كيف كان الصحابة يتلقون سنة الرسول؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم 

كان رسول الله (يعيش بين أصحابه دون أن يكون بينه وبينهم حجاب، فقد كان يخالطهم في المسجد والسوق والبيت والسفر والحضر، وكانت أفعاله وأقواله محل عناية منهم وتقدير، حيث كان (محور حياتهم الدينية والدنيوية، منذ أن هداهم الله به وأنقذهم من الضلالة والظلام إلى الهداية والنور، ولقد بلغ من حرصهم على تتبعهم لأقواله وأعماله أن كان بعضهم يتناوبون ملازمة مجلسه يومًا بعد يوم، فهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -يحدثنا عنه البخاري بسنده المتصل إليه، يقول: \"كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد – وهي من عوالي المدينة – وكنا نتناوب النزول على رسول الله، ينزل يومًا وأنزل يومًا، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم، وإذا نزل فعل مثل ذلك\"وليس هذا إلا دليلاً على نظر الصحابة إلى رسول الله نظرة اتباع واسترشاد برأيه وعمله، لما ثبت عندهم من وجوب اتباعه والنزول عند أمره ونهيه، ولهذا كانت القبائل النائية عن المدينة ترسل إليه (بعض أفرادها ليتعلموا أحكام الإسلام من رسول الله ثم يرجعون إليهم معلمين ومرشدين.

بل كان الصحابي يقطع المسافات الواسعة ليسأل رسول الله (عن حكم شرعي، ثم يرجع لا يلوي على شيء، أخرج البخاري في صحيحه عن عقبة بن الحارث أنه أخبرته امرأة بأنها أرضعته هو وزوجه فركب من فوره – وكان بمكة – قاصدًا المدينة حتى بلغ رسول الله (، فسأله عن حكم الله فيمن تزوج امرأة لا يعلم أنها أخته من الرضاع ثم أخبرته بذلك من أرضعتهما، فقال له النبي (: كيف وقد قيل؟ ففارق زوجته لوقته فتزوجت بغيره.

وكان من عادتهم أن يسألوا زوجات النبي (فيما يتعلق بشؤون الرجل مع زوجته لعلمهن بأحوال رسول الله العائلية الخاصة، كما قدمنا من قصة الصحابي الذي أرسل امرأته تسأل عن تقبيل الصائم لزوجته فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله (كان يقبِّل وهو صائم.

كما كانت النساء تذهب إلى زوجات النبي فأحيانًا يسألن رسول الله ما يشأن السؤال عنه من أمورهن، فإذا كان هنالك ما يمنع النبي من التصريح للمرأة بالحكم الشرعي أمر إحدى زوجاته أن تفهمهما إياه، كما جاء أن امرأة سألت النبي (كيف تتطهر من الحيض؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: »خذي فرصة ممسكة فتوضئي بها« فقالت: يا رسول الله كيف أتوضأ بها؟ فأعاد كلامه السابق عليها فلم تفهم، فأشار إلى عائشة أن تفهمها ما يريد، فأفهمتها المراد، وهو أن تأخذ قطعة قطن نظيفة فتمسح بها أثر الدم(1).

غير أن الصحابة لم يكونوا جميعًا على مبلغ واحد من العلم بأحوال الرسول (وأقواله، فقد كان منهم الحضري والبدوي، ومنهم التاجر والصانع، والمنقطع للعبادة الذي لا يجد عملاً، ومنهم المقيم في المدينة، ومنهم المكثر من الغياب عنها، ولم يكن رسول الله (يجلس للتعليم مجلسًا عامًا يجتمع إليه فيه الصحابة كلهم إلا أحيانًا نادرة، وغلا أيام الجمعة والعيدين وفي الوقت بعد الوقت. أخرج البخاري عن ابن مسعود قال: »كان النبي (يتخولنا بالموعظة تلو الموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا«، ومن هنا يقول مسروق: لقد جالست أصحاب محمد (فوجدتهم كالإخاذ (الغدير) فالإخاذ يروي الرجل، والإخاذ يروي الرجلين، والإخاذ يروي العشرة، والإخاذ يروي المائة، والإخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم، وطبيعي أن يكون أكثر الصحابة علمًا بسنة الرسول هم الذين كانوا أسبقهم إسلامًا كالخلفاء الأربعة وعبد الله بن مسعود، أو أكثرهم ملازمة له وكتابة عنه كأبي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم.

 

ـــــــــــــ

(1) أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي عن عائشة. وقال المطرِّزي في »المغرب\"2/20 في تفسير (فتوضئي بها) أي: امسحي بها أثر الدم.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply