ومضى عام


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ها قد أوشك عامنا على الرحيل، و قد أودع كل منا فيه ما أودع، من خير أو شر.

أيها الإخوة:

إن في مرور هذه الأعوام و تتابع السنين، و انقضاء الأيام و الليالي عبرة و عظة.

يقول الله - تعالى -: (إن في خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل و النهار لآيات لأولي الألباب) (آل عمران 190)

و قال - تعالى -: (وهو الذي جعل الليل و النهار خِلفة لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكورا) (الفرقان 62)

ترى أيها الأخوة: ما هي العبرة التي نأخذها من مرور السنين وتتابع الأيام؟

لو سألنا أنفسنا هذا السؤال لأجاب أكثرنا: أن أعمارنا سوف تزيد، و حياتنا سوف تطول، فنحن قد زاد في أعمارنا عام كامل.

هذا هو ظن كثير منا، لا يرى في تتابع الأيام و الليالي إلا أنها زيادة في عمره.

و لكن و الله أيها الإخوة: إن الحقيقة بعكس ذلك، و بضد ذلك.

فما هذه الأيام التي تمر، و ما هذه الأعوام التي تمضي إلا نقص في حياتنا و هدم في أعمارنا.

أيها الإخوة:

إن الأعمار مضروبة، و الآجال مقسومة، و كل واحد منا قد قسم له نصيبه في هذه الحياة، فهذا يعيش خمسين سنة، و ذاك يعيش ستين سنة، و ذاك يعيش عشرين سنة.

و أنت منذ أن خرجت إلى الدنيا، و أنت تهدم في عمرك و تنقص من أجلك.

أ رأيت يا أخي لو أن أنسانا سافر من مدينة إلى أخرى، فإنه كلما قطع مسافة سوف تقصر المسافة التي بينه و بين تلك المدينة التي يريد الذهاب إليها.

أ رأيت إلى هذا التقويم الذي نضعه فوق مكاتبنا في بداية كل عام، إنه مليء بالأوراق، وفي كل يوم نأخذ منه ورقة واحدة فقط، وفي نهاية العام لا يبقى منه إلا الجلدة فقط.

هكذا عمري و عمرك يا أخي: مجموعة أيام، و مجموعة ليالي، كلما مضى يوم أو انقضت ليلة كلما نقصت أعمارنا، كلما نقص رصيد أيامنا في هذا الحياة حتى ينتهي ذلك الرصيد، ثم نغادر هذه الدنيا.

واه لنا ثم واه لنا، ما أشد غفلتنا عن هذه الحقيقة.

أخي في الله:

ربما يكره كثير منا ذكر الموت، وربما يقول لك: لا نريد أن تكدر علينا حياتنا،

و سبحان الله

و الله لو نسينا الموت فإنه لن ينسانا، و لو تشاغلنا عنه لما تشاغل عنا.

أيها الإخوة:

إنّ تذكر الموت هو وصية الحبيب الشفوق علينا الرحيم بنا، فقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (تذكروا هادم اللذات) و قال: (أكثروا من ذكر هادم اللذات)

ترى أيها الإخوة

لو سألنا أنفسنا الآن: هل نحن نحدث أنفسنا بالموت؟ أم أننا الآن نحدثها بأنها لن تموت إلا بعد سنوات و سنوات.

أيها الإخوة:

بقول الله - تعالى -: (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم) نعم إن الموت ليس وراءنا، بل هو أمامنا، و نحن نقطع المراحل إليه، نحن نسير سيرا حثيثا إليه، و يوشك أن نبلغ الساعة التي كتب الله أن نغادر فيها هذه الدنيا.

أيها الإخوة:

يقول الحسن البصري: (يا آدم إنما أنت أيامº فإذا ذهب يوم فقد ذهب بعضك)

إنا لفرح بالأيام نقطعها  * * * و كل يوم مضى يدني من الأجل

أيها الإخوة:

عام تولى و انصرم، ودّعنا فيه أحبة و فقدنا فيه أعزة.

و و الله كما ودعت فسوف تُودع، و كما بكيت فسوف يُبكى عليك، و كما حملت فسوف تُحمل.

أيها الإخوة:

إن الموت يأتي فجأة، ويأتي بغتة، و العبرة كل العبرة أن تموت على عمل صالح، أن يختم لك بخاتمة حسنة، وهذا والله لن يكون إلا لمن استعد لتلك اللحظة وجعل الموت نصب عينه، وشمر في طاعة الله.

أما من سّوف، و أمّل في أن يعيش طويلا و أهمل الاستعداد لتلك اللحظة فيوشك والله أن تأتيه منيته و هو على عمل لا يرضي الله، فيكون حاله كحال ذلك الذي و صفه الله - تعالى -: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت، كلا إنها كلمة هو قالها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون).

أخي الحبيب:

ها هو عام سوف يأتي لا تدري لعلك قد نقلت من سجل الأحياء إلى سجل الأموات

لعل ساعة رحيلك من الدنيا في هذا العام القادم.

ها هو مدرس يدرس في إحدى مدارس جدة خرج كعادته من بيته إلى مدرسته حتى وصل إليها و أوقف سيارته في مواقف السيارة، و جاءه ملك الموت ليوقف حياته في تلك اللحظة، لقد انتهى عمره و حانت ساعته، فخر على وجه فوق مقود القيادة، و عندما تأخر عن زملائه أخذوا في السؤال عنه، هذا يقول: لقد رأيته في الصباح، ثان يقول: لقد أوقف سيارته و رأيته فيها، فانطلقوا إلى سيارته ليجدوه قد فارق الحياة و ودع الدنيا.

فيا أخي الحبيب:

بادر قبل أن تبادر و أسرع قبل أن يسرع بك، وعجل في التوبة قبلا أن يعجل بك إلى قبرك، حيث لا أنيس و لا جليس ألا عملك، فإن كان صالحا فنعم الأنيس، و إن كان سيئ فبئس الجليس.

أخي الحبيب:

كم من القصص سمعت، و كم الحكايات مرت عليك، أين قلبك، أين فكر لماذا هذه الغفلة؟

إن السعيد من وعظ بغيره و لم يكن هو عبرة لغيره.

اللهم إنا نسألك أن تختم لنا بالخاتمة الحسنى و أن تعل خير أيام يوم نلقاك و أنت راض عنا.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply