بسم الله الرحمن الرحيم
مع استهلال العام الدراسي، واستجماع الهمم بعد فترة ممتدة ليست بالقصيرة من الإجازة الصيفية، هاهم طلابنا اليوم يبدؤون عامهم الدراسي الجديد، بكل أمل وجد واجتهاد، وبكل طموح وحيوية ونشاط، وتبدأ معه عملية شحن العقول بالمعلومات المختلفة والمتنوعة بحسب مقرّراتهم ليتم استدعاؤها في لحظات الامتحاناتº إذ \"يُكرم هناك المرء أو يُهان\"، وللأخذ بأيديهم في رحلة طلب العلم خلال عامهم الدراسي، فقد كرّس العديد من العلماء جهودهم لاستخلاص أنجع الوسائل المساعدة في النجاح والتفوّق، والوسائل المثلى في المذاكرة والاستذكار، ومن بين الطرائق التي استُخلصت مؤخراً طريقة رائدة سُمّيت بالطريقة الخماسية وتختصر إلى كلمة (PQRST)، وقد أجمع عليها العلماء في جميع أنحاء العالم، وأثبتت الدراسات على أنها أسهل وأضمن طريقة أثناء الامتحان..وخطوات هذه الطريقة هي: (حسب ترتيب الحروف بالإنجليزية) (PQRST): الإلمام بالموضوع ككل Preview – طرح الأسئلة Question – القراءة Read – التسميع الذاتي SelfRecitation اختبار الذاكرة Test. وقد رأينا أن نقدم هذه الطريقة هدية متواضعة لأبنائنا وإخواننا الطلبة، وسنحاول تفصيل كل خطوة من هذه الخطوات:
1- الإلمام بالموضوع ككل Preview:
يميل العقل البشري إلى إدراك الموضوع ككل، وهذه الطريقة تسهّل إدراك الأجزاءº فكل جزء مرتبط بالأجزاء الأخرى.. وبالموضوع ككل عضوي متكامل، وبذلك تتشابك التفاصيل معاً، وتترابط الأجزاء، وتصبح كلاً متكاملاً، وهذا الكل ليس مجموع الأجزاء فحسب، ولكنه يضيف إليها علاقتها، وأهمية كل منها، وما هو المهم والأهم، والأكثر أهمية، وبذلك يثبت الموضوع كاملاً في الذاكرة، ويصبح من السهل تذكرهº لأنه بمجرد ظهور جزء ولو بسيط في ذهن الشخص تداعت بقية الأجزاء واضحة جليّة، فيختار منها الطالب ما يشاء ليجيب به أثناء الامتحان، ولنضرب لذلك مثلاً: إذا أردت استذكار موضوع في الجغرافيا عن نيجيريا، فيجب عليك أن تتصفح الموضوع ككل دون أن تتوقف عند التفاصيل، وفي هذه المرحلة الأولية أو مرحلة القراءة السريعة يكفيك أن تعرف أن نيجيريا تقع في قارة أفريقيا، وأنها على المحيط الأطلسي، وأن عاصمتها لاجوس، وأن حدودها كذا وكذا، ومناخها وتضاريسها،... الخ.
هذه النظرة الشاملة إلى الموضوع ككل، والانتقال السريع من عنوان جانبي إلى الذي يليه، يؤهل العقل لكي يصبح جاهزاً لاستقبال المعلومات الخاصة بهذا الموضوعº بل ويثير فيه الكثير من الأسئلة والاستفسارات.
2 - طرح الأسئلة Question:
العقل البشري مجبول على الاستكشاف، ومعرفة ما يجهله، فتواصلاً مع المثال السابق، سيبدأ العقل في طرح عدد من التساؤلات، فمادامت هذه الدولة (نيجيريا) بها الكثير من الثروات الطبيعية، فلماذا تُعدّ من الدول المتخلّفة؟ وما أسباب هذا التخلف؟ ثم تبدأ تتوارد الأفكار حول الأسباب التي قد يفكّر فيها العقل، ويبدأ فضوله بتلهّف لإدراك ومعرفة المزيد من التفاصيل.
3 - القراءة Read:
أثناء استثارة العقل حول ما طرحه من أسئلة عن هذا الموضوع هنا ستكون القراءة مفيدة وذات قيمة، وشائقة بالنسبة للقارئ، مما يجعله يقبل على دراسة الأجزاء الصغيرة، والتفاصيل بنهم لإشباع جوعه للمعرفة، والقراءة هنا يجب ألاّ تكون قراءة سريعة كالتي حدثت في الخطوة الأولىº بل إن القراءة هنا يجب أن تكون متأنّية تجعل الطالب يقف عند كل نقطة ويرى علاقتها بالنقاط السابقة واللاحقة، وما مدى أهميتها بالنسبة لغيرها من النقاط حتى ترتبط جميع نقاط وأجزاء الموضوع بعضها ببعض وتتشابك.
4 - التسميع الذاتي SelfRecitation:
عملية القراءة تنقل الموضوع من المخازن الحسية (والتي لا تبقى فيها المعلومات إلا لثوانٍ, معدودة) إلى الذاكرة القصيرة الأمد (والتي تظل فيها المعلومات لبضع دقائق) ومع التأني في القراءة والفهم وتفهم المعلومات ومعرفة أهمية التفصيلات، فإن ذلك يساعد على انتقال هذه المعلومات إلى الذاكرة الحديثة Recent memory والتي يمكن أن تظل فيها المعلومات لمدة ساعات، أو أسابيع وربما شهراً أو شهرين.
ولكي تتثبت المعلومات في هذه الذاكرة الحديثة، وتظل فيها لأقصى مدة ممكنة يجب على الطالب بعد قراءة الموضوع أن يستعيد ما قرأه بينه وبين نفسه ليرى ماذا فهم، وماذا ظل في ذهنه من معلومات بعد قراءة الموضوع، ويُستحسن أن يكتب النقاط التي قد رسخت في عقله بعد هذه القراءة، ثم محاولة مراجعتها على ما هو موجود في الكتاب، فإذا كان قد فاته شيء، فليعاود قراءته، وإن وجد نقاطاً غير مفهومة فليعد ويحاول فهمها، وقد يستعين في ذلك بكتاب آخر في نفس الموضوع، أو بسؤال أحد زملائه ممن يتوسم فيهم النباهة، أو قد يحمل هذه النقاط التي لم يستوعبها إلى المدرسة في اليوم التالي ليستفسر عنها من أحد أساتذته.
5 - اختبار الذاكرة Test:
عندما يتم الانتهاء من العمليات الأربع السابقة، تكون قد استذكرت الموضوع تماماً، لذلك يجب أن تستريح بعض الوقت ربع ساعة مثلاً، ويستحسن أن تسترخي على كرسي مريح، ولا تستذكر أي شيء آخر حتى لا تتداخل المعلومات، وتعطي الفرصة لذهنك للراحة بعد عناء الاستذكار، ويُستحسن ألاّ تشوّش ذاكرتك سواء بالاستماع إلى الإذاعة أو مشاهدة التلفزيون أو الدخول في مشكلة عائلية، وبعد فترة الراحة هذه تبدأ المرحلة الخامسة وهي مرحلة حلّ الاختبارات.
وفي معظم الكتب هناك أسئلة عند نهاية كل موضوع ليختبر الطالب بها نفسه، وحلّ هذه الأسئلة من الأهمية بمكانº لأنه بوساطتها يمكن معرفة ما قد رسخ في ذاكرتك من معلومات، لذلك يجب عليك أن تحلّ الأسئلة كتابة، ثم مراجعة هذه الحلول على ما هو مكتوب في الكتاب، وإعادة استذكار النقاط التي لم تثبت في ذاكرتك، وتحتفظ بالنقاط التي فاتتك ولم تستوعبها جيداًº لأنك بالتركيز هذه المرة على النقاط التي وجدت نفسك ضعيفاً فيها سوف يتم تثبيتها هذه المرة في ذاكرتك فلا تمّحى أبداً إن شاء الله.
تنظيم جداول للمذاكرة
قد تكون جداول المذاكرة أمراً غير مجدٍ, نفعهº لأن الوقت الذي يضيعه الطالب في وضع هذا الجدول يمكن الاستفادة منه في المذاكرة نفسها، ثم إن تطبيق هذا الجدول غالباً ما يكون شبه مستحيلº فربما يأخذ موضوع ما وقتاً أطول من الوقت الذي هو مخصص له، أو وقتاً أقصر، وعندما يحدث ذلك يترك الطالب المذاكرة ويبدأ ثانية في عمل جدول جديد، وهكذا يضيع الوقت في تكرار عمل الجداول، ويستغرق ذلك وقتاً أطول من الوقت الذي يقضيه الطالب في المذاكرة نفسها.
ومع ذلك فلا بد من أن يكون هناك نوع من التنظيم، بمعنى أن يوزع الطالب ساعات وأيام المذاكرة بين المواد المختلفة توزيعاً شبه عادل، حتى لا يترك مادة أو موضوعاً دون وقت مخصص لمذاكرته.
التشابه والاختلاف بين المواد
لقد وُجد أن مذاكرة موادّ متشابهة أمر قد يصيب الطالب بالملل، وإذا أُصيب الطالب بالملل فإنه لن يتقبل أي معلومة، أو يستوعبها، بل قد يصيبه النعاس، وعكس ذلك الموضوعات المختلفة التي تساعد على تنشيط الذاكرة والذهن، لذلك وعند عمل جدول أو تنظيم للمذاكرة يجب مراعاة أن يشتمل اليوم على مادتين أو ثلاثة على أكثر تقدير، وتكون كل مادة منها مختلفة تماماً عن الأخرى، فبعد دراسة الرياضيات مثلاً ابتعد تماماً عنها، وعن أي موادّ علمية، وأفصل بينها بمذاكرة مادة نظرية كالتاريخ أو اللغة، وهكذا..
المذاكرة الفرديّة والمذاكرة الجماعيّة
لا يمكن تفضيل طريقة على أخرىº فلكل طريقة مزاياها، ولكل طريقة عيوبها، والاختيار متروك للطالب، ومتوقّف على شخصيته، وتكوينه الداخلي، والمدى الذي يصل إليه في علاقاته الشخصية.
وبشكل عام فإن الاستذكار المفرد يساعد على التركيز، ويعطي حرية أكبر للطالب لكي يختار ما يريد استذكاره، وينتقل بين الموضوعات التي عليه استذكارها في اليوم الواحد كما يشاء، ولكن عيب الاستذكار المفرد هو سرعة الملل، مما يجعل النعاس يغلب عليه، وقد يسرح الذهن وينشغل في أمور ومواضيع لا علاقة لها بالمذاكرة.
أما المذاكرة الجماعية فقد تشحذ الذهن، وتوجد حالة من التنافس بين الزملاءº مما يزيد من حالة التيقّظ عند كل واحد منهم، ومع ذلك فهناك وقت ضائع في عملية المذاكرة الجماعية في حضور الزملاء للمكان الذي اتفقوا للقاء فيه للاستذكار، كما أنه مهما بلغ حرص الجميع على توخي الحذر والالتزام فلا بد أن يكون هناك وقت مستقطع في أحاديث جانبيّة، لا علاقة لها بالدروس التي جاؤوا لاستذكارها. فإن كان ولا بد للطالب من الاستذكار مع أترابه فلا مانع من ذلك على أن يكون العدد يتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة على أكثر تقدير، حتى يمكن السيطرة على الأوقات الضائعة، كما يجب الاتفاق من أول يوم على طريقة المذاكرة، وعلى الموضوعات التي يريدون استذكارها معاً.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد