بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، ومن والاه. وبعد:
فبالنظر إلى أعياد الكفار وما يحدث في أثناء الاحتفال بها نجد أنها مشتملة على ما يجرح الأدب وما يفضي إلى الحرمات وما يدعو إلى الانحلال ونبذ الأخلاق، كل هذا مباح عند أربابها بحجة أنها أيام أعياد وأيام فرح وسرور، فلا وازع ديني يمنعهم ولا خلقي يردعهم.
فضلاً عن عدم وجود ضابط لتلك الأعياد لدى الأمم والشعوب، حيث تنوعت من عهد إلى عهد ومن عصر إلى آخر، وكانت تقل وتكثر ويزاد فيها وينقص لعدم ثباتها على أصل ولمجاراة الأهواء فيها، فتتغير أسماؤها وتتعدل مواقيتها ومراسم تقاليدها، والاحتفال بها بتطور الزمن وتغير الأفكار.
وذلك أن جلها من وضع البشر القاصر، حيث نجدها تفتقر إلى وجود العبادة والأخلاق النبيلة فيها، ومع هذا فهي أعياد ضيقة محدودة في إطار معينº لأن أصل قيامها على حب الهوى والشهوة، أو الأساطير والخرافة، ويتجلى ذلك في عنايتها بالجانب المادي فقط.
فجل الأعياد غير الإسلامية تعتني بالجوانب المادية، وإشباع اللذات الحسية وعدم العناية بالجانب الروحي الذي ينمي الأخلاق، ويزرع الصفات الحسنة النبيلة، حيث نجد أن أصحاب هذه الأعياد والمحتفلون بها، قد وقعوا في براثن الرذيلة فسايروا في احتفالاتهم شهواتهم، وطلبوا إشباعها بدون ضابط، فاتسمت بالمادية وأفرطت في الأنانية والبعد عن المصلحة العامة، التي فيها التكافل والرفعة للفرد والمجتمع، فضلاً عن الطاعة والعبادة لله.
وهذا هو حال الأعياد التي قبل الإسلام، أو التي ابتدعت على غرار تلك الأعياد.
وبنظرة يسيرة على الأعياد الشرعية نجد أنها تتميز على غيرها بجوانب، وذلك أن مصدرها عن طريق الوحي الكتاب والسنة الذي قال فيهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: {تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنتي}.
من أجل هذا تنفرد الأعياد الشرعية بخصائص تميزها عن سائر الأعياد الأخرى منهـا:
1- الثبات في العدد والتسمية:
من المعلوم أن الأعياد غير الشرعية لا تثبت على عدد معين ولا على اسم واحد، بل تتغير وتتبدل ويزاد فيها وينقص بحسب أصحابها، ومن يحتفل بها من زمن إلى آخر.
أما الأعياد الشرعية فهي ثابتة من ناحية العدد والاسمº لأنها بوحي من الله فعددها ثلاثة وأسماؤها هي: [عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الجمعة].
ويلحق بعيد الأضحى أيام التشريق، ويوم عرفة، فالأعياد الشرعية إذاً سبعة أيام فقط كما دلت على ذلك النصوص الشرعية الصحيحة التي تقدم بيانها. وماعداها فلا أصل له في الشريعة فيكون محدثاً مبتدعاً.
فالأعياد الشرعية إذاً ثابتة العدد فلا تزيد ولا تنقص، ثابتة الأسماء فلا تتغير ولا تبدل، وهي باقية على ذلك كما شرعها الله لعباده.
ومن هنا ندرك سر قلق الأعياد غير الشرعية وعدم ثباتها لعدم قيامها على وحي من الله، فهذا الثبات وعدم الاضطراب في الاسم والعدد أحد خصائص ومميزات أعيادنا الشرعية.
2- الثبات في الأزمنة:
مما تتميز به الأعياد الشرعية كونها في زمن محدد معلوم، وهذا ما تفتقر إليـه كثير من الأعياد الأخرى.
فنجد أن عيد الفطر: يكون في أول يوم بعد شهر رمضان أي في اليوم الأول من شهر شوال.
وعيد الأضحى: في العاشر من شهر ذي الحجة.
وعيد الجمعة: هو العيد الذي يتكرر في كل أسبوع ويقع في يوم الجمعة.
وبناءً على هذا يتضح أن الأعياد الشرعية زمنها محدد، حيث تأتي في وقت معلوم، فيحتفل بها العالم الإسلامي أجمع كما أنها تأتي في جميع فصول السنة، وذلك لأنها مبنية على التوقيت القمري الذي يختلف موقعه من فصول السنة فلا يقتصر الاحتفال والبهجة بالعيد على موسم دون موسم، أو فصل دون فصل، بل يشمل جميع المواسم وجميع الفصول.
وفي ذلك يقول العقاد: وذلك أن التوقيت بالأشهر القمرية في حساب العيدين الإسلاميين كان له أثر في تنزيه هذين العيدين عن كل صلة بالعقائد الجاهلية التي سبقت فى دعوة الإسلام، فلا ارتباط لهما اليوم بمواقيت عبادة الطبيعة، أو عبادة الكواكب، وليس لهما قوام من الذكريات المادية أو المعاني النفعية، فقد يعود الصيام في أشهر الصيف كما يعود في أشهر الشتاء، وقد يجب الحج مع أوان المرعى والسقاية كما يجب مع كل أوان، وهو عدل في توزيع أيام الفرائض يناسب العدل في تكاليف الدين وأعباء الواجبات.
ويناسب العدل في أحوال الأمم التي تؤدي الفرائض وتنهض بتلك الأعباء، ومنها أمم الرعاية والزراعة وأمم التجارة والصناعة وأمم تقيم في كل مناخ وكل إقليم.
3- الثبات في الاحتفال بها:
بالتأمل في طريقة الاحتفال بالأعياد نجد أنها تختلف من شعب لآخر ومن عصر لعصرº وذلك حسب العادات والتقاليد الخاصة بالاحتفال بالعيد، والأعياد مظهر من مظاهر الأمم والشعوب يتضح من خلالها قيمة ذلك الشعب وتلك الأمة، من حيث الرقي والانحطاط ومن حيث الرشد والضلال والاستقامة والانحراف.
فيتفاوتون في كيفية الاحتفال وغالباً ما يحكم ذلك سبب هذا الاحتفال فقوام الاحتفالات غير الشرعية اللهو المحرم، والمجون الذي يخدش الحياء ويزيل المروءة.
كما قد يكون سبب هذا العيد ولادة ملك أو وفاة عظيم أو وجود حادثة كونية، أو غير ذلك من الأسباب التي يعتز بها ذلك الشعب، أو تلك الأمة، وهذه هي حال احتفالات الأمم السابقة من اليهودية، أو النصرانية أو المجوسية، وكذلك حال الأعياد المبتدعة.
ومن أغرب العادات والتقاليد في الاحتفال بالأعياد ما يحكيه اليعقوبي عن الصينيين في أحد أعيادهم حيث قال: ولهم أعياد لأصنامهم، أعظمها عيد في أول السنة، يقال له: الزارار، يخرجون إلى مجمع، ويعدون فيه الأطعمة والأشربة، ثم يأتون برجل قد حبس نفسه على ذلك الصنم العظيـم، وعلى جميع شهواته، وتمكن من كل ما يريد، فيتقدم إلى ذلك الصنم، وقد صبر على أصابع يده شيئاً يشعل النار، ثم يحرق أصابعه بالنار ويسرجها بين يدي ذلك الصنم حتى يحترق، ويقع منها ميتاً فيقطع، فمن نال منه شظية، أو خرقة من ثيابه، فقد فاز ثم يأتون برجل آخر يريد أن يحبس نفسه للصنم للسنة الجديدة، فيقف موضعه ويلبس الثياب ويضرب عليه الصنوج، ثم يفترقون، فيأكلون ويشربون ويقيمون أسبوعاً وينصرفون.
أما الأعياد الشرعية فقد بين الله - سبحانه وتعالى - كيفية الاحتفال بها، حيث جعلها مشتملة على ما يغذي الروح والبدن من الصفات العليا والقيم المثلى، التي تعود على المجتمع بالخير والصلاح والتي تقوي صلة العبد بربه.
فطريقة الاحتفال بالأعياد الشرعية ثابتة وهادفة لا تختص بفرد دون فرد ولا إقليم دون إقليم، بل تشمل جميع الأمة الإسلامية.
لأنها لا صلة لها بعظيم من العظماء ولا بولايته أو ولادته ولا بحياته أو موته، فلا ارتباط لها بشخص من الأشخاص أو فعل من الأفعال أو ظاهرة كونية أو حادثة وطنية من الحوادث، بل إنها تسمو عن ذلك كله فشعار الاحتفال بالأعياد الشرعية إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، والصلاة والصدقة والبر والإحسان والتكافل بين المجتمع صغيرة وكبيرة غنية وفقيرة.
وذلك لارتباطها بعبادات عظيمة وتشريعات جليلة، فعيد الفطر يعقب صوم رمضان وشرعت فيه صدقة الفطر، وعيد الأضحى يأتي عقب الحج وشرعت فيه الأضحية، وعيد الجمعة عقب الصلوات المفروضة ويستحب فيه الصدقة.
فهذه بعض ما تتميز به الأعياد الشرعية على غيرها، فهي تواد وتراحم وتعاطف وتكافل، متع حلال، وفرح وسرور مع شكر الله - عز وجل - وإخلاص العبادة له.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد