بسم الله الرحمن الرحيم
لا يخفى علينا الأجر العظيم المترتب على صيام يوم العزة والتمكين، وحسبنا فيه ما ورد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسئلوا عن ذلك فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، فنحن نصومه تعظيماً له فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (نحن أولى بموسى منكم فأمر بصومه) [متفق عليه].
و عن أبي قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (صيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله) [رواه الترمذي وأحمد].
فجدير بالمؤمنين عامة والمربين خاصة أن يقفوا عند هذا اليوم وقفات يتأملون أحداثه، فإن الأيام شواهد من استوقفها نطقت له بعظيم الفوائد، وإنني تأملت فرأيت أن أقف وقفات أطلع عليها إخواني أفيدهم وأستفيد منهم وأستنير بآرائهم وتعليقاتهم، لعل الله أن يكتب الأجر للمفيد والمستفيد.
أولاً : كان صيام موسى لهذا اليوم شكراً لله - سبحانه - الذي نجاه من أعتى دولة في عصره دولة الجبروت والطاغوت الذي قال (ما علمت لكم من إله غيري) وقام يسوم اليهود سوء العذاب لأنهم قالوا : ربنا الله.
ولما آثروا الهجرة ليقيموا دولة الإيمان إذا بطاغوت زمانهم يجمع الجموع ويجهز الجيوش ويلحق بهم ليجعلهم عبرة لكل من تسول له نفسه مخالفة أنظمته العالمية (الإلهية) في زعمه. وهاهو يلوح في ناظري قوم موسى الموت المتحقق البحر من أمامهم وفرعون من خلفهم فيصرخون من شدة الخوف (يا موسى إنا لمدركون) وهاهو الطاغية
الذي أعلن الحرب على المؤمنين يقترب شيئاً فشيئاً، وصور التنكيل والتشريد والقتل والذل الذي سينزله بهم تلوح بين ناظريه، وهاهم أذنابه يلهثون خلفه ولسان حالهم (من أشد منا قوة) فالنبطش بكل ما خالف الشرعية ويا لسعادتنا برضا سيدنا وربنا وبعطاياه التي سيمن بها علينا.
إلا أن موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام لم يزل رابط الجأش هادئ الأعصاب لم يتزعزع ولم يرتب لحظة بموعود الله، وأعلنها صريحة مدوية (كلا..إن معي ربي..سيهدين) أنا عبد لله أنفذ أوامره وقد وعدني النصر ولن يخلف ربي وعده ولفعل الطاغية ما شاء. وما هي إلا لحظات حتى جاء النصر ليس من حبل البشر ولكن من حبل الله المشدود الذي لا ينقطع (اضرب بعصاك البحر).
وهكذا نزل الفرج من السماء وتحقق موعود الله للمؤمنين الصادقين.. ولكن بعد ضيق وشدة وتمحيص أما الطاغية ومن رضي بأن يكون ذَنَباً له فقد غرهم مهلة الزمان حين قال لهم قائدهم (أنا ربكم الأعلى) فإذا بأمره يصير إلى بوار وقوته إلى صغار وإذا به يكتشف أنه ينظر إلى سراب قاده إلى هلكة وعذاب فإذا به بناية لم يحسب لها حساب حتى تبدل بالعلو دنواً وبالسمو أرضاً وصغاراً.
وهذا يذكرنا بوعد الله لنا (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا.. ) إذاً الوعد بالنصر (لنا) أيضاً.. ولكن منهم (لنا)؟؟ هل هم مسلمي زماننا وهل نحن نستحق بواقعنا بما فيه من البعد عن الله هذا الوعد أم أن للموعود شروطاً لم نحققها وموانع لم ننفها، ولذلك تأخر النصر؟؟ وهل سنحققها أم سيتحقق فينا (.. يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم).
ثانياً : هذا اليوم هو في أول شهر من أشهر السنة الهجرية التي يحتفل فيها كثير من عوام الناس بمقدم عام جديد تشبهاً باحتفال أهل الكتاب بعيد (الكرسمس) ولكن بعيداً عن الحكم الشرعي فيما يفعلون يا ترى هل وقفوا وقفة تذكر بأن هذه الهجرة في الحقيقة رمز يذكر بأعظم نصر في تاريخ الأمة إنه انتصار التوحيد على الشرك الذي سال لعابه بالجائزة التي وضعت لمن يدل على المفسدين في الأرض على حد زعمهم.
فيقر في أذهان كل مسلم أن الدين لا ينتصر بمجرد احتفال توزع فيه الحلوى والعصير وإنما ينتصر بعد بذل المهج والأرواح وبعد تحمل التعب وشديد المشاق
ثالثا: ترى.. لم قال - صلى الله عليه وسلم - مخاطباً اليهود (نحن أحق بموسى منكم)؟ وهل فعلاً العرب أحق بموسى من اليهود سلالة بني إسرائيل؟ لو تأملنا هذا وطبقناه لاسترحنا من عناء قوم طال تفضيلهم لكل ما هو عربي، والله يقول (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم) ويقول - صلى الله عليه وسلم - (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) ويسأل - صلى الله عليه وسلم - بلالاً عن سبب قرع نعاله في الجنة ويحكي عن عمه (تبت يدا أبي لهب وتب).
إذاً الأحقية لا تكون بالجنسية ولا التبعية الأرضية، والولاء معقود بين المؤمنين بتوحيدهم ولو تباعد زمانهم، فموسى - عليه الصلاة والسلام - كان رمز التوحيد في عصره، وقومه من بعده حرفوا وبدلوا، فكان المؤمنون أحق بموسى من يهود كفرة فجرة جمعهم بموسى نسبهم، وقد بدلوا دينهم كفراً وأحلوا قومهم دار البوار.
وهكذا تتقطع الصلات الأرضية لتحل محلها الصلات الألهية فأخي وحبيبي وقرة عيني ليس بالضرورة من أبي وأمي، ولكن هو كل مطيع لله - سبحانه - ولكان من أدنى أهل الأرض نسباً ومكانة. فسلمان - رضي الله عنه - قال عنه - صلى الله عليه وسلم - (سلمان منا آل البيت) ومصعب ينصح أخاه في الله أن يشد وثاق أخاه من أبيه وأمه وهو أسير.
أن الأمة عندما تجتمع على غير هذا الرابط فستتعب كثيراً ثم لا تجني إلا الشوك، وقد جربت الأمة كثيراً من الشعارات البراقة فجنت المر والعلقم. فهل نعي ذلك؟؟
رابعاً: لما قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم - إن اليهود تصوم هذا اليوم! قال: (لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع) إنه - صلى الله عليه وسلم - قصد شكر الله على نجاة أخاه - عليه الصلاة والسلام - فصامه كما صامه موسى شكراً متأسياً بقوله - سبحانه - (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)، إلا أنه - صلى الله عليه وسلم - لما نبهه أصحابه لنوع مشابهة غير مقصودة أخبر بأنه عازم على المخالفة لهم من قابل. فهل يعي هذا قوم ظنوا أن مشابهة الكافرين حضارة ورقي؟؟
خامساً: موسى ونبينا عليهما الصلاة والسلام صاما شكراً لله على نعمائه، وهذا ينبئنا أن النعم لابد لها من شكر وإلا.. فالزوال.
وشكرهم كما هو ظاهر لم يكن لسانياً مع الكفر البدني، وإنما كان شكراً اعتقادياً لسانياً بدنياً، فهل طبقنا هذا النوع من الشكر على نعم الله؟ فبالشكر تدوم النعم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد