بسم الله الرحمن الرحيم
تتعالى في الأجواء صيحات أهمية دراسة العقيدة، و دراستها أولا. و لاشك في أهمية ذلك فاعتقاد الإنسان هو الذي يقود سلوكه في سائر مناحي الحياة المختلفة، و التصرفات هي ثمرة التصورات كما يقولون. لذا كانت العقيدة أولاً، فكيف سيلقي مجاهد نفسه في رحى الحرب لو لم يكن يعتقد بأنه مجازى على ذلك؟ و كيف سينفق منفق في وجه خير إن لم يكن موقنا بعوض آجل في دار القرار؟ و ما الذي سيسهر عابدا بمحرابه في جوف ليلة باردةº إلا يقين بجنة...
ولكن، السؤال الملح هو: ما هي العقيدة التي ينبغي أن \"تتعالى بها الصيحات في الأجواء\"؟ بل: هل ينبغي أن تتعالى بها الصيحات أصلاً؟ و هل المراد أن نصيح بها لنصخ بها الآذان و كفى!؟ أم أن المراد غير ذلك؟...
إلى متى سيسهر طلاب العلم في نقاش مسألة نزول الله في الثلث الأخر من الليل، و أنه نزول بكيفية تليق بجلاله - عز وجل - ويوسعون الرد على كل من قال في هذه المسألة بخلاف ما قالوا سواء أخطأ أو أصاب، و يستمر \"النقاش العلمي\" إلى أن تنهد قواهم ليناموا متعبين في أول لحظات ذلك \"الثلث الأخر\". هل العقيدة ما قرروه في نقاشهم بل في جدلهم؟ أم هي سلوك يدفع صاحبه للقاء الله في ذلك الوقت الفاضل وطلب ما عنده؟
هل العقيدة هي نقاش فلسفي في مجموعة من المسائل؟ أم هي أخلاق نفسية و سلوك اجتماعي؟ و لماذا يأتي علماؤنا الأسلاف في منظومات علم العقيدة بتقرير لمسائل صفات الله وآخر في أحكام الكفر و الإيمان و فصول في تقرير سلوك المسلم أخلاقيا؟ اقرأ إن شئت متون العقيدة لتراها مطعمة بأحاديث الأخلاق من مثل \"مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم.....\" ومن مثل \"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا.....\". و اسأل نفسك ساعتها: لماذا كانت هذه الأحاديث في متون العقيدة؟
نحن نحتاج لطرح عقدي يكون له مردوده على السلوك العام و الروح السائدة، نحن نحتاج لطرح عقدي يربي نفسيه الرسول - عليه الصلاة والسلام - حين قال في حق يهودي لا يرجوا من إسلامه خدمة للإسلام لا بعمل ولا بمال فقد كان على فراش الموت \"الحمد لله الذي استنقذه بي من النار\" وليس أسلوب الذين يظنون أنهم من خزنة جهنم و لا يرون لهم دور إلا بأن يلقوا الآخرين في النار وكأن الجنة لأحدهم و لن يسمح بدخول أحد معه سوى اثنين ممن وافقه فيما يرى.
ختاما: أنا أعلم أن ما قلت لا ينطبق على الكل، فالتعميم خطأ. و أعلم أن العقيدة فعلا أولا. و أعلم أن العقيدة هي ما وقر في القلب وصدقه العمل وليس ما تلوكه بعض الألسن. وأعلم أني قد أكون – بمقالي هذا – أصبحت عند البعض ممن في عقيدته نظر، ولأولئك بالذات أقول: هل تظن أنك الوحيد ومن وافقك و رافقك تريدون رضوان الله أما نحن أوهم فالأمر عندنا سيان سواء كان جنة أو نار؟ وهل ترى الورع فيكم دوننا بل دون سائر أمة محمد - عليه الصلاة والسلام -؟ أخي أدعوك للتفكير في ذلك مجددا، وأدعوك لإحسان الظن بالمسلمين، فكلهم يريد الجنة، وأدعو إلى أفق أرحب و صدر أوسع و عقل و قلب ونفس تسع الجميع.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد