فضل العلم وآداب العالم والمتعلم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الذي عَلّم بالقلم، عَلّم الإنسان ما لم يعلم..وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فَضّلّ العلم والتعلّم، وقال وهو أصدق القائلين: ((قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلبَابِ)) (الزمر: 9).

 

 وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين.

قال فيما صَحَّ عنه ((مَن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أَمَّا بعد.

فيا أيها المسلمون: اتقوا الله - عز وجل -، واجتهدوا في معرفة الأحكام الشرعية وتزوّدوا من العلم النافع الذي يقربكم إلى ربكم - سبحانه - ويكون سبباً في الرفعة في الآخرة والأولى.

قال الله - جل وعلا - عن فضل أهل العلم العاملين: ((يَرفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَالَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ دَرَجَاتٍ, وَاللَّهُ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرٌ)) (المجادلة: 11).

وأخبر ـ جَلَّ وعز ـ أن العلم النافع سببٌ لخشية الله - سبحانه -. ولذا فالعلماء أكثر الناس لله خشية، وأشدهم له تعظيماً قال الله - تعالى -: ((إِنَّمَا يَخشَى اللَّهَ مِن عِبَادِهِ العُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ)) (فاطر: 28).

 

ولو لم يرد في فضل العلم وطلبه إلا أن الله أمر رسوله أن يسأل الزيادة منه لكفى قال - جل وعلا -: ((وَقُل رَّبِّ زِدنِي عِلماً)) (طه: 114).

 

ولقد استشهد الله - عز وجل - بأولي العلم على أجلِّ مشهود عليه وهو توحيده فقال - عز وجل -: ((شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالمَلاَئِكَةُ وَأُولُوا العِلمِ قَآئِمَاً بِالقِسطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ)) (آل عمران: 18).

 

عباد الله: والمراد بالعلم الذي هذا فضله، وتلك مكانته هو العلم الشرعي الموروث عن رسول الله محمد بن عبد الله - رضي الله عنه - ولذا صار العلماء والربانيون هم ورثة الأنبياء.

 

أيها الأخوة: لقد صَحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أَنه قال: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سَهَّل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له مَن في السموات ومن في الأرض حتى الحيتانُ في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثةُ الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورّثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظٍ, وافر))[1].

 

وقوله: ((وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم)) معناه إنها تدعو له وتعطف عليه (هذا ما ذهب إليه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ص 5ـ 6) وتتواضع لطالب العلم تعظيماً له أو أنها تنزل عند مجالس العلم وتترك الطيران (ذكره الخطابي كما في منهاج القاصدين).

ومَن أراد الله به خيراً وَفّقه لتعلم ما ينفعه ويِّبصره بأحكام دينه.

قال - رضي الله عنه - قال: ((مَن يرد الله به خيراً يفقه في الدين))­ [2].

 

فيا أيها المسلمون: تعلمّوا العلم واعملوا به، فإنَّ المرء لا يزال عالماً ما طلب العلم واجتهد في تحصيله، فإذا ظنَّ أنه قد استغنى عن طلبه وجمعه فقدَ جَهِلَ وأصابه الغرور الكاذب، والعجب المهلك عياذاً بالله.

 

أيها المسلم: تعلّم واعمل بالعلم فإن هذا من الجهاد في سبيل الله ولا يمنعنك من طلب العلم كبر السن والخجل أو الكبر فإن العلم فضيلة ومغنم، ولا ينبغي أن يحول بينك وبينه حياءٌ فإن الكبير أولى من الصغير بالتعلّم.

قال لقمان لأبنه: يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحي القلوب الميتة بالحكمة كما يحي الأرض الميتة بمطر السماء.

بالعلم يصلح الإنسان زيفه وفاسده، ويرغم عدوّه وحاسده، ويقوم عوجه وميله ويصحح همته وأمله.

إن من العلم ما هو واجبٌ لا يُعذَرُ مكلّف بتركه وذلك بأن يتعلم المرء أحكام دينه الضرورية من العقائد والعبادات والمعاملات، ومنه ما سوى ذلك واجب كفائي ينوب فيه بعض المسلمين عن بعض.

 

أيها الأخوة: إننا ونحن نستقبل العام الدراسي الجديد ينبغي أن نتذكر سرعة مرور الليالي والأيام، فكل يوم وليلةٍ, يهدم من آجالنا، ويطوي من أعمارنا ويقربنا إلى الدار الآخرة فما أسرع مرور الأيام وانقضاء الساعات والأعوام إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

 

أيها المدرسون والطلاب والآباء: ليتذكر كل منكم واجبه، وليجاهد نفسه على أداء الأمانة وليجعل الإخلاص شعاره.

إن من القيام بأمانة العلم: مجاهدةَ النفس على العمل به، والإخلاص في جمعه.

فالعمل ثمرة العلم يهذِّب الأخلاق، ويربي صاحبه على اكتساب الفضائل والآداب.

والمرءُ الذي نفعه علمه يجتهد في العمل به، ويكره المدح والتزكية، ويلزم التواضع ويسيء الضن بنفسه ويَهرُبُ من حب الرئاسة والشهرة.

ولا يتكبر على عباد الله، بل يدعو إلى الله ويبين الحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وينصح للمسلمين فهذا الصنف يرفعه الله في الدنيا والآخرة ويعيش حياة سعيدة طيبة؟

 

كيف لا وقد آتاه الله نور العلم فزكاه بالعمل ومن عمل بعمله أورثه الله علم ما لم يعلم وفتح بصيرته وأنار قلبه: ((وَالَّذِينَ اهتَدَوا زَادَهُم هُدًى وَآتَاهُم تَقواهُم)) (محمد: 17).

من عمل بالعلم حفظه فلا ينساه، وأصبح كلامه وتوجيهه مقبولاً.

وإن من المؤسف - أيها المسلمون: أن ترى بعض المنتسبين إلى العلم، أو بعضَ من تصدّر للتعليم أخلاقهم تناقضُ ما تعلّموا إن منهم من يُحسن التوجيه بالكلام لا بالعمل والقدوة الحسنة، ومن ثَمَّ لا يكون لتوجيهه أثراً.

 

إن مما نعاني في هذا الزمن: الانفصام بين العلم والسلوك في كثير من الأحيان فإذا كان المعلِّم قد ارتكب عدداً من المخالفات الظاهرة في ملبسة وهيئته، وكلامه ومعاملته. فما قيمه العلم الذي يُحمل عنه؟ وكيف يؤثر في طلابه وزملائه؟.

إذا العلم لم تعمل به كان حجةً *** عليك ولم تُعذر بما أنت حاملُ

فإن كنت قد أبصرت هذا فإنما *** يصدّق قول المرء ما هو فاعلُ

ولقد كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع))[3].

وأخرج البزار بسندٍ, صحيح عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال.. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مثل الذي يُعَلّم الناس الخيرَ وينسى نفسه مثل الفتيلة تضئ على الناس وتحرقُ نفسها)).

إن على المعلِّم أن يتذكر أنه قدوة لطلابه فهم يأخذون عنه أكثرَ مما يأخذون عن والديهم.

فليتق الله في أولاد المسلمين، وليتعاهدهم بالرعاية والتوجيه وليغرس في قلوبهم العقيدة الصحيحة وليحذرهم من الفساد والمفسدين.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ((وَقُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ وَسَتُرَدٌّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ)) (التوبة: 105).

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وبسنه سيد المرسلين وأقول قولي هذا واستغفروا الله لي ولكم ولعامة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين صلى الله وسَلّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

 

أما بعد: فاتقوا الله رحمكم الله، وراقبوه، واعلموا أنه - سبحانه - يعلمُ ما في أنفسكم فاحذروه.

 

أيها الطلاب: تأدبوا بآداب العلم، واعرفوا قدر المعلٍّ,م، واحترموه واحتملوا ما يصدر عنه من قسوة لمصلحتكم.

 

فمن لم يحتمل ذل التعلِّم ساعةً *** تجرّع كأس الجهل طوال حياته

واحذروا العجب والكبر: فإنهما خلقان ذميمان وهما في طالب العلم أقبح وأشدٌّ ذما العلم حربٌ للفتى المتعالي كالسيل حربٌ للمكان العالي وعليكم التحلي بعمارة الظاهر والباطن بخشية الله ودوام المراقبة وتطبيق ما تتعلمون.

 

فإن هذا من أعظم وسائل التعلّم ومما أثر عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: (هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا أرتحل).

إن طالب العلم قدوةً لغيره فعليه أن يصون نفسه من مجالس المنكر ومَن يهتكون أستار الأدب ويجتمعون على اللهو المحرم.

 

أيها الآباء: شجعوا أبناءكم على العلم والتحصيل، وحَفِّظُوهم كتاب الله فإنه أساس العلوم واجتهدوا في حفظهم من قرناء السوء، ومجالسة الفُسّاق، وأسألوا عنهم في المدرسة وكونوا على الخير أعواناً، وامنعوا عنهم الشر والفساد، واغرسوا في قلوبهم الخوف من الله - عز وجل -.

ليكونوا صالحين مصلحين، تقرٌّ بهم أعينكم، وتتنفع منهم أمتكم.

 

أيها المسلمون: رعاية النشئ وتربية الشباب، تربيةً إسلامية نقيه، مسؤولية الجميع، فالشباب رجال الغد، وجيل المستقبل وعماد الأمة، وقلبها النابض.

 

ولهذا استهدفهم أعداءُ الإسلام بألوان الفتن والشهوات والمغريات والملهيات ليعيشوا حياةً بهيمية بلا هدفٍ, نبيل ولا غايةٍ, سامية.

 

هَمٌّ أحدهم اللهث وراء شهواته المحرمة. سَهَرٌ بالليل على أمور محرمه، ونومٌ بالنهار وبطالة لكي تصاب الأمة بأغلى ثروةٍ, تملكها وهم شبابها ولقد تمكن أعداء الإسلام من إغراق الشباب في الشهوات إلا من رحم الله ممن عرف رسالته في الحياة وحمل همَّ الإسلام، وانتبه لمخططات الأعداء.

نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين.. وأن يردهم إليه رداً جميلاً..

اللهم أصلح شباب المسلمين واجعلهم نصره للإسلام وأهله.

 

----------------------------------------

 [1] رواه أبو داوود والترمذي وحسنه الألباني في صحيح الترغيب ص 33.

 [2] رواه البخاري ومسلم.

 [3] رواه مسلم.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply

التعليقات ( 2 )

فضل العلم وآداب العالم والمتعلم

09:46:12 2023-08-15

جزاكم الله خيرا

آداب وفضل المتعلم

-

نسمات الفردوس

15:20:44 2019-12-13

نص جيدا وممتاز