وصف العلماء ( للعصرانيين ) وتدينهم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

حدثني أحد طلبة العلم أنه اجتمع ببعض العصرانيين في أمسية حوارية استضافوه فيها، وكان من ضمن الملاحظات التي وجهها لهم: استغرابه ضعف تدين وتعبد الإنسان بعد أن يسلك مسلكهمº وهو أمر لا يخفى على أحدº فبعد أن كان يصلي في المسجد أصبح يصلي في البيت، وبعد أن كان يتطوع بالعبادات المتنوعة أصبح بالكاد يفعل الواجبات، وبعد أن كان يقرأ القرآن ويهتم به أصبح هاجرًا له.... هذا خلاف الأمور الظاهرة من تهذيب اللحية شيئا فشيئا حتى أصبحت عند بعضهم مجرد \" سكسوكه \"!

 

قال: فضجوا من هذه الملاحظة التي أثارت كوامنهم، ولمست جرحًا غائرًا في نفوسهم.. فحاولوا دفعها والتبرؤ منها... ولكن هيهات:

 

ومهما تكن عند امرئ من خليقة *** وإن خالها تخفى على الناس تُعلم

 

قلت: لا عجب من هذا

 

فضعف التدين والتعبد سمة أسلافهم القدماء من أهل الكلام أو تيار المدرسة العقلية.. فهم على آثارهم يهرعون

 

ولهذا أسباب كثيرة ليس هذا مقام سردها، ولكن من أهمها في نظري:

 

1 - انشغالهم \" بالكلاميات \" و \" الفلسفات \" و\" الهذر \" التي لا تدفع للعمل الصالح.

 

2 - انصرافهم عن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - إلى كلام البشر.

 

3- جرأتهم على المقدساتº وتحطيمها في نفوسهم واحدا بعد آخر.. مما يؤدي إلى ضعف تعظيم أوامر الله والانتهاء عن نواهيه.

 

4 - كثرة تعرضهم لفتن الشهوات والشبهات - بدعوى الاطلاع والحرية! - إلى أن تتشرب قلوبهم بالشهوات المضعفةº التي لا تقابل بما يدفعها من اعتصام بالله وعبادة، والإنسان خلق ضعيفا، والله يقول عن المنافقين ومرضى القلوب (ولكنكم فتنتم أنفسكم).

 

وأسباب أخرى..

 

ومثل هؤلاء - في نظري - كمثل من يسير على رجل واحدة.. إما أن يتعثر فيسقط.. وإما أن يستقيم في سيره على رجليه

 

أما البقاء على حاله فمن المحال.

 

فهم إما أن يتداركهم الله برحمته كما تدارك بعض أسلافهمº فيعودوا إلى الحق والتدين الصحيح..

 

وإما أن يزداد انحرافهم تدريجيًا.. حتى يلحقوا بالملحدين والإباحيين - والعياذ بالله - كما حدث لغيرهم.

 

وقد أحببت - هنا - التعليق على ما قاله صاحبي عنهمº بذكر ما يؤيده من كلام العلماء الأولين في وصف شيوخ العصرانيين.

 

قال الإمام أبو القاسم الأصبهاني في كتابه: (الحجة في بيان المحجة، 1/121-122):

(وهل رأى أحد متكلماً أداه نظره وكلامه إلى تقوى في الدين، أو ورع في المعاملات، أو سداد في الطريقة، أو زهد في الدنيا، أو إمساك عن حرام وشبهه، أو خشوع في عبادة، أو ازدياد من طاعة إلا الشاذ النادر. قل: لو قلبت القصة كنت صادقاً: تراهم أبداً منهمكين في كل فاحشة ملتبسين بكل قاذورة، لا يرعوون عن قبيح، ولا يرتدعون من باطل إلا من عصمه الله، فلئن دلّهم النظر اليقين وحقيقة التوحيد، فليس ثمرة اليقين هذا، وتعساً لتوحيد أداهم إلى مثل هذه الأشياء، وأوردهم هذه المتالف في الدين، ومن الله التوفيق وحسن المعونة).

 

وقال - رحمه الله - مبينًا سبب سلوكهم طريق الضلال: (1/372-373):

(فنحن اليوم في ذلك الزمان وبين أهله، فلا تنكر ما تشاهده منه، وسل الله العافية من البلاء، واحمده على ما وهب لك من السلامة، ثم إني تدبرت هذا الشأن فوجدت عظم السبب فيه أن الشيطان صار بلطيف حيلته يسوّل لكل من أحسّ من نفسه بفضل ذكاء وذهن، يوهمه أنه إن رضي في علمه ومذهبه بظاهر من السنة، واقتصر على واضح بيان منها كان أسوة العامة، وعُدّ واحداً من الجمهور والكافة، فحرّكهم بذلك على التنطع في النظر، والتبدع بمخالفة السنة والأثر، ليبينوا بذلك عن طبقة الدهماء، ويتميزوا في الرتبة عمن يرونه دونهم في الفهم والذكاء، واختدعهم بهذه المقدمة حتى استزلهم عن واضح المحجة، وأورطهم في شبهات تعلقوا بزخارفها، وتاهوا في حقائقها، ولم يخلصوا منها إلى شفاء نفس، ولا قبلوها بيقين علم، ولما رأوا كتاب الله - تعالى - ينطق بخلاف ما انتحلوه، ويشهد عليهم بباطل ما اعتقدوه، ضربوا بعض آياته ببعض وتأولوها على ما سنح لهم في عقولهم، واستوى عندهم على ما وضعوه من أصولهم، ونصبوا العداوة لأخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولسننه المأثورة عنه، وردّوها على وجوهها وأساءوا في نقلتها القالة، ووجهوا عليهم الظنون، ورموهم بالتزيد، ونسبوهم إلى ضعف المنة، وسوء المعرفة بمعاني ما يروونه من الحديث، والجهل بتأويله، ولو سلكوا سبيل القصد ووقفوا عند ما انتهى بهم التوقيف، لوجدوا برد اليقين وروح القلوب، ولكثرت البركة وتضاعف النماء، وانشرحت الصدور، ولأضاءت فيها مصابيح النور، والله يهدي من يشاء إلى صراطٍ, مستقيم.

 

واعلم أن الأئمة الماضين والسلف المتقدمين لم يتركوا هذا النمط من الكلام، وهذا النوع من النظر عجزاً عنه ولا انقطاعاً دونه، وقد كانوا ذوي عقول وافرة، وأفهام ثاقبة.

 

وكان في زمانهم هذه الشبه والآراء، وهذه النحل والأهواء، وإنما تركوا هذه الطريقة، وأضربوا عنها لما تخوفوه من فتنتها، وحذروه من سوء مغبتها، وقد كانوا على بينةٍ, من أمرهم، وعلى بصيرةٍ, من دينهم لما هداهم الله به، من توفيقه، وشرح به صدورهم من نور معرفته، ورأوا أن فيما عندهم من علم الكتاب وحكمته، وتوقيف السنة وبيانها غنى ومندوحة عما سواهما، وأن الحجة قد وقعت بهما، والعلة أُزيحت بمكانهما).

 

وقال أحد العلماء في وصف الأفغاني وعبده وتلاميذهما:

 

شياطين بين المســلمين تفرقـوا *** باغوائهم كم أفسدوا جاهلاً غُمرا

قد اختصروا بالجهـل دين محـمد *** وما تركوا من عشر أحكامهِ العشرا

لقد زعموا إصلاحه بفســادهم *** وكم حمّلوه من ضــلالاتهم إصرا

كفيران قصر أفسدت فيه جهـدها *** ترى نفسها قد أصلحت ذلك القصرا

فما بالهم لا يصلحــون نفوسـهم *** أما هي بالإصلاح من غيرها أحرى

وقد جاء في القرآن ذكر فسادهـم *** وزعمهم الإصلاح في السورة الزهرا

بفعل البرستنت اقتدوا باجتهـادهم *** لقول رسول اللـه لو دخلوا جُحرا

أولئك قد ألغوا زوائد ديـــــــنهم *** وقد ضللوا في ذلك القس والحبرا

قد اجتهدوا في دينهم حينما رأوا *** مجامعهم زادتهُ في نكــره نكرا

فلله در المصطفى سيد الــورى *** فقد طابقت أخباره كلـها الخُبرا

أمن بعد قول الله أكلمت دينـكم *** يريدون في الإسلام أن يحدثوا أمرا

قد اجتهـدوا في خذل دين محمد *** وإن زعـموا بالاجتهاد له نصرا

قد اجتهدوا أن لا تكاليف عندهم *** فصاروا إباحيــين لا نهي لا أمرا

تراهم إباحيــين أو هم نظيــرهم *** إذاكنت عن أسرارهم تكشف السترا

وكل امرئ لا يستـحي في جداله *** من الكذب والتلفيق مهما أتى نكرا

فمن قال صلوا قال قائلــــهم له *** يجوز لنا في البيت نجمعها قصرا

وإن قيل لا تشرب يقول شربتها *** بقصد الشفا أو قال ليس اسمهـا خمرا

فيجهر كلٌ بالمعاصــي مجادلا *** بما نفث الشيطـان في قلبه سرا

فلا صام لا صلى ولا حج لاحبا *** فقيراً وإن أودى به فقــره برا

وفي الألف منهم واحد ربما أتى *** مساجدنا لكن إذا كان مضطرا

وأخبرني من لا أشك بصـــدقه *** بأن قد رأى من بال منهم بلا استبرا

ولازمه حتى أتى بعــــدُ مسـجدا *** فصلى ولم يحدث من الحدث الطهرا

وآخر منهم قد أقام صـــــــلاته *** بدون اغتسال مع جنابته الكبرى

عداة لكل المــــــــؤمنين قلــوبهم *** لهم ملئت حقداً وإن أظهروا البشرا

ذئاب على الإسلام صالوا وما اكتفوا *** بأنيابهم حتى به أنشــبوا الظـــــفرا

مقاريض أعراض بألســـــنة لهم *** حداد بها قد أشبهوا الجرذ والفأرا

لهم أوجه كالصخر مثل قلوبهـم *** ولكن بها ماء الحيا ما له مجـرى

ففي وجه كل قد بدا من ظلامه *** دخان يرينا أن في قلبــه جمرا

أشد من الكفــار فينــــــا نكاية *** وأعظم منهــم في ديانتنا ضرا

من الكفر ذو الإسلام يأخذ حذره *** ومن هؤلاء القوم لا يأخذ الحذرا

مُعاشرهم يسري له من ضـلالهم *** مفاســــد ترديه ويحســـبها خيرا

على ديننا ساقوا كتائب كتبــــهـم *** وفي حربه جاءت جرائدهم تترى

بها فتحوا للناس باب ضــلالهم *** بها رفعوا الدنيا بها خفضوا الأخرى

بها خلطوا بالحق باطل غيـــــــهم *** بها مزجوا الإسلام بالملل الأخرى

 

 

محمد عبده:

 

يعاشر نسوان النصارى ولا يرى *** بذلك من بأس وإن كشف السترا

ويأكل معهــم كل ما يأكلــــــونه *** ويشربها حمـراء إن شاء أو صفرا

ويفتي بحل المسكرات جمــيعها *** إذا هي بالأسماء خالفـت الخمرا

ويأكل مخنوقا ويفــــتي بحله *** لئلا يقولوا إنه ارتــكب الوزرا

وتحليله لبـــس البرانيط والربا *** به بعض أهل العلم قد ألحق الكفرا

وكـــم زار باريسا ولُندُرَةً ولم *** يزر مكة يوماً ولا طيـــبة الغرا

وقد كنت في لبنـان يوما صــحبته *** لقرب غروب الشمس من ضحوة كبرى

وصليت فرض الظهر والعصر بعده *** لديه وما صلى هو الظهر والعصرا

وكان صحيح الجسم لا عذر عنده *** بلى إن ضعف الدين كان له عـذرا

ومع كل هذا فهــــو أستاذ عـصره *** فأفّ له شيــخا وأف له عصـــرا

وقبل غروب الشمس صاحبت شيخه *** لقرب العشا أيام جاورت في مصرا

ولم أره أدّى فريضــــــــة مغرب *** فقاطعت شيخ السوء من أجلها الدهرا

فويل له ويل لمن يتـــــــبعــــونه *** ومن كان من أعدائهم فله البشرى

وقد دخلــوا حزب المسون بهمة *** بها حل كلٌ من محافــله الصدرا

ومذهبهم حـــــــــكم الديانات واحـد *** تساوى به الإسلام والملل الأخرى

فيا رب أصلحــــــهم وإن لم ترد لهم *** صلاحا فلا تنجــــــح إلهي لهم أمرا

 

آمين

أسأل الله أن يثبت قلوبنا على دينه، وأن يرزقنا الإخلاص، ويجمع لنا بين العلم النافع والعمل الصالح.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply