بسم الله الرحمن الرحيم
التاريخ الهجري ليس مجرد طريقة لحساب الزمن بل هو رمز وهوية لأمتنا الإسلامية، فتاريخنا مرتبط بأحداث عظيمة، مرتبطة بالشهور الهجرية مثل شهر رمضان المبارك الذي صار رمزا للانتصارات والفتوحات الخالدة مثل بدر وفتح مكة وحطين وعين جالوت، والقارئ والملاحظ لسير الأمم يرى أن التاريخ من أهم ما تحرص عليه الأممº لذلك يقوم علماء الدين في مختلف الملل والنحل على التقويم والعناية به من حيث الحساب والمواقيت والأعياد والمناسبات وبداية كل شهر ونهايته وأحوال السنين والبسط والكبس كما حصل من رهبان الرومان وسدنة المجوس وحاخامات اليهود وباباوات النصارى، وكما فعل أيضا الخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين الذي أقر تاريخاً جديداً للأمة الإسلامية ينطلق من بداية الهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى المدينة.
العلامة الدكتور محمد كاظم حبيب من الذين اهتموا بالتاريخ الهجري القمري عبر العشرات من البحوث والكتب والدراسات حيث يذكر \"أن التقويم الهجري القمري تقويم رباني سماوي كوني قديم قدم البشرية، ليس من ابتداع أحد من الفلكيين، وليس للفلكيين من سلطان على أسماء الشهور العربية القمرية، ولا على عددها أو تسلسلها أو أطوالها، ولا على طبيعة سنتها من حيث البسط والكبس، ولا على عدد السنوات الكبيسة أو البسيطة في الدورة القمرية..فكل ذلك يتم بحركة كونية ربانية، رسم خطاها ربنا جل شأنه بقوله: \"هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالحَقِّ يُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَومٍ, يَعلَمُونَ\"[يونس: 5]..والضمير في قدره يعود على القمر، فهو الذي اختاره ربنا جل شأنه للتأريخ والتقويم، وليس هذا فحسبº بل حدد أيضا عدد الشهور بقوله: (إِنَّ عِدَّةَ الشٌّهُورِ عِندَ اللهِ اثنَا عَشَرَ شَهرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَومَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ مِنهَا أَربَعَةٌ حُرُمٌ... )[التوبة: 36]º ووردت أسماء بعض الشهور والأيام في كتاب الله، مثل: رمضان والجمعة والسبت ووردت في السنة النبوية بقية الأسماء التي تداولتها الأمة على مر القرون\". وقد تمكن الدكتور محمد كاظم حبيب من نيل براءة الاختراع في التقويم الهجري الأبدي المقارن والذي نستطيع بوساطته أن نتعرف وبدقة متناهية على أيام الشهر من حيث البسط والكبس في الأزمان السابقة واللاحقة، بالإضافة إلى اختراعه نظام الساعة الفلكية القمرية الناطقة لضبط الزمن الهجري العالمي بعد اختراعه للتقويم الأبدي، و ذكر أنه إذا تخلى الفلكيون عن أخطاء أكاديمية معينة في صميم حساباتهم فإن المشكلة ستكون محسومة، وسيتوافق الحساب الفلكي السليم مع الرؤية الشرعية اليقينية للأهلةº و أن رؤية الهلال في بلد هي رؤية لبلاد المسلمين جميعاً، والحديث الصحيح \"صوموا لرؤيته\" خطاب عام للمسلمين جميعاً بصفتهم أمة واحدةº فأي مسلم في أي مكان رأى الهلال رؤية يقينية شرعية فرؤيته رؤية للمسلمين جميعاً، وأكد أن الحساب الفلكي السليم والخالي من الأخطاء الأكاديمية المشهورة سيتوافق مع النصوص الشرعيةº لأن العلم اليقيني والنصوص الصحيحة من القرآن من مشكاة واحدة، وظهور التقويم الأبدي الذي يتفق مطلقاً مع الرؤية الشرعية اليقينية قد حل المشكلة ولله الحمد، وهو أن الشهر واحد في السماء والأرض عند الله وعند الناس، وفي الحديث الشريف \"إذا كانت أول ليلة من رمضان فُتحت أبواب الجنة وغلّقت أبواب النار… الحديث\" مما يدل على ما ذهب إليه من وحدة الشهر عند الله وعند الناس، وبالتالي فإن ليلة القدر واحدة لا تتعدد في كل بلاد الإسلام، و ذكر أن الاختلاف حالياً أسبابه كثيرة منها: سياسي، وقومي، وديني، وأكاديمي، وأقلها اختلاف الرؤية البصرية، وأخطرها اختلاف الحسابات الفلكية الأكاديمية.
العالم والفقيه الكبير مصطفى الزرقا - رحمه الله - رأى جواز إثبات الأهلة وتحديد مواعيدها بالحساب الفلكي في عصرنا الحديث لارتباط الكثير من التكاليف الشرعية بذلك كالصيام والفطر والقضاء، وذكر أنه متعجب من الاختلاف الشديد في هذا الأمر، والموقف السلبي لكثير من العلماء بل وعدم استعدادهم إلى الاستماع إلى حجج من يرى بالأخذ بالحساب في تحديد دخول وخروج الشهور الهجرية في الوقت الذي عرفت فيه حسابات دقيقة تساعد المركبات الفضائية في شق طريقها والبقاء في مساراتها وبشكل دقيق جداً، وقد ذكر أن أسلافنا لو رأوا ما وصل إليه العلم ما تردّدوا في اعتماد ذلك مع سعة فقههم وفهمهم لمقاصد الشريعة الإسلامية، و ذكر أن أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليها نظرة كلية وجامعة كما ذكر الحافظ بن حجر، وقد رفض العلماء المتقدمين اعتماد الحساب وذلك لأن الحساب كان يعتمد على الحدس والتخمين، ولاختلاط هذا العلم بعلوم العرّافين والمنجمين الذين يربطون الحوادث في الأرض وطوالع الحظوظ بحركات النجومº ويرى الشيخ مصطفى الزرقا أن النظر في جميع الأحاديث الواردة في هذا الموضوع هو الواجب، وربطها بعضها ببعض، وأن النظام الفلكي محكم ودقيق يمكننا من المعرفة اليقينية بمواعيد ميلاد الهلال في كل شهر. وقد ذكر الشيخ الزرقا أن اعتماد دخول وخروج الشهر القمري قد نوقش كثيراً في عدة جلسات، ومنها دورات المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وفي إحدى الجلسات استدعي خبير استخدم وسائل حديثة لإثبات دقة التاريخ الهجري القمري، و قد طلب الشيخ مصطفى الزرقا من رئاسة المجمع الفقهي الإفتاء بجواز الأخذ باعتماد الحساب الفلكي لدخول وخروج الأشهر القمرية.
من هذا الموقع المبارك ننادي بالعمل على إنشاء \" الهيئة العالمية الإسلامية للتاريخ الهجري القمري\" لتكون الجهة المسؤولة عن التعريف والدراسات والأبحاث الخاصة بهذا التاريخ ومن ثم الاستعانة بها في تحديد دخول وخروج الأشهر الهجرية، والعمل على ارتباطها بمراكز رصد فلكية في كل أنحاء العالم، فهل تتعاون الرابطة مع منظمة المؤتمر الإسلامي في جعل هذا الاقتراح واقعاً ملموساً في الوقت الذي يقود الرابطة والمنظمة رجلان عظيمان تشهد لهما أعمالهما بالكفاءة والفعالية والإخلاص، و في الوقت الذي نحتاج إلى التاريخ الهجري كرمز لخصوصيتنا و هويتنا الإسلامية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد