خطوات في طلب العلم


 

بسم الله الرحمن الرحيم 

كيف لي أن أكوّن ثقافة واسعة في جميع التخصصات بالإضافة إلى أني أريد أن أتخصص في الدراسات الفقهية؟ فهل من دلالة على السبيل إلى ذلك؟ - وجزاكم الله خيراً -.

 

الجواب:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الإنسان إذا أراد التوجه إلى طلب العلم الشرعي فإن عليه أن يسعى جاهداً لإخلاص نيته، وجعلها خالصةً لله - سبحانه وتعالى-، ثم عليه أن يعرف أن علامة إرادة الله بعبده خيراً أن ييسر له سبيل طلب العلم الشرعي، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: \" من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين\" البخاري (71)، ومسلم (1037)، ولذلك فإن الواجب على من وفقه الله إلى طلب العلم أن يستشعر نعمة الله عليه، وأن يشكر الله - سبحانه وتعالى - على هذه النعمة.

ثم إن الإنسان عليه أن يسلك السبيل المناسب لطلب العلمº وذلك بأخذ العلوم مرتبةً حسب الترتيب، والأهمية مع الأخذ بما أشار إليه أهل العلم قديماً وحديثاً، ومن اطلع على كلام أهل العلم يتضح لهº أنهم بينوا كيفية طلب العلم في كل فنٍ, على حدة، حيث يرتبون المتون العلمية من حيث الدراسة أو الحفظ، وهذا الأمر له أهمية بالغةº لأن الإنسان إذا لم يلتزم بهذا الترتيبº فإنه ينتقل بين هذه المتون، ويتفرق جهده، ويضيق وقته، ولم تقض نفسه من طلب مناها.

والذي يقرره أهل العلم أن الإنسان يجب عليه أن يبدأ بعلم العقيدةº لأنه يتعلق بمعرفة الله وأسمائه، وصفاته، وكتبه، ورسله، فالإنسان إذا لم يعرف الله حق المعرفة فكيف يعبده حق عبادته، ومن الكتب المناسبة في جانب العقيدة: كتابا: العقيدة الحموية والواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -، وكتاب: التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -.

وبعد تعلم العقيدة يتجه طالب العلم إلى العلوم الأخرى: فيدرس المتون المختصرة في كل علم، ثم ينتقل للمتون الأوسع وهكذاº وذلك بحسب ما يقرره أهل العلم كما ذُكر سابقاً، وفيما يأتي أذكر أهم المتون في العلوم المختلفة:

1- النحو: متن الأجرومية، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن أجروم الصنهاجي.

2- أصول التفسير: أصول التفسير، لشيخ الإسلام ابن تيمية.

3- التفسير: عليك بكتب التفسير المهتمة بالتفسير بالمأثور، ومن أهمها:

تفسير القرآن العظيم لابن كثير.

4- أصول الفقه: الورقات، لإمام الحرمين الجويني، وشروحه المختلفة.

5- مصطلح الحديث: تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، لجلال الدين السيوطي.

6- أحاديث الأحكام: بلوغ المرام من أحاديث الأحكام، لابن حجر العسقلاني.

7- الفقه: وفي هذا العلم يجب عليك اختيار مختصر متميز من المختصرات الفقهية الكثيرة، وتركز على المختصرات التي يهتم أصحابها بالدليل من الكتاب وصحيح السنة والآثار، ولا أحدد لك مختصراً معيناًº لاختلاف مذاهب مؤلفيها، ولكنك تختار المتميز منها، وتستطيع معرفة ذلك بالرجوع إلى أهل العلم، وطلابه، وسؤالهم عن المناسب لمن هو في مثل حالك.

والإنسان يستطيع توسيع ثقافته الشرعية إذا مرّ على هذه المؤلفات مرور دراسة، وقراءة متأنية على عدد من أهل العلم المشهود لهم بسعة العلم، ودقة الفهم وجودة الدين، وأركز على أن من المهم جداً أن يدرس الطالب على أهل العلم، ولا يكتفي بالقراءة من الكتبº فإن الإنسان لا يستطيع الاستفادة من الكتب، والمؤلفات كما ينبغي إلا إذا قرأها على العلماء المتمكنينº لأن الطالب إذا استقل بنفسه فإنه قد تستغلق عليه بعض المعلومات، كما أنه قد يفهم الشيء على خلاف ما هو عليه، وبذلك يفوته من الخير الشيء الكثير، ومن تأمل واقع الناس تبين له صحة ما ذكر.

ولذلك فإن عليك أن تدرس على العلماء، إضافةً إلى القراءة الفردية ومشاورة أهل العلم وسؤالهم عما أشكل عليك، والجمع بين هاتين الطريقتين هو خير سبيل إلى الوصول إلى الهدف المنشود - بإذن الله - تعالى -.

وإذا أراد الطالب أن يتخصص في الدراسات الفقهية، فإن السبيل إلى ذلك يكون بزيادة القراءة في الكتب الفقهية المختلفة المتقدمة والمتأخرة، إضافةً إلى أن عليه أن ينوع في قراءته بين الكتب التي تتخذ مناهج مختلفة، وبهذا تحصل له الاستفادة من المناهج الفقهية المختلفة فيستفيد من المدارس الفقهية التي يقتصر أصحابها على الدليل الصريح من الكتاب والسنة كمدرسة أهل الظاهر، ويستفيد كذلك من المدارس الفقهية التي يهتم أصحابها بالرأي المحمود وطرق التعليل المختلفة كمدرسة الحنفية، وغير ذلك من المدارس الفقهية المختلفةº لتحصل له الاستفادة من جهود الفقهاء في المذاهب المختلفة.

ومن السبل التي تساعدك من أجل الوصول إلى هذا الهدف متابعة المؤلفات، والبحوث، الفقهية المعاصرة، والمجلات الفقهية الصادرة عن الهيئات، والمجموعات الشرعية، وكذلك الرسائل الجامعية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه، لاسيما ما كان منها متعلقاً بالمسائل الفقهية النازلة التي لم تكن موجودة من قبل، خصوصاً ما كان منها في جانب المعاملات التي حصل فيها تطور مذهل، ولتكن قراءة الإنسان لهذه المؤلفات، والرسائل، والبحوث قراءة نقدية، يحاول من خلالها مناقشة الأقوال أو الآراء والأدلةº ليقبل ما كان منها صحيحاً مستنداً إلى الأدلة الشرعية والتعليلات السليمة، ويرد ما كان خلاف ذلك. والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply