيل عليها، والتوصية بكشف ألاعيب التجار، وطرق المندسين من الفرق المنحرفة والمبشرين والمستشرقين (اليهود الجدد)، ببترهم وتحريفهم النصوص، مع الاستعانة بــ (التصوير الضوئي) بإبراز الأصل المعتمد لبيان تقصد الحذف أو التزوير.
ثالث عشر: محاولة إحياء القوانين المندثرة (غير المعمول بها) والتي فيها حماية لتراثنا، أو سن قوانين جديدة من أجل ملاحقة العابثين بالتراث أو المضيعين له.
رابع عشر: إيجاد سبل لمعرفة المخطوطات المجهولة، سواء العنوان أو المؤلف أو الناسخ، وأُمثِّل على الأخير بالآتي:
إعداد برنامج يحتوي على ما يلي:
1- حصر أكبر عدد من خطوط العلماء والنساخ المعروفين السابق ذكرهم في (عاشراً)-.
2- إعداد برمجة للتعرف على الخط وربطه باسم صاحبه، ومراعاة إدخال نماذج منه تحوي جميع الحروف، وتكون فيه كلمات متكررة، مثل: الديباجة، والخاتمة، إذ غالباً ما تحوي على البسملة والحمدلة والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
3- من خلال البرنامج المعدّ يعرض المخطوط المجهولُ ناسخُه على جميع الخطوط الموجودة فيه، ومحاولة التعرف على صاحبه.
من المعلوم أن إدخال أكبر عدد من نماذج الخطوط، والدقة في ذلك، يعطي نتائج مهمة في محاولة تقدير عمر المخطوط أيضاً، وبيان ناسخه، ومن المعلوم أيضاً أن الوقوف على النسخة الخطية من الكتاب كان أكبر معين في تقدير عمره، والوقوف على محاسنه ومساوئه، وما ذكرناه آنفاً هو بديل جيد عن ذلك، ولاسيما مع عدم توفر عين الأصل، أو صعوبة الوقوف عليه حال وجوده.
خامس عشر: محاولة حصر المكتبات الخطية الشخصية وفهرستها في سائر أنحاء العالم.
سادس عشر: إجراء مقابلات مع تجار الكتب القديمة والمخطوطات، وذكر نوادرهم وتوصياتهم.
سابع عشر: التواصل والتواصي مع الأثرياء والأغنياء والكبراء ومن هم في موقع المسؤولية لدعم ما تقدّم، ومحاولة إبرازه أو بعضه للوجود، وإنشاء مكتبات عامة مشرَّعة الأَبواب للباحثين والمطلعين، وتوفير المصادر التراثية، والمخطوطات الأصلية والمصورة، وحفظها على (الميكروفيلم) و (الأقراص) وتجهيزها بقراءات وطابعات على وجه يفي بالحجم المطلوب.
ثامن عشر: عقد دورات متخصصة لكيفية التحقيق وضبط النص، وتخريج الحديث، وطرق التوثيق، والتعريف بالمراجع وطريقة استعمالها.
تاسع عشر: تبني كتب تراثية مطولة مهمة، وتوزيعها على الباحثين، ودعم طباعتها لوصولها إلى الباحث بسعر مناسب، وطريقة مناسبة.
العشرون: إعداد برنامج حاسوبي يحتوي على جميع المخطوطات، وأماكن وجودها ووصفها، مع محاولة تمييز المطبوع منها من المخطوط.
هذه آلام وآمال، تراودني وتهاودني وتعاودني بين الفينة والفينة في مسيرتي العلمية، في وقت صفائي وكدري، وراحتي وتعبي، وخلوتي وجلوتي، فجاءتني واستمكنت بي وألحت عليَّ بمسك اليراع وخط هذه الحروف على القرطاس من باب: معذرة إلى الله، وتحريك الهمة في قلوب الأبرار من أهل الغيرة على دينهم وتراثهم المحبين للعلماء الأطهار المنتمين لأمة محمد المختار، - صلى الله عليه وسلم - ما تعاقب الليل والنهار، عسى أن تبدأ المسيرة ولو بالدعاء الصالح، ليتحول إلى صالح العمل، والعمل الصالح النافع في المعاش والمعاد، المدّخر لصاحبه الثواب الجاري، والأجر الباقي، وليكون له لسان ذكر في العالمين. فعليه - سبحانه - وحده- التٌّكلان، وإليه الشكوى بما حلَّ بهذه الأمة من الهوان، وما أصاب مقدراتها ومدّخراتها من الضياع والتشتت والنسيان، فهذه صرخة لعلها تجد آذان، وما ذلك على الله بعزيز، فهو - سبحانه - الكريم المنَّان.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.وسبحانك اللهم بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد