العيد : أحكام وآداب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

حكم صلاة العيد:

عيد الفطر من صوم رمضان، وهو مرتب على إكمال صيام رمضان، الذي فيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهو يوم الجوائز لمن صام رمضان فصان الصيام، وقام فيه فأحسن القيام، وأخلص لله - تعالى -في أعماله، وهو يوم واحد أول يوم من شهر شوال.

صلاة العيد واجبة على الأعيان، في الصحيح من أقوال العلماء، حيث ( أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الناس بالخروج إليها حتى العواتق والحيض يشهدن الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى)(متفق عليه). ولولا رجحان مصلحتها على كثير من الواجبات لما حض عليها هذا الحض. [1]

قال شيخ الإسلام: ولهذا رجحنا أن صلاة العيد واجبة على الأعيان. وقول من قال: (لا تجب) في غاية البعدº فإنها من شعائر الإسلام، والناس يجتمعون لها أعظم من الجمعة، وقد شرع لها التكبير، وقول من قال: (هي فرض كفاية) لا ينضبطº فإنه لو حضرها في المصر العظيم أربعون رجلاً لم يحصل المقصودº وإنما يحصل بحضور المسلمين كلهم كما في الجمعة[2].

 

وقتها:

من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال، قال ابن بطال: (أجمع الفقهاء على أن صلاة العيد لا تُصلى قبل طلوع الشمس ولا عند طلوعها، وإنما تجوز عند جواز النافلة)[3]، وقال ابن القيم: (كان - صلى الله عليه وسلم - يؤخر صلاة عيد الفطر ويعجل الأضحى، وكان ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة لا يخرج حتى تطلع الشمس)[4].

 

صفة صلاة العيد:

\"يصلي الإمام في الناس ركعتين بلا أذان ولا إقامة، يكبر في الأولى سبعا بتكبيرة الإحرام، وبالثانية خمسا سوى تكبيرة الإحرام، يرفع يديه مع كل تكبيرة، ويحمد الله، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - بين كل تكبيرتين، ثم يقرأ الفاتحة وسورة، يجهر بالقراءة فيها، فإذا سلم خطب بهم خطبتين كخطبتي الجمعة، إلا أنه يذكر في كل خطبة الأحكام المناسبة للوقت \"[5]. ومن السنة أن يخصص للنساء موعظةº لما جاء في حديث جابر - رضي الله عنه -: (..فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكّرهن وهو يتوكأ على بلال)[6].

يستحب للناس التكبير في ليلتي العيدين في مساجدهم ومنازلهم وطرقهم مسافرين كانوا أو مقيمينº لظاهر الآية: )وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُم()البقرة: 185)، ويكبرون في الطريق إلى العيد، ويرفعون أصواتهم به، وقد جاء فيه آثار كثيرة جداً عن الصحابة والتابعين [7].

والنساء يكبرن ولكن بخفض الصوت، لما جاء في حديث أم عطية: (.. حتى نخرج الحُيّض فيكُنّ خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم ويدعنّ بدعائهم... )[8].

السنن والمندوبات في العيد:

أولاً: التكبير في العيد.

\"اَللَّهُ أَكبَرُ، اَللَّهُ أَكبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكبَرُ اَللَّهُ أَكبَرُ وَلِلَّهِ اَلحَمدُ\".

 

ثانياً: الغسل والزينة:

قال البخاري: باب في العيد والتجمل فيه، ثم ساق فيه حديث ابن عمر - رضي الله عنهما -، قال: (أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، ابتع هذه تجمّل بها للعيد والوفود... ) الحديث[9]. والتجمل يكون في اللباس والهيئة، وذلك يختلف باختلاف الناس واختلاف البلاد[10].

 

ثالثاً: الأكل قبل العيد:

أ- قال أنس بن مالك - رضي الله عنه -: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات) وفي رواية: (ويأكلهن وتراً)[11].

ب- وفي لفظ آخر قال أنس: (ما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فطر حتى يأكل تمرات ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً) [12]. قال الحافظ: وهو صريح في المداومة على ذلك [13].

ج- وعن بريدة - رضي الله عنه -: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم النحر حتى ينحر)[14]. فدلت الأحاديث السابقة على أنه كان يداوم على الأكل في عيد الفطر قبل الصلاة.

وتلمّس الحافظ بعض الحِكَم لتعجيل الأكل يوم الفطر، ومنها[15]:

1- حتى لا يظن اتصال الصيام إلى صلاة العيد.

2- المبادرة إلى امتثال أمر الله - تعالى -بالفطر.

ويرى بعض العلماء أنه لو أكل التمرات بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الفجرحصل المقصودº لأنه أكلها في النهار، والأفضل إذا أراد الخروج للعيد[16].

 

رابعاً: خروج النساء والصبيان:

أ- أما النساء ففيه حديث أم عطية: \"أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نخرجهن في الفطر والأضحى: العواتق وذوات الخدور، فأما الحُيّض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين\"[17].

ويجب عليهن التستر وعدم السفور والطيب والزينة التي فيها فتنة للرجالº وذلك لنصوص أخرى ليس هذا مجال سردها.

ولم يُصِب من رأى منعهن في الأزمنة المتأخرة لكثرة الفساد، ولو حصر المنع في السافرات المتساهلات بالحجاب لكان صحيحاً، أما التعميم فلاº لأمرِ النبيº حتى قال شيخ الإسلام: وقد يقال بوجوبها على النساء[18].

ب- وأما خروج الصبيان فقد بوّب عليه البخاري ثم ساق حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: خرجت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خطب [19]... وفي رواية: (ولولا مكاني من الصغر ما شهدته) أي لولا منزلتي عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ما شهدته.

ويشترط في خروج الصبي أن يضبط نفسه عن العبث، وأن يعقل الصلاة ويتحفظ مما يفسدها.. وتعقبه الحافظ: بأن مشروعية إخراج الصبيان إلى المصلى إنما هو للتبرك وإظهار شعائر الإسلام بكثرة من يحضر منهم، ولذلك شرع للحُيّضº فهو شامل لمن تقع منهم الصلاة أو لا[20].

 

خامساًً:التهنئة بالعيد:

أ- عن جبير بن نفير قال: (كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبّل الله منا ومنك)[21].

ب- وعن محمد بن زياد قال: (كنت مع أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - وغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانوا إذا رجعوا يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك).

وصيغة التهنئة بالعيد تكون بحسب عرف أهل البلد ما لم تكن بلفظٍ, محرم أو فيه تشبه بالكفارº كأن يأخذ ألفاظ تهنئتهم بعيدهم.

 

سادساً: مخالفة الطريق:

روى جابر - رضي الله عنه -: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم عيد خالف الطريق)[22]. وفعله - صلى الله عليه وسلم - تلمّس له العلماء حِكَماً عديدة جمع الحافظ منها أكثر من عشرين حكمة[23].

1.   لإظهار شعائر الإسلام.

2.   ليشهد له الطريقان.

3.   لإظهار ذكر الله ـ - تعالى -.

4.   لإغاظة المنافقين أو اليهود.

5.   السلام على أهل الطريقين.

6.   أو تعليمهم.

7.   أو الصدقة.

8.   أو ليصل رحمه.

 

سابعاًً: الفرح بالعيد:

أ- روت عائشة - رضي الله عنها -: (دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمارة الشيطان عند النبي؟! فأقبل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: (دعهما) فلما غفل غمزتهما فخرجتا)[24]. وفي رواية: (تغنيان بدف)[25].

وفي هذا الحديث: مشروعية التوسعة على العيال في أيام الأعياد بأنواع ما يحصل لهم من بسط النفس وترويح البدن من كلف العبادة، وأن الإعراض عن ذلك أولى، ومنه أن إظهار السرور في الأعياد من شعائر الدين [26].

فلنتأمل فضل الله - تعالى -: يفرح المسلمون بالعيد ويؤجرون على هذا الفرحº لأنه من شعائر الدين. وهذا الفرح يجب أن يكون في حدود المشروع، وأما إشغال الأعياد بالمنكرات والغناء فليس من الفرح المشروع، بل من نزغ الشيطان، ألا تراه في الرواية الأخرى قال: (تغنيان بدف) فيقتصر على ذلك، والزيادة عليه ممنوعةº لنصوص أخرى ليس هنا مجال ذكرها.

ب- اجتماع الناس على الطعام في العيد سنةº لما فيه من إظهار هذه الشعيرة العظيمة، قال شيخ الإسلام: جمع الناس للطعام في العيدين وأيام التشريق سنة، وهو من شعائر الإسلام التي سنها رسول الله [27].

تقبل الله منا ومنكم، وكل عام وأنتم بخير

 

----------------------------------------

[1] واختار القول بالوجوب ابن القيم والشوكاني وابن سعدي وابن عثيمين، ينظر: كتاب الصلاة، لابن القيم (11)، ونيل الأوطار (4/180) والمختارات الجلية، للسعدي (82) والشرح الممتع، للعثيمين (5/151).

[2] مجموع فتاوى شيخ الإسلام (23/161).

[3] فتح الباري (2/530).

[4] زاد المعاد (1/442).

[5] منهج السالكين لابن سعدي، بتصرف.

[6] أخرجه البخاري في العيدين (978) ومسلم في العيدين (885).

[7] ينظر مثلاً: الأوسط (4/249) والسنن الكبرى (3/279) والأم (1/ 231).

[8] أخرجه البخاري في العيدين (971) ومسلم في العيدين (890)

[9] صحيح البخاري، كتاب العيدين (948) وأخرجه مسلم في اللباس (2068).

[10] ينظر: الشرح الممتع (5/166).

[11] أخرجه البخاري في العيدين (953)

[12] أخرجه ابن حبان (2814)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

[13] فتح الباري (2/518).

[14] أخرجه أحمد (5/352) والترمذي في الصلاة (542) وصححه ابن حبان.

[15] فتح الباري (2/518).

[16] الشرح الممتع (5/161).

[17] أخرجه البخاري في العيدين (974) ومسلم في العيدين (890).

[18] الاختيارات الفقهية (82).

[19] أخرجه البخاري في العيدين (975).

[20] فتح الباري (2/540).

[21] الفتح (2/ 517).

[22] بوب عليه البخاري في صحيحه كتاب العيدين، ثم ذكره (986).

[23] فتح الباري (2/548).

[24] أخرجه البخاري في العيدين (949) ومسلم في العيدين (892).

[25] هذه الرواية لمسلم (892).

[26] فتح الباري (2/514).

[27] مجموع الفتاوى (25/298).

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply