سنة أولى تدريس


بسم الله الرحمن الرحيم

 

صعوبات عديدة يواجهها المعلم في عامه الدراسي الأول

عندما خضت هذه التجربة - تجربة التدريس - لأول مرة منذ ما يقرب من 16 عامًا لم أجد مَن يمدٌّ لي يد العون بالنصيحة أو المشورة، فكان لزامًا عليَّ أن أخوض التجربة بمفردي، أتعلم من أخطائي ومن ملاحظتي لمن حولي.

 

مرَّت الأيام وتعاقبت السنون، تعاملت خلالها مع كافة المراحل السنية، ومع مختلف الجنسيات في أكثر من بلد. اختلفت أسماء التلاميذ، جنسياتهم، ملامحهم، وحتى سلوكياتهم ومستوياتهم الدراسية، ولكن حبي لكل منهم، وإحساسي بالمسؤولية تجاههم، واقتناعي بضرورة العطاء اللامحدود لم تتغير. اكتسبت خبرة - ولله الحمد - والخبرة نعمة من نعم الله علينا، لا يحسٌّ بها إلا المعلم في سنته الأولى، حيث يواجه العديد من الصعوبات والعقباتº فيتمنى أن يجد من يمدٌّه بالمشورة أو بفيض من سابق خبرته.

 

ولأن لكل نعمة شكرا واجبا رأيت أنه من واجبي نقل خبرتي في التدريس بين أيديكم، علَّها تفيد معلمة في المشرق أو معلم في أقاصي شمال الكرة الأرضية.

 

مع التلاميذ في اليوم الأول:

الحصة الأولى هي نقطة الانطلاق، فكما أن الجندي في الميدان يتأكد من حسن اختياره لمكان المدفعº لتبلغ القذيفة الهدف المحدد، فيقوم في سبيل ذلك بعدد من القياسات والترتيبات والاستعدادات، على كل مدرس أو معلم أن يحسن الاستعداد لليوم الأولº \"فالانطباع الأول\" عن هذا الوافد الجديد له أبعد الأثر في تحديد ملامح العلاقة بين الطرفين.

 

فاللقاء الأول مع التلاميذ لا بد وأن يحقِّق هدفين محددين:

أولاً: ما يمكن أن نسميه \"تذويب الثلوج\".

ثانيًا: تحديد صريح وواضح لأسس وقواعد العلاقة بين الطرفين.

 

سياسة \"تذويب الثلوج\"

ابتسامة المعلم للتلاميذ تزيل رهبتهم

تذويب الثلوج تعني ببساطة إزالة كافة أنواع التوجس والقلق التي يستقبل بها التلاميذ معلمهم الجديد. ولا يتم ذلك إلا من خلال \"السلوك العام\" الذي سيتحرك به المعلم في لقائه الأول، فالابتسامة، والحركة المستمرة وسط الطلاب، مع حسن استخدام ملامح الوجه المعبِّرة عن أحاسيس الود واللطف، والاستخدام الهادئ لليدين مع الحزم في نبرة الصوت.

 

* وهذه بعض من أدوات تطبيق هذه السياسة:

الوجه: لا بد أنه تعلوه الابتسامة الصافية، مهما حدث، ومهما كان سلوك التلاميذ مستفزًّا، فالهدوء في التعامل مع الحزم في نبرات الصوت هو بديل الصراخ وعلو الصوت. حذارِ من علو الصوت، إنه الطريق إلى قطع وشائج الود بين المدرس والتلاميذ.

 

العين: لا بد من توزيع النظرات بالتساوي، على أن تتحول النظرات إلى سمة النظرة الحادة القاسية مع رؤية الخطأ دون النطق بكلمة: \"هذا خطأ\".

 

الكلام: عليه منذ اليوم الأول أن يكون واضحًا وحازمًا دون قسوة يمكن اللجوء إلى شيء من المرونة في نبرة الصوت وصيغة الكلام بعد الشهر الأول، ولكن ليس قبل ذلك.

 

الشكل العام: له أبعد الأثر في التأثير على التلاميذº ولذا لا بد من التأكد من حسن المظهر الخارجي، لا بد أن تكون الملابس نظيفة، ثم كيِّها في هذا الصباح، لونها مريح. وينصح للمدرسات لبس ملابس \"رسمية\" في طبعها كالسترات أو \"البالطو\"º لأنها تعطي انطباعًا مقبولاً عند غالبية التلاميذ، أما الألوان المزركشة أو الفاتحة فتعطي الانطباع بأن الشخصية تميل إلى التسيب وعدم الانضباط.

 

إدارة اللقاء الأول:

يدخل المدرس مستقيم القوام مبتسمًا متأملاً في وجوه كل من حوله، حيث يبدأ بالتعريف بنفسه، ولكن دون الدخول في التفاصيل الشخصية، حيث يفضل الاكتفاء بالاسم، الحالة الاجتماعية، والمادة التي سوف يدرسها للتلاميذ.

 

ثم يطلب من كل تلميذ أن يعرِّف نفسه، وهناك طريقتان (يختار المدرس/ المدرسة ما يراه مناسبًا): إما أن يقوم ويعرف نفسه أو يكتب اسمه على ورقة توضع أمامه حتى يتسنى للمدرس قراءتها طوال الحصة الأولى. على ألا تتعدى فترة التعارف المتبادل ثلث الحصة.

 

توقيع الميثاق المشترك:

العودة إلى المدرسة..بوردة

هذه هي الجزئية الثانية المستهدفة من اللقاء الأول: وضع الأسس والقوانين التي ستحكم العلاقة بين طرفي \"علاقة الحب والود\".

 

يقف المدرس في وسط الفصل متسائلاً:

\"ماذا تتوقعون مني؟ \" وتشجع التلاميذ على الإجابة.

 

وكل إجابة تكتب على الجانب الأيسر: مثال: الشرح الجيد تفهم مشاكل التلاميذ إجابة كل الأسئلة عدم الصراخ والعقاب... إلخ.

 

السؤال المهم هنا: ماذا لو قال تلميذ شيئا غير مقبول مثل: \"عدم العقاب\"؟

 

على المدرس أن يكتب هذا الرأي، ويقول في نبرة المتفهم المحترم لكافة الآراء \"سوف نرى ذلك، دعونا أولاً ندوِّن كافة النقاط، ثم نتناقش حولها\".

 

فالهدف هو تشجيع التلاميذ على المصارحة، وطمأنتهم لاحترام آرائهم، حتى وإن اختلفنا معها. بعد مدة وجيزة سينتهي التلاميذ من سرد توقعاتهم.

 

هنا يسأل المعلم: \"وماذا عنكم أنتم؟ ماذا تتوقعون أن أطلب منكم؟

\"يبدأ التلاميذ في سرد توقعاتهم: مثال:

أن نهتم بالدرس ونحترم المدرِّس أن نقوم بواجباتنا المنزلية... إلخ.

ثم ينتهي التلاميذ من سرد كافة توقعاتهم وما يجول في ذهنهم، هنا يمسك المدرس الخيط ويقول في حزم:

أنا شخصيًّا لا أتوقع منكم سوى... أمور (وتعدِّد لهم 3 أمور كحد أقصى).

 

لا بد أن تكون هذه الأمور قد تم التفكير فيها من ذي قبل، وتم تحديدها بدقة، مثال: [وهو أمر من أهم الأمور التي تساعد على الانضباط في الفصل طوال العام].

(1) عدم الكلام بداخل الفصل بدون إذن: كلماتكم، ملاحظاتكم، تعليقاتكم كلها سيتم احترامها، ولكن من حقي وحق زملائكم أن يتم ذلك بصورة منضبطة.

والإخلال بهذه القاعدة سوف يؤدي إلى عدم احترام ما يقال، بأن يهمل تمامًا ولا يتم الرد عليه.

(2) أمر آخر له أثره الطيب ولكن يترك للمدرس مساحة للتفكير إن كان ذلك يناسبه.

من حقكم أن تنعموا براحة لمدة دقيقة أو دقيقتين بعد نصف الحصة أو بعد شرح جزئية صعبة ومعقدة، ولكن \"شرط الراحة\" الالتزام والعمل الجاد طوال فترة الشرح بدون تكاسل أو تراخ.

(3) أمر ثالث: الاهتمام بالواجبات المنزلية والقيام بها خير قيام (من حجج النسيان أو ضياع الكراسات (الوظائف المدرسية)... إلخ.

هناك بعض المدرسين يكتبون هذه النقاط على وثيقة يوقِّع عليها التلاميذ والمدرس، بعد الاتفاق المشترك على كافة البنود، كما يدرج في الاتفاق سبل العقاب لمن يخلّ بهذه القواعد، ولا ينسى هنا أن يدرج كيف سيتعامل التلاميذ إذا أخلَّ المدرس بما اتفق عليه.

 

فقه إدارة الأزمات:

السؤال الذي يسأله كل مدرس يفتقد إلى الخبرة في أيام عمله الأولى: ماذا لو حدث تمرٌّد؟ أو تسيب أو اختل النظام؟ \" بالرغم من الاتفاق والتوقيعات.

 

هذا بالطبع يمكن أن يحدث، والحل بسيط في كلمة واحدة: \"الحزم\".

والحزم له أدواته: العين ملامح الوجه الصمت النظرات القاسية ثم في النهاية: الكلام بنبرة حازمة، دون علو في الصوت: \"أنا آسفة لا يمكنني الاستمرار (أو البدء) بهذه الطريقة... \"، مع توجيه النظرة الحازمة إلى هؤلاء التلاميذ الأقرب للنظام والانضباط، فهم أول من سيستمع ويهدأ في حركاته. عدم الخوض بحال من الأحوال في عملية الشرح دون الوصول إلى مستوى الهدوء، والنظام، والانضباط المطلوب.

 

وهذا يقودنا إلى توجيه هام ألا وهو ضرورة حسم المشاكل في مراحلها الأولى، وعدم السماح لتفاقمها. قد تحتاج بعض المشاكل إلى حنكة وسياسة واعية في مواجهتها وحلِّها، ولكن لا بد من الأخذ بالأسباب، وذلك باستخدام عدد من الأساليب قد تنفع بداية، ثم ننتقل إلى الثانية، وهكذا...

 

وفي النهاية، ندعو الله - سبحانه وتعالى - أن يمدَّنا جميعًا بالبصيرة، والحكمة، والتوفيق، وكلَّ عام وأنتم بخير.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply