مقدمات في سبيل الطلب

4.7k
5 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

فأحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم، العليم الحكيم، و أصلي و أسلم على نبينا محمد وعلى آله و صحبه و التابعين، و من على نهجه سار إلى يوم الدين.

أما بعد:

إن طلب العلم من أشرف ما اشتغل به المسلم، و من أنبل ما قصده صفيٌ أفخم، فمناقبه كثيرة، و فوائدة غزيرة.

و لا يخوض غمار الطلب إلا رجل آتاه الله الحكمة، و اختصه بالفطنة، و لا يكاد يُحجِمُ عنه إلا من بوأه الله مقام الخذلان، وأصابه بقارعة من الهوان.

أخي الفاضل: هذه كلمات هُنَّ مقدمات في سبيل الطلب، أنلتُكَ إياها بلا تعب، فخذها منيº لك غُنمُها، و علي غُرمُها، و لك خُلَّصُ فوائدها، و علي جائرة عوائدها.

محضت لك فيها النصح، و صدقتك فيها التوجيه، فضيِّفها لديك في أحسن تضياف، و تمعنها برفق لا اعتساف.

المقدمة الأولى: للعلم أصوله و قواعده:

إن العلم _ كما هو مقرَّر لدى كثير من العلماء التربويين _ له أصوله و قواعده فلا يقوم أساسه إلا بتلك القواعد، و لا يعتبر تفريعه إلا عن تلك الأصول، قال الماوَردِي: (اعلم أن للعلوم أوائل تؤدي إلى أواخرها، و مداخل تُفضي إلى حقائقها، فليبدأ طالب بأوائلها لينتهي إلى أواخرها، و بمداخلها ليُفضي إلى حقائقها، و لا يطلب الأخر قبل الأول، و لا الحقيقة قبل المقصد، فلا يدرك الآخر و لا يعرف الحقيقة، لأن البناء على غير أُسٍ, لا يُبنى، و الثمر من غير غرس لا يُجبنى) [أدب الدنيا و الدين (55)].

فأصول العلم و قواعده التي تعارف عليها العلماء هي تلك الكتب الصغار المسماة بالمتون، فمن حازها حاز الفنون، و من أدركها أدرك علماً غزيراً.

و التدرج في الطلب ثلاثة أنواع:

الأول: تدرج في الفنون، فيبدأ الطالب بالفن الأهم قبل المهم كـ (العقيدة) قبل (الفقه).

الثاني: تدرج في المتون، فيبدأ بالمتون الصغار قبل الكبار، و ليحذر الدخول من الظهور.

الثالث: تدرج في دراسة المتن، فلا يبدأ بدراسة المتن دراسة توسعٍ, و بحث و هو ما زال في أوائل طريق الطلب لا يعرف أصول الفن و مقاصده.

المقدمة الثانية: طرق تحصيل العلم:

سلك العلماء في قديم الزمان و حديثه في طلب العلم مسالك عِدَّة منها:

أولاً: الحفظ: و هذا مسلك سار عليه كثير من أهل العلم و أبدعوا فيه: تأصيلاً له، و عملاً به، و دعوة إليه.

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي:

ليس علماً ما حوى القِمَطرُ *** إنما العلم ما حواه الصدر

فائدة: ليس ثمة تعارض بين الحفظ و الفهم، فهما رضيعا لبان، و فرسي رهان في حال الطلب و شأن الطالب.

و هذا تحرير متواضع لهما:

مسألة الحفظ و الفهم من المسائل المهمة في سلك الطلب..

و لا بد للطالب من مراعاتهما رعاية تحفظ مقامهما، و شأنهما

و ذلك من خلال أمور:

الأول: الوقت المناسب لهما:

الحفظ أغلب ما يكون الاشتغال به في زمن الصبا (و أعني: الإكثار من المحفوظ).

و الفهم أغلب وقته هو حال الكبر لتفتح الذهن.

و لا يعني ذلك أن الفهم يُغفل في حال الصغر.

ولا أن الحفظ يهمل في سن الكبر.

لا، و إنما المراد هو إعمال كل سن بما يكون الإقبال عليه أكثر كما مر تقريره.

الثاني: ما يُعمل في كلا منهما:

أغلب ما يكون الاشتغال بالمحفوظ في أمور:

أحدها: النصوص الشرعية التعبدية.

ثانيها: ما يكثر الاستدلال به و الاحتجاج من العلم.

ثالثها: التعاريف و الضوابط.

و الجامع لهذين هو أغلب علم الغاية.

و أغلب ما يكون الفهم في أمورٍ, تحتاج إلى تبصر و تعقل فهذه لا تحتاج إلى حفظ أكثر من احتياجها إلى الفهم و التدبر.

الثالث: الفهم هو تفتيق للذهن و إعمال لوظيفته فلا يجوز للطالب أن يغفله أو يهمله:

و هو صعب في أوله لكنه مع الإدمان و الدربة يسهل.

و الحفظ هو تكرار لمحفوظ فلا ينفع صاحبه إلا في جزيئة صغيرة.

هذا إذا لم يكن ثمة فهم يصاحبه.

فإن صاحبه فهم فهو من أحسن ما يكون.

ثانياً: القراءة على الشيوخ: و هذا أساس العلم و قاعدته، و به يُوثَقُ بعلم الرجل.

و القراءة على الشيخ مقام رفيع، و مكان منيع.

وللقراءة على الشيخ أصولاً مهمة:

1- أن يكون الشيخ من أهل العلم و الاعتقاد الصحيح، فإن للشيخ تأثيراً على طلابه قوياً.

2- أن يكون الشيخ عالماً بالفن الذي يُقرأ عليه فيه.

3- أن يكون على جانب كبير من الأخلاق و الفضائل.

4- أن يكون عارفاً بأصول التعليم، فلا يبدأ بالطالب من كبار المسائل، و لا يدخله في متاهات الخلاف.

ثالثاً: القراءة الفردية: و هي مُكَوِّنَةِ علم الرجل، و مُنضِجَة فكره.

و بها تمدَّح العلماء، و بفضلها ترنحوا، و هي على أقسام ثلاثة:

الأول: القراءة التأصيلية: و هي القراءة التي يعتمد فيها على التركيز والتمعن، و هي في نوعين من الكتب:

1- شروح المتون: فإن التركيز عليها حال قراءتها من مطالب التأصيل و التأسيس، و بها يكون الطالب على إلمام كبير بمقاصد المتن.

2- كتب العلم (الشرعي) و هي التي يكون فيها التحصيل العلمي، مثل كتب: الاعتقاد، الفقه، الحديث، الأصول، المصطلح، النحو....

الثاني: القراءة الجردية: و هي تعني أن هناك كتباً تقرأ قراءة فيها نوع من التركيز والتفهم، و لا تحتاج إلى إعمال الفكر والعقل في عباراتها، و هي في نوعين من الكتب:

1- المطولات: و هي الكتب ذات المجلدات الكثيرة، و هي لا تستدعي التوقف عندها والتفكر لمعانيها، إنما تقرأ لبحث، أو غيره من الحاجات .

مع أن المتعيِّن على طالب العلم أن يقرأ بها ولكن بعد إدراكه أصول العلم.

2- كتب التكميل العلمي: و مرادي بالتكميل العلمي: هو تحصيل الطالب علماً ليس أساساً في تكوينه علمياً و تأصيله فيه، بل هو من مكملات ثقافته و علمه.

و علومه: التأريخ، التراجم، الأدب، اللغة...

الثالث: القراءة الموسمية: و هي القراءة التي تكون في مناسبات و أوقات، و هي نوعان:

1- قراءة في المواسم العبادية: كقراءة كتب الحج قبل الحج، و الصيام قبل الصيام، و النكاح قبل النكاح، و البيوع قبل البيع و الشراء.

2- القراءة في أحكام النوازل: و هي القراءة في الكتب التي ألفت في أزمنة من أزمنة المسلمين التي حلت فيهم نازلة و كارثة كغزوة أشكلت عليهم، و هكذا.

المقدمة الثالثة: العلم قسمان:

علم الغاية خمسة علوم:

1- القران (التفسير).

2- الفقه.

3- الحديث.

4-العقيدة.

5- السيرة.

و علوم الآلة:

1- أصول الفقه.

2- القواعد الفقهية.

3- المصطلح.

4- أصول التفسير.

5- اللغة:

أ - النحو.

ب_ الصرف.

ج _ البلاغة.

المقدمة الرابعة: في تقييد الشوارد:

يحظى الطالب و هو في مضمار الطلب بفوائد نفيسات، و فرائد بديعات، و حكمة في غير مظانها، و قاعدة في غير محالِّها، و غالب الإخوان لا يعير تلك الفوائد اعتباره، و لا يصرف لها فضول أنظاره، فتفلت منه على غير عودة، و تذهب على غير أوبة، فتلحقه حين أرادته لها الحسرة، و تزعجه من أجلها الفكرة.

و حتى يتفادى الطالب تلك المزالق، هذه جملة من طرائق تقييد الفوائد:

1- على طُرَّة الكتابº أي على باطن جلدته.

2- على دفاتر خاصة (لكل علم دفتر).

3- على بطاقات البحث.

و يلاحظ فيها: عنونة الفائدة.

هذه جملة المقدمات الممهدات للطلب العلم الشرعي، و هن أسس لكل طالب علم. و الكلام في العلم يطول، و الحديث فيه و عنه ذو شجون، و لكن حسب اللبيب الإشارة، و يكفي المعصم من السوار ما به أحاط.

فلتكن منك على بال، و حرص على اغتنام العمر في سبيل العلم و تحصيله.


أضف تعليق