الاحتجاج في كل فن بكلام أهله


بسم الله الرحمن الرحيم 

خلق الله - سبحانه وتعالى - الناس من نفس واحدة، وخالف بينهم في الطبائع وجعلهم خلائف ليوفق بينهم وليختبرهم قال - تعالى -: ((وهو الذي جعلكم خلائف في الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم)) [ الأنعام: 165 ].

 

وقال - سبحانه -: ((أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً ورحمة ربك خير مما يجمعون)) [ الزخرف: 32 ]، فلو كانت الطبائع متفقة لجاز أن يختار الناس بأجمعهم أمرا واحدا من الأعمال التي هي قوام الحياة، فلو كانوا جميعا ملوكاً أو وزراء أو أطباء .. لكان في هذا ذهاب العيش وفساد الحياة وبطلان المصلحة.

 

ولذلك فقد جعل - سبحانه وتعالى - الاختلاف سببا للاتفاق والائتلاف فجعل واحداً حسناً وآخر قبيحاً ، وواحداً غنياً وآخر فقيراً ، وواحداً ذكياً وآخر غبياً، إلى غير ذلك من التفاوت والاختلاف في الطبائع .

 

((ليبلوكم في ما آتاكم)) أي ليختبركم وبالاختبار يطيعون وبالطاعة يسعدون ((ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً)).

 

ولو رغب الناس بأجمعهم عن كدّ البناء لبقينا في العراء ولو تركوا الطب لهلكوا بالأدواء، ولو رغبوا عن الفلاحة لذهبت الأقوات ولبطل أصل المعاش[1].

 

فظاهرة التخصصات الدقيقة في مختلف الفنون والعلوم التي تعنى بها المجتمعات المتطورة ظاهرة صحية تألفها الفطر السليمة لأنها ينتج عنها فوائد عظيمة في حياة الناس .

 

وقد كانت عناية المسلمين أشد من عناية غيرهم من الأمم بهذا الأمر لأن نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام حث على إتقان العمل وإجادته وحرم القول أو العمل بغير علم ، قال - تعالى -: ((ولا تقف ما ليس لك به علم))، وقال - تعالى -: ((فاعلم أنه لا إله إلا الله)). وقد ذكر البخاري ترجمة لأحد أبواب كتاب العلم  (باب العلم قبل القول والعمل).

 

ومن يطالع كتب التاريخ الإسلامي والحديث الشريف وسير العلماء يقف على حقيقة وجود المتخصصين في كل فن من فنون العلم الشرعي والمهن الشريفة.

 

في الحديث عن أنس - رضي الله عنه -قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأقرؤها لكتاب الله أبي، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح\" [2].

 

وكان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -أعلم الناس بأنساب العرب لا سيما قريش، وقد كانوا يرجعون إليه في ذلك[3].

 

وكانت بنو مدلج وبنو أسد أشهر قبائل العرب بالقيافة واعترفت لهم العرب بذلك، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم مسروراً فقال: \"يا عائشة ألم تري أن مجزّرا المدلجي دخل عليّ فرأى أسامة وزيداً وعليهما قطيفة قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض\"[4].

 

وقال الذهبي في ترجمة عطاء بن أبي رباح: روى إبراهيم بن عمر بن كيسان قال: أذكرهم في زمان بني أمية يأمرون في الحج منادياً يصيح: لايفتي الناس إلا عطاء بن أبي رباح، فإن لم يكن عطاء فعبد الله بن أبي نجيح.

 

وفي علم مصطلح الحديث يقول عبد الرحمن بن مهدي: معرفة علل الحديث إلهام، لو قلت للعالم بعلل الحديث: من أين قلت هذا ؟ لم يكن له حجة وكم من شخص لا يهتدي لذلك، وقيل له أيضا: (إنك تقول للشيء هذا صحيح وهذا لم يثبت فعمن تقول ذلك؟ فقال: أرأيت لو أتيت الناقد فأريته دراهمك، فقال: هذا جيد وهذا بهرج، أكنت تسأل عن ذلك أو تسلم له الأمر؟ قال: بل أسلم له الأمر، قال: فهذا كذلك لطول المجالسة والمناظرة والخبرة) [5].

 

وقال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير رحمه الله: ومن المعلوم لدى الفرق الإسلامية على اختلاف طبقاتها ولدى جميع العقلاء في الأرض الاحتجاج في كل فن بكلام أهله، ولو لم يرجعوا إلى ذلك لبطلت العلوم لأن غير أهل الفن إما أن لا يتكلموا فيه بشيء ألبته أو يتكلموا فيه بما لا يكفي ولا يشفي.

 

ألا ترى أنك لو رجعت في تفسير غريب القرآن والسنة إلى القراء وفي القراءات إلى أهل اللغة وفي المعاني والبيان والنحو إلى أهل الحديث، وفي علم الإسناد وعلل الحديث إلى المتكلمين وأمثال ذلك لبطلت العلوم وانطمست منها المعالم والرسوم وعكسنا المعقول وخالفنا ما عليه أهل الإسلام[6].

 

وذكر العلامة ابن خلدون الذي يعد بحق رائد علم الاجتماع في مقدمته المشهورة (فيمن حصلت له ملكة في صناعة  فقلّ  أن يجيد بعدها ملكةً أخرى).

 

ومثال ذلك الخياط إذا أجاد ملكة الخياطة وأحكمها ورسخت في نفسه فلا يجيد من بعدها ملكة النجارة أو البناء إلا أن تكون الأولى لم تستحكم بعد ولم ترسخ صبغتها. والسبب في ذلك أن الملكات صفات للنفس وألوان فلا تزدحم دفعة، ومن كان على الفطرة كان أسهل لقبول الملكات وأحسن استعداداً لحصولها، فإذا تلونت النفس بالملكة الأخرى وخرجت عن الفطرة ضعف فيها الاستعداد باللون الحاصل من هذه الملكة فكان قبولها أضعف، وهذا بيّن يشهد له الوجود، فقلّ أن تجد صاحب صناعة يحكمها ثم يحكم من بعدها أخرى، ويكون فيهما معاً على رتبة واحدة من الإجادة. حتى أن أهل العلم الذين ملكتهم فكرية فهم بهذه المثابة، ومن حصل منهم على ملكة علم من العلوم وأجادها في الغاية، فقل أن يجيد ملكة علم آخر على نسبته بل يكون مقصرا فيه إن طلبه، إلا في الأقل النادر من الأحوال[7].

 

ذم علماء السلف من يتكلم في غير فنه أو يفتي بغير علم:

إن من شأن العلماء الربانيين ومن دأبهم أنهم يكرهون كثرة الكلام وتصدر المجالس، وأما الفتوى فإذا سُئل أحدهم مسألة فيجد لذلك ثقلاً وعبئاً، ولهم في فضل الصمت على الكلام كتابات مفيدة.

 

فعن البراء قال: أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُسأل أحدهم عن المسألة ما منهم من رجل إلا ود أن أخاه كفاه، وفي رواية فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى يرجع إلى الأول [8].

 

وعن عبد الله بن مسعود قال: إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون[9].

 

وسُئل الشعبي عن مسألة فقال: هي زباء هلباء ذات وبر لا أحسنها ولو ألقيت على بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -لأعضلت به وإنما نحن في العنوق[10] ولسنا في النوق، فقال له أصحابه: قد استحيينا مما رأينا منك، فقال: لكن الملائكة المقربين لم تستحي حين قالت: لا علم لنا إلا ما علمتنا[11].

 

وقال الإمام مالك: لا خير فيمن يرى نفسه بحالة لا يراه الناس لها أهلاً وما جلست بالمسجد حتى شهد لي سبعون شيخا من أهل العلم بالتأهل[12].

 

وسُئل الإمام أحمد عن حرف من الغريب فقال: (سلوا أصحاب الغريب فإني أكره أن أتكلم في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بالظن) [13].

 

وقال ابن حزم: لا آفة على العلوم وأهلها أضر من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويظنون أنهم مصلحون[14].

 

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولو كان الكلام في العلم والدين بالولايات والمناصب لكان الخليفة والسلطان أحق بالكلام في العلم والدين وبأن يستفتيه الناس ويرجعوا إليه فيما أشكل عليهم في العلم والدين، فإذا كان الخليفة والسلطان لا يدعي ذلك لنفسه، ولا يلزم الرعية حكمه في ذلك بقول دون قول إلا بكتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -º فمن هو دون السلطان في الولاية أولى بأن لا يتعدى طوره[15].

 

وقال ابن حجر العسقلاني منتقداً على الكرماني في شرحه لحديث في صحيح البخاري: إذا تكلم المرء في غير فنه أتى بهذه العجائب.

 

وهل تذكرت أيها الأخ الفاضل كلام عبد الله بن مسعود: إن الذي يفتي الناس في كل ما يستفتونه لمجنون؟ فما بال بعض المنتسبين إلى العلم يفتون في كل مسألة ؟!! وماذا حصل لبعض المنتسبين إلى العلم حتى يفتوا في كل رخصة وحيلة يبحث عنها الضعفاء المتهاونون في دينهم؟!! حتى المنحرفين والمصابين بالشبق يجدون أجوبة على أسئلتهم؟!! حتى في المعاملات الربوية يجدون فيها طريقاً حلالاً ؟!! حتى في تحطيم الأصنام ؟!! اللهم سلم سلم يا رب.

 

قال - تعالى -: ((ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون)) [النحل: 116].

 

وما آفة الأخبار إلا رواتها:

الأمر بالتثبت في نقل الأخبار وروايتها قد ورد في كتاب الله وفي سنة رسوله عليه الصلاة والسلام .

 

ففي القرآن الكريم قوله - تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا )). وقوله عز وجل: ((يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا)). وفي الحديث: \"رب مبّلغ أوعى من سامع\"، \"ليس الخبر كالعيان\".

 

 ومما أذكره في كتاب الأمالي لأبي علي القالي أن رجلا حكيما التقى بأعرابي ومعه ولده في الطريق، فسأل الولد: أين أَمٌّك؟ فقال: هي في البيت، فقال الأب: ساء سمعاً فساء إجابة. والسائل يريد أين قصدك.

 

وقد لقي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -عناية فائقة من قبل العلماء وذلك بضبط ألفاظه متناً وإسناداً، وحاولوا الاحتراز من التصحيف ومن ذلك انبثق فن (التصحيف والتحريف) في علم مصطلح الحديث.

 

وحكى العلماء كثيرا من الأخطاء التي وقعت للرواة في الأحاديث وغيرها وقسموا التصحيف إلى قسمين: تصحيف سمع، وتصحيف بصر. فمن أمثلته: اسم (عاصم الأحول) رواه بعضهم (عن واصل الأحدب). ومنه أيضاً ما رواه ابن لهيعة بإسناده عن زيد بن ثابت: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -احتجم في المسجد. وهذا تصحيف إنما هو (احتجر في المسجد بخص أو حصير حجرة يصلي فيها)[16].

 

ومنه نهيه  (عن الحلق قبل الصلاة في يوم الجمعة وعن التحلق أيضاً) يرويه كثير من المحدثين، عن الحلق قبل الصلاة ويتأولونه على حلق الشعر. قال (الخطابي): قال لي بعض مشايخنا: لم أحلق رأسي قبل الصلاة نحواً من أربعين سنة بعد ما سمعت هذا الحديث. وقال (الخطابي): إنما هو الحِلَق مكسورة الحاء مفتوحة اللام جمع حَلَقة، يقال: حَلَقة وحِلَق، مثل بدرة وبدر، وقصعة وقصع. نهاهم عن التحلق والاجتماع على المذاكرة والعلم قبل الصلاة واستحب لهم ذلك بعد الصلاة [17].

 

فعلماء المسلمين حاولوا الاحتراز من التصحيف ما أمكنهم ذلك واعتبروه عيباً، ومن وقع في ذلك منهم فعن غير قصد.

 

أما اليهود فالتحريف من أهم أوصافهم ((يحرفون الكلم عن مواضعه)) وقد حرفوا كلام الله وكلام الأنبياء، فكيف ببقية أحداث البشر في هذا الزمان، وقد أصبح اليهود يسيطرون على معظم وسائل الإعلام في العالم!!

 

استمعت إلى إحدى نشرات الأخبار وأذكر منها ما يلي:

 

- أفادت التحقيقات بشأن الطائرة المصرية التي سقطت في طريقها من أمريكا إلى القاهرة أن الطيار قد انتحر. وذلك لأنه نطق بالشهادتين عندما تيقنوا من الموت. (وهذا تحريف وافتراء على الضحايا).

 

- الحكومة الإيرانية تطلب مساعدة دولية لمكافحة تجار المخدرات في إيران، ومن المعلوم أن الرافضة في إيران عندما يريدون القضاء على أي مجموعة من أهل السنة في إيران وخصوصا في بلوشستان، فإنهم يتهمونهم بتجارة المخدرات!!

 

- وأخبار أخرى تتعلق بمكافحة الإرهاب، وكل مسلم ملتزم بدينه ومحافظ على سنة نبيه هو إرهابي بنظر الإعلام الفاسد!!.

 

حال الناس مع الإسلام:

اختلفت مواقف الناس من دعوة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ما بين مؤمن وكافر ومنافق، وبهذا التقسيم ابتدأت سورة البقرة وهي أطول سورة في القرآن الكريم، ثم أعاد ذكر هذه الأصناف في سور أخرى مع بيان أخلاقهم وأعمالهم، وليس للبشرية أن تخرج عن نطاق هذه الأصناف الثلاثة في أي موضع وفي أي زمن إلى أن تقوم الساعة، وهذا تأكيد لكون الإسلام دين الفطرة.

 

فالقرآن الكريم هدىً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقهم الله ينفقون، وأما الذين كفروا فسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، وعلى أبصارهم غشاوة.

 

قال - تعالى -: ((ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون، لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون)) [ الحجر: 15].

 

وفي هذا الصنف يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: وأما من أراد الله فتنته فلو تناطحت الجبال بين يديه لم ينفعه ذلك[18].

 

ومن الناس - وهم المنافقون - من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون. لأن أقوالهم تخالف أفعالهم. والمخالفة بين القول والعمل فساد، والظهور أمام الناس بوجه وإبطان وجه  آخر فساد، قال - تعالى -: ((ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد، وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد)) [ البقرة: 204-206].

 

وفي موضع آخر من القرآن الكريم ذكر - تعالى - شيئا من سلوك المنافقين فقال: ((ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيداً، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا، فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا وتوفيقاً)) [ النساء: 60-62].

 

وليس هذا موضع استقصاء أوصاف المؤمنين والكافرين والمنافقين، إنما هو على سبيل الذكر والتمثيل. كما أن أفراد الصنف الواحد يتفاوتون في المرتبة، فهناك مهاجرون وأنصار، وصحابة وأتباع قال - تعالى -: ((هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون)) [آل عمران: 163]. وهناك أئمة الكفر وكفار، وكذا فئة المنافقين تتفاوت مراتبهم. وقال - تعالى -: ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين)) [البقرة: 251].

 

فالله - سبحانه وتعالى - يدفع فساد المنافقين والكفار بالمؤمنين، ويدفع خطر الفجار بالإبرار.

 

 وفي الحديث عن أبي موسى الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به\" [19].

 

إذا كانت هذه حال الناس من دين الإسلام ، فإنه غير مستساغ ولا عدل من بعض علماء أهل السنة والجماعة أن يصدروا فتوى ترضي كافرا أو منافقاً، ولا هو مقبول منهم أن يداهنوا ظالما أو جائرا أيا كان منصبه ((ولتستبين سبيل المجرمين)).

 

قال - تعالى -: ((يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم)) [ الأنفال: 29]. فكيف يقوم بعض من ولاهم الله شيئاً من أمر المسلمين بمدح ظالم جبار أهلكه الله، ويعرف القاصي والداني أن يده ملطخة بدماء المسلمين؟!! كيف يضفي بعض المنتسبين لأهل السنة والجماعة ألقاب البطولة والشجاعة على أناس استحلوا محارم الله، واستعانوا بكل شيطان لمحاربة العلماء والدعاة، ونشروا الإباحية والفساد؟!! هل تغطى الشمس بالغربال؟!! أم تقولون هذه سياسة ؟! على مبدأ القائلين لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة، هذه فكرة العلمانيين.

 

وعلى أية حال اعملوا ما شئتم، فلن يرضى عنكم الكفرة والمنافقون حتى يردوكم عن دينكم، قال - تعالى -:  ((قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها ما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم  ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)) [الأعراف: 33].

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] - انظر رسائل الجاحظ الكلامية، ص: 137 - منشورات دار الهلال.

[2] - مسند الإمام أحمد، رقم الحديث: 12839، تحقيق حمزة الزين.

[3] - انظر تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص: 40.

[4] - صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب العمل بإلحاق القائف الولد، رقم الحديث: 1459.

[5] - سير أعلام النبلاء.

[6] - الباعث الحثيث لابن كثير، تحقيق أحمد محمد شاكر، ص: 73.

[7] - الباب الخامس، الفصل الثاني والعشرون .

[8] - ذكره ابن رجب في شرح حديث: (ما ذئبان جائعان).

[9] - المصدر السابق.

[10] - يقال للداهية: زباء هلباء أي ذات وبر وشعر. والعنوق: الأنثى من الماعز.

[11] - جامع بيان العلم لابن عبد البر 1/51 .

[12] - الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاوي، ص: 31.

[13] - الباعث الحثيث، ص: 160 . 

[14] - الأخلاق والسير في مداواة النفوس.

[15] - مجموع الفتاوى 27/296 – 297.

[16] - انظر الباعث الحثيث، ص: 164.

[17] - إصلاح غلط المحدثين ، ص: 28.

[18] - مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، ص: 53.

[19] - صحيح البخاري، كتاب العلم، باب فضل من علم وعلّم، رقم الحديث: 79 .

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply