تذكروا في العيد


بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أيها المسلمون اذكروا في العيد قول الحق - سبحانه وتعالى -: {مَن عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ, أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجزِيَنَّهُم أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ} (النمل: 97).

إن العيد يوم باسم مشهود وهدية سماوية من رب الأرض والسماء لقوم {تَتَجَافَى جُنُوبُهُم عَنِ المَضَاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ} (السجدة: 16)، إنه لفرح لأداء الواجب وشكر لله - عز وجل -.

فاذكروا وأنتم في نشوة، الفرح وهزة السرور، تحف بكم مواكب البهجة التي تتلاحق في أيام العيد وساعاته المباركة، وترعاكم عناية الله التي لا تنام، وتطمئن نفوسكم إلى فضل الله وحسن الثواب.

اذكروا في كل هذا.. كيف رسم الإسلام العظيم للحياة منهجًا واضح المعالم، بيِّن الحدود، قوامه المثل العليا، وغايته تزكية الشعوب والأمم وإعدادها لبلوغ مرضاة الله.

واذكروا.. أن من مميزات هذا المنهج أنه مضمون النتائج، داني القطوف، محقق الثمرات، لا تتخلف عنه آثاره، كما لا يتخلف عن الشمس سناها، ولا عن الورود عبيرها وشذاها، يقول الحق - سبحانه وتعالى -: "فَاستَجَابَ لَهُم رَبٌّهُم أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ, مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ, أَو أُنثَى بَعضُكُم مِّن بَعضٍ, فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخرِجُوا مِن دِيَارِهِم وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنهُم سَيِّئَاتِهِم وَلأُدخِلَنَّهُم جَنَّاتٍ, تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسنُ الثَّوَابِ" (آل عمران: 195).

واذكروا.. أن هذا المنهج يتلخص في كلمتين اثنتين: إيمان وعمل، وهما مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بحيث لا تقوم إحداهما إلا بالأخرى، قال - تعالى -: "إِنَّمَا المُؤمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَم يَرتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَموَالِهِم وَأَنفُسِهِم فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ" (الحجرات: 15).

والإيمان الذي يريده الله منا هو الإيمان الذي يبدأ بالتصديق القلبي، وينتهي بالعمل والجهاد المستمر الدائم في سبيل الله، ينتهي بمحبة الله، محبة تسمو على كل شيء، ويتضاءل بجانبها كل شيء، قال - تعالى -: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَادًا يُحِبٌّونَهُم كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدٌّ حُبًّا لِّلّهِ"(البقرة: 165).

اذكروا.. أن من آثار هذا الإيمان بذل النفس والنفيس والجاه والمال والوقت في سبيل الله - عز وجل -، وقد عاتب الحق- تبارك وتعالى - جماعة من الأعراب قصر فهمهم عن إدراك حقيقة الإيمان فقال - تعالى -: "قَالَتِ الأَعرَابُ آمَنَّا قُل لَّم تُؤمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسلَمنَا وَلَمَّا يَدخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُم" (الحجرات: 14).

نزلت هذه الآية في أعراب بني أسد قالوا آمنا أول ما دخلوا في الإسلام، ومنوا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قالوا: يا رسول الله، أسلمنا، وقاتلتك العرب، ولم نقاتلك فأراد الله - عز وجل - أن يعلمهم حقيقة ما هو قائم في نفوسهم وهم يقولون هذا القول، وأنهم دخلوا في الإسلام استسلامًا، ولم تصل قلوبهم بعد إلى مرتبة الإيمان، فدل ذلك على أن حقيقة الإيمان لم تستقر في قلوبهم، ولم تشربها أرواحهم.

وأما الركن الثاني: وهو العمل فقاعدة الإسلام فيه: أن الإنسان خليفة عن الله في الأرض، وأنه بمقتضى هذه الخلافة مطالب بإعلاء كلمة الله، وإنقاذ تعاليمه، "وَإِذ قَالَ رَبٌّكَ لِلمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً" (البقرة: 30).

فالمشيئة العليا أرادت أن تسلم هذا الإنسان زمام هذه الأرض وتطلق فيها يده، وتكل إليه إبراز مشيئة الخالق في الإبداع والتكوين، فهي منزلة عظيمة، منزلة هذا الإنسان الذي كشف الله له ما في هذه الأرض من طاقات، وسخرها له، ليؤدي المهمة الضخمة التي وكلها إليه، على عهد من الله وشرط، بعد إعطائه المعرفة التي يعالج بها هذه الخلافة، بإقامة منهج الله ورد الأمر إليه وإقامة العدل بين الناس والإحسان إليهم، وتوفير الأمن والأمان لهم، وذلك لا يتحقق إلا بتطبيق شرع الله.

والقلب الذي تذوق حلاوة الإيمان واطمأن إليه وثبت عليه هو الذي ينطلق صاحبه لتحقيق هذا الخير في واقع الحياة، وفي دنيا الناس، إنه يسعي ليوحد بين ما اطمأن إليه من حقيقة الإيمان، وما يحيط به من مجريات الأمور وواقع الحياة، ولا يطيق الصبر على المفارقة، تؤذيه وتصدمه في كل لحظة، ومن هذا يقوم بواجب الاستخلاف بالجهاد في سبيل الله بالمال والنفس.

واذكروا.. أن الإيمان والعمل بهذا المعنى يثمران ثمرهما وينتجان أثرهما من الحياة الطيبة، ومظهر هذه الحياة في الدنيا الاستخلاف في الأرض وتمكين الدين والأمن والسلام والاستقرار، قال - تعالى -: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعدِ خَوفِهِم أَمنًا يَعبُدُونَنِي لَا يُشرِكُونَ بِي شَيئًا" (النور: 55).

هذا في الدنيا، أما في الآخرة فهو الحصول على السعادة في جوار الصالحين: "يَا أَيَّتُهَا النَّفسُ المُطمَئِنَّةُ* ارجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرضِيَّةً* فَادخُلِي فِي عِبَادِي* وَادخُلِي جَنَّتِي" (الفجر: 27 - 30).

اذكروا.. إخوانًا لكم أوفياء حصروا في سبيل الله في فلسطين وأفغانستان وغيرهما إن الذي يحمله العيد عن إخواننا مما يثقل الكواهل ويمزق الأحشاء من سلطان عدو ماكر، واحتلال أرض معطرة بالزكي من دم البررة الشهداء، وعدوان على مآثرنا وحضارتنا، وتشريد ألوف مؤلفةº بل ملايين من أبنائنا وبناتنا وشيوخنا، وتعريض شعب كامل للفناء، وإحلال شذاذ الأرض من بني صهيون مكان أمة الإسلام في قلب المسلمين فلسطين، ولقد كبلوا في الأغلال، ووقف على رءوسهم الجلادون، وأوقع بهم الظالمون، وقاوموا ألوانًا من العنت والاضطهاد، وأحاط بهم اللئام المفترون، لم يعرفوا للنوم طعمًا، ولم يمر العيد من عندهم من سنين، واذكروا هؤلاء واسألوا أنفسكم ماذا قدمتم لهم؟ واذكروا أن الله سيسألكم عنهم وعن كل شبر من بلاد الإسلام دنسه أعداء الإنسانية، واسألوا الله أن يثبت أبطال الحجارة، وأن يحول حالهم إلى أبطال للصواريخ وقاذفات اللهب في وجوه اليهود.

اذكروا.. حين تتأفف نفوسكم من المنكرات التي شاعت في كل مكان، والمفاسد التي سدت عليكم كل طريق، مما يؤذي العيون والأسماع، من أخبار الساقطات والمرتشين واللصوص، والكذابين والمنافقين، والملحدين.

اذكروا.. أن هيئة كريمة نصبت نفسها للإسلام تنشره، وللشباب تربيه وتَنصُره، وللأمة كلها تعمل على رفع شأنها وسلطانها وسيادتها بين أمم الأرض.

هذه الهيئة الإسلامية العالمية وقفت لها اليهودية والصليبية في كل طريق، وقد حوربت أشنع حرب، وافتري عليها أشد الافتراء، وحُلَّت منذ بضع وثلاثين سنة، وتواصى كل الطغاة على حربها، إنها أمل كل المسلمين في الأرض، وإن أموالها التي جمعتها من الحلال سلبت، وإن شركاتها التي أسست على أساس الاقتصاد الإسلامي صودرت ونهبت، وإن صحفها التي كانت تكتب عن منهج الإسلام وترشد إليه وتدافع عنه عُطِّلت، وإن أرواحًا بريئة جاهدت اليهود في فلسطين والاستعمار في القناة أزهقت، وأن دماء شريفة زكية كانت تفور غيرة لدين الله وتمتلئ بحب الإسلام قد سفكت، وإن دورًا عامرة كانت تربي الرجال وتصنع الأبطال قد خربت، وإن مدارس ومعاهد ومستشفيات ومؤسسات كانت تخدم المسلمين قد أغلقت.

اذكروا هذا أيها المسلمون.. واذكروا أن الله ثبت رجالها وحفظ شبابها وفضح أعداءها، واضرعوا إلى الله أن يقرب يوم عودتها إلى الميدان، تطهره من الدخلاء، وتعلم الناس جميعًا السماحة والمروءة والرجولة، وتعودهم الأخلاق الحسنة.

نعم، تعود إلى الميدان تجمع المسلمين ولا تفرقهم، وتقرب ما بينهم ولا تباعدهم، تحمل نصيبها من الجهاد في سبيل الله، وتمد يدها إلى الحيارى والمعذبين في الأرض، لقد كانت ومازالت غايتها نبيلة، وأهدافها سامية، ووسائلها شريفة.

أيها المسلمون.. اذكروا كل هذا وأكثر منه في عيدكم هذا، واعلموا أن النصر قريب، وأن مع العسر يسرًا، وغدًا سيأتي العيد الذي يرد فيه للإسلام اعتباره، ولدعاته حريتهم وحقهم، وفيه يعلو دين الله ويحكم كتابه.

إن أمة هذا شأنها جديرة أن تصحو على صوت النذير، وأن تفيء إلى الحق، حتى يكون العيد في معناه كما أراد الإسلام..فاتحة عودة صادقة إلى ما صلح عليه أمر الأمة في ماضيها العريض.

 

وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين .

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply