الدورات العلمية ( 2 ) ( نَقدُ الوَاقِعُ العِلميٌّ )

2.5k
2 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الثانية: عَدمُ المَنهَجية.

إن المنهجيةَ في الأمور ضمانٌ لنجاحها و فلاحها و صلاحها، و إهمالُ ذلك هُوةُ سقوط، و مَزِلَّةُ قدم.

و لقد اعترى (الدورات العلمية) شيءٌ من ذلك، و هو عائد إلى شيئين:

الأول: الشيخُ.

من أصولِ التعلٌّم التلقي عن الأشياخ، و مشافهتهم بالعلم، و ثَنيُ الرٌّكَبِ عندهم فقد (كان العلم في صدرور الرجال، ثم انتقل إلى الكتب، و مفاتيحه بأيديهم).

و التحرِّي في الأخذ عنهم مهم جداً لأن (العلم دين، فليُنظر ممن يؤخذ الدين)، و ليس كلُّ متأهلٌ لأن يكون محلاًّ للأخذ،و مورِداً مَعيناً.

فـ (ينبغي للطالب أن يقدِّمَ النظرَ، و يستخير الله فيمن يأخذ العلم عنه، و يكتسب حسن الأخلاق و الآداب منه، و ليَكُن إن أمكن ممن كمُلَت أهليته، و تحققت شفقته، و ظهرت مروءته، و عُرفت عفته، و كان أحسن تعليماً و أجود تفهيماً)(1).

إذا تقرَّرَ هذا، فإن من الخلل الظاهر في جُملة اللقاءات العلمية أن يكون متخلِّفاً في الشيخ شيءٌ من موازين تأهيله للأخذ عنه، و حاصلها ثلاثةُ أشياء:

-الأول: التأهل في العلمº بأن يكون على علمٍ, بما يطرحهُ مشهوداً له فيه، متقناً لمسائلِه، فـ (يعتمدُ في كلِّ فنٍّ, مَن هو أحسنُ تعليماً له، و أكثرُ تحقيقاً فيه و تحصيلاً منه، و أخبرهم بالكتاب الذي قرأه). أ،هـ [التذكرة: 169_170].

-الثاني: أن يكون عالماً بسياسة العلم، و هي الأخذُ بالطالبِ في المراقي الصحاح في إعطائه العلم، يقولُ الإمامُ الغزَّالي- رحمه الله - : و يبدأُ المعلم في تعليم المتعلم بأقربَ ما يفتقرُ إليه الطالبُ و أهم ما ينفعه في الدنيا و الآخرة، فإن التعلٌّمَ كتعميرِ البيت فإن الباني عمَّرَ البيتَ من أي جنبٍ, خَرب، و كذلك المعلم يعلم المتعلمين من أي فن جهِلَ. و لا يعلم العلم إلا لأهله. ا،هـ (2).

-الثالث: أن يكون محلاًّ للاقتداء و التأسي به، فإن العالمَ مَحلٌّ أنظارِ قاصديه، و مَوطِنُ القدوة لهم، و لذا حضَّ أهلُ العلم الطالبَ _ نحوَ شيخه الذي يأخذُ منه العلمَ _ أن (يسلُك في السمت و الهدي مسلَكه، و يُراعي في العلم و الدين عادته، و يقتدي بحركاته و سكناته في عاداته و عباداته، و يتأدَّب بآدابه، و لا يدع الاقتداءَ به) (3)، و ما كان هذا التحريص منهم للطالب إلا لكون المعلِّم محلاً للاقتداء به قال العلامة المرعشي الشهير بساجقلي زاده: [المنقول من سيرهم، و المتبادر من كلماتهم في مؤلفاتهم أنهم تناولوا متون الفنون المعتبرة و هي مسائلها المشهورة] أهـ (انظر: ترتيب العلوم ص 80).

هذه قالاتٌ تُبِينُ عن أهمية الأخذ بالمتون المعتبرة المعتمدة عند أهلها، و الإعراضُ عن غيرها مما ليس بمقامها، إلا أنه يُستثنى من ذلك حالةٌ واحدة يؤخذُ فيها بالمتن غير المعتمد و هي: إذا كان في المتن غير المعتبر مزيةٌ زائدةٌ على غيره فيؤخذ للمزية ليس إلا.

ــــــــــــــــ

(1) التذكرة _ لابن جماعة _ ص 133.

(2) منهاجُ المتعلم، للغزَّالي ص 76. [انظر: التراث التربوي الإسلامي، د. هشام نشَّابة].

(3) تذكرة السامع و المتكلم ص 140.


أضف تعليق