ودعت روحي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الشاعر:

د. الحبر يوسف نور الدائم: واحد من أفذاذ القمة، والقلائل الذين عرفتهم لغة الضاد وآدابها، شهد له بذلك القاصي والداني، يعدّه بعضهم الوريث ـ بلا منازع ـ لعرش العربية في السودان، والذي خلا بوفاة أستاذه وصديقه أ. د عبد الله الطيب..وهو بعد من رجالات الدعوة والعلم.

 

د.الحبر يوسف من مواليد 1/4/1940م. بقرية السروراب الكائنة بالريف الشمالي لمدينة أم درمان.. حيث تلقى بها تعليمه الأولي.. ثم تقلب في مراحل الدراسة من \"حي العرب الوسطى\" بأم درمان، إلى \"وادي سيدنا الثانوية العليا\" بأم درمان كذلك.. ونال درجة البكالوريوس بمرتبة الشرف الأولى من كلية الآداب جامعة الخرطوم وابتعث إلى المملكة المتحدة لينال درجة الدكتوراة من جامعة أدنبرة، بأسكتلندة.. عمل بجامعة الخرطوم رئيسًا لقسم اللغة العربية حينًا، وأستاذًا مشاركًا حينًا آخر.

 

مؤثران اثنان أسهما في تكوينه الشعريº أولهما البيئة التي ولد ونشأ فيها.. فالسروراب والريف الشمالي عمومًا بيئة تعبق شعرًا يكفي أنها أنجبت واحدًا من أعظم شعراء الفصحى في السودان.. محمد سعيد العباسي.. يقول د. الحبر عن بيئته: (نشأت بفضل الله في بيئة سرورابية شاعرة، وكان أبي - رحمة الله تعالى عليه - شاعرًا له صولات وجولات في ضروب الشعر المختلفة.. ولا سيما في بابي الرثاء والغزل، فنهلت من معينه الصافي ما شاء الله).

 

أما المؤثر الثاني فكانت جامعة الخرطوم: يقول: (ثم التحقت بجامعة الخرطوم فوجدت فيها من الأساتذة الكبار من شجعنا على الاغتراف من أبحر العربية، وكشف لنا عن روائعها.. قرآنًا وحديثًا وشعرًا، ونثرًا وأمثالاً وحكمًا، وحسبك ببروفسور عبد الله الطيب محاضرًا وهدّك من ناقد).

 

شعر الدكتور الحبر يمتاز بالبلاغة الآسرة والكلمات الباهرة التي يرصّع بها قصائده، ويستدعى أوابد لغة الضاد، فتجيبه من أغوارها في يسر وسهولة.. ويغلب على شعره العاطفة الجياشة والشعور المرهف.. وهو حريص على أن يجري على نهج المتقدمين في أخيلته الشعرية وفي شكل بناء القصيدة.. حيث يبدأها بما يشبه الوقوف على الأطلال من الغزل العفيف.. فالدكتور الحبر هو واحدٌ من مدرسة الأصالة والمنافحة عن الفصحى، والقصيدة العمودية وأوزان الخليل.. التي من روادها محمد سعيد العباسي، الدكتور عبد الله الطيب.. والشيخ الطيب السراج، وابنه فراج الطيب..

 

للدكتور الحبر يوسف نور الدائم ديوان شعر مطبوع بعنوان (أنفاس القريض) يحتوي على خمسة وعشرين قصيدة.

 

القصيدة:

قصيدة ودعت روحي نظمت عام 1969م حين سافر د. الحبر يوسف إلى الجزائر مشاركًا في \"الملتقي الثامن للتعرف على الفكر الإسلامي\".. قال فيها:

 

 

ودعـت روحــي لا ودعتـهـــا أبــــــدًا *** فدى لروحي أعمامي وأخوالي

فدى لروحي روحي إذ تودعني *** بوابل من سخين الدمع همّال

قامت تودعني ملتاعة عطل *** ترجو نجاتي في حلّى وترحال

وكم دعت لي يوم البين جاهدة *** يا ما أحيلى دعاءً من فم حال

يا حبذا أنتمو طبتم وطاب بكم *** عيشي وفرشي وأعمالي وآمالي

لمّا امتطيت جواد الجو أقلقني *** ذكر الأحبة والأطفال والآل

أقول للنفس وانصاعت مدمدمة *** تعطيك ما شئت من شدٍ, وإعمال

كيف الرجوع إلى شيخ أخي ثقةٍ, *** يدعو الإله بآناء وآصال

يا من بذلتم لنا المعروف ذل لكم *** في القلب مني مكان مشرف عال

حياكم الله ما عشتم وأنعشكم *** لا زال منزلكم في ظل أفضال

أهل \"الجزائر\" جئناكم على عجلٍ, *** نجزي \"بجاية\" إرقالاً بإرقال

حتى تبدّت تبارى الحور سافرة *** طوقًا بطوقٍ, وخلخالاً بخلخال

أهل الجزائر نهديكم تحيتنا *** تنهال رهوًا بلا لتٍ,ّ وتعمال

بيني وبينكم ودٌ تعهده *** ربٌّ السماء بتطهير وإكمال

الدين يجمعنا والضاد يمنعنا *** والقدس يسألنا فكًا لأغلال

آأمتي أمةُ الإسلام إن لكم *** آباء صدق بنوا مجدًا لأجيال

كونوا الخليفة في مجدٍ, تفرعه *** من يصدق الله في قول وأفعال

إذا أردتم كريم العيش فالتفتوا *** إلى الكتاب وحثوا كل شملال

إن الكتاب لكم ذكرٌ وتذكرةً *** كم يضرب الله أمثالاً لأمثال

قوموا لمجدكمو لله دركمو *** صولوا بعزم جهيد الصوت صهال

ذموا النفوس وأحيوها بتزكيةٍ, *** تشفي وترفع من رين وأفعال

إني كفيل لئن وفيتمو ذمما *** أن تنزل البطشة الكبرى بأنذال

إن تنصروا الله ينصركم ويجزكمُو *** كفلاً بكفلٍ, وأسجالاً بأسجال

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply