العيد مقاصد وحكم


بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

اعلموا عبادَ الله أنَّ لكلِّ أمّةٍ, مِن الأمَم عيدًا يعود عليهم في يومٍ, معلوم، يتضمَّن عقيدتَها وأخلاقَها وفلسفةَ حياتِها، فمِن الأعيادِ ما هو منبثِق مِن الأفكارِ البشريّة البعيدة عن وحيِ الله - تعالى -، وهي أعيادُ الأمم غيرِ الإسلاميّة، وأمّا عيد الفطر وعيد الأضحى فقد شرعه الله - تعالى -لأمّة الإسلام، قال الله - تعالى -: "لكل أمة جعلنا منسكا" {الحج: 34}، روى ابن جرير في تفسيره عن ابن عبّاس قال: (منسكًا أي: عيدًا)، فيكون معنى الآية أنّ الله جعل لكلّ أمّة عيدًا شرعيًّا أو عيدًا قدريًّا.

بالأمس فرَض الله عليك الصومَ، واليومَ أوجب الله عليك الفطر، عن أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - أنّ رسول الله نهى عن صيامِ يومين: يوم الفطر ويوم النّحر. رواه البخاري ومسلم. لتستسلمَ وتنقاد أيّها المسلم لشرع الله استسلامَ العبدِ الخاضع لمولاه الذي يرجو رحمةَ الله ويخاف عذابَه.

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

من معاني العيد:

أيّها المسلمون، العيدُ يتضمّن معانيَ ساميةً جليلة ومقاصدَ عظيمة فضيلة.

أُولى معانِي العيدِ في الإسلام توحيدُ الله - تعالى -بإفراده - سبحانه - بالعبادةِ في الدّعاء والخوف والرّجاء والاستعاذة والاستعانة والتوكّل والرغبة والرهبة والذّبح والنذرِ وغير ذلك من أنواعِ العبادة، وهذا التوحيدُ هو أصل الدّين الذي ينبني عليه كلٌّ فرعٍ, من الشريعة، وهو تحقيق معنى "لا إله إلا الله" المدلولِ عليه بقوله - تعالى -:" إياك نعبد وإياك نستعين " {الفاتحة: 5}، الذي نقرؤه في صلاةِ العيد وفي غيرِها من الصّلوات، والتوحيدُ هو الأمر العظيم الذي بتحقيقه يدخل الإنسان جنّاتِ النعيم، وإذا ضيَّعه الإنسان لا ينفعه عمَل.

والمتأمِّل في تاريخ البشريّة يجِد أن الانحرافَ والضلالَ والبدع وقع في التّوحيد، فتمسَّك أيّها المسلم بهذا الأصلِ العظيم، فهو حقّ الله عليك، وعهدُ الله الذي أخذه على بني آدم في عالَم الأرواح، وقد أكَّد القرآنُ العظيم توحيدَ الله بالعبادَة وعظَّم شأنَه، فما من سورةٍ, في كتاب الله - تعالى - إلاّ وهي تأمر بالتوحيد نصًّا أو تضمّنًا أو التزامًا، أو تذكر ثوابَ الموحّدين أو عقوباتِ المشركين، فمن وفى بحقّ الله - تعالى - وفى الله له بوعدِه تفضٌّلاً منه - سبحانه وتعالى -، عن معاذِ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: "حقّ الله على العبادِ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحقّ العباد على الله أن لا يعذّبَ من لا يشرك به شيئًا" رواه البخاري. فالتّوحيد أوّل الأمر وآخره.

وثاني معاني العيدِ تحقيق معنى شهادة أنّ محمّدًا رسول الله - عليه الصلاة والسلام - التي ننطق بها في التشهّد في صلاةِ العيد وغيرها من الصلوات، إذ معنى شهادةِ أنّ محمّدًا رسول الله طاعة أمره واجتنابُ نهيه وتصديق أخباره وعبادةُ الله بما شرَع مع محبّته وتوقيرِه، قال الله - تعالى -: قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين {النور: 54}.

ومِن حكم العيدِ وعظيم فوائدِه التكافلُ الاجتماعيّ بين المسلمين، ومِن مظاهر هذا التّكافل الإسلاميّ زكاةُ الفطر التي فرضَها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - على المسلم صَغيرًا كان أو كبيرًا، كما في حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - قال: كنّا نخرج زكاةَ الفطر صاعًا من طعام أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تَمر أو صاعًا من أقِط أو صاعًا من زبيب. متّفق عليه. ويجزئ هذا المقدارُ من كلّ حبٍّ, يقتاتُه أهل كلّ بلد كالأرز والذّرة والدٌّخن ونحو ذلك، وقد استحبّ كثير من أهلِ العلم إخراجَ هذه الزكاة يومَ العيد قبل الصلاة، وإن كان جائزًا إخراجُها قبل العيد بيوم أو يومين. وهي طهرةٌ للصّائم من اللّغو والرّفث وطعمة للمساكين، ومع أنّها بهذه الصّفة فهي مع ما يتصدّق به المسلم لتأمين مطالبِ العيد للمحتاجين سدُّ لحاجة الفقراءِ والمساكين وتراحمٌ وتعاطفٌ بين أعضاءِ المجتمع الإسلاميّ كما روى البخاري ومسلم من حديث النّعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمِهم وتعاطفهم مثَل الجسدِ الواحد، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسدِ بالسّهر والحمّى".

ومِن حكمِ العيد وعظيمِ نفعِه التواصلُ بين المسلمين والتزاور وتقاربُ القلوب وارتفاع الوحشة وانطفاء نارِ الأحقادِ والضغائن والحسَد. فاقتدارُ الإسلام على جمعِ المسلمين في مكانٍ, واحد لأداء صلاةِ العيد آيةٌ على اقتداره على أن يجمعَهم على الحقّ، ويؤلِّفَ بين قلوبِهم على التقوى، فلا شيءَ يؤلِّف بين المسلمين سِوى الحقّ لأنّه واحد، ولا يفرّق بين القلوبِ إلا الأهواء لكثرتِها.

والمحبّةُ بين المسلمين غايةٌ عظمى من غاياتِ الإسلام، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله: "لا تدخلوا الجنّة حتى تؤمِنوا، ولا تؤمِنوا حتّى تحابّوا، أوَلا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلامَ بينكم" رواه مسلم.

ومِن حِكَم العيدِ ومنافعِه العظيمةِ شهودُ جمع المسلمين لصلاةِ العيد، ومشاركتُهم في بركة الدّعاء والخير المتنزّل على جمعِهم المبارك، والانضواءُ تحت ظلال الرحمَة التي تغشى المصلين، والبروزُ لربّ العالمين، إظهارًا لفقر العبد لربّه، وحاجته لمولاه، وتعرٌّضًا لنفحات الله التي لا تُحدٌّ ولا تُعدٌّ، عن سعيد بن أوس الأنصاريّ عن أبيه مرفوعًا: "إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبوابِ الطّرق فينادون: اغدوا يا معشرَ المسلمين إلى ربّ كريم، يمنّ بالخير ثمّ يثيب عليه الجزيلَ، لقد أمِرتم بقيام الليل فقمتُم، وأمِرتم بصيام النهار فصمتُم، وأطعتم ربَّكم، فاقبضوا جوائزَكم، فإذا صلّوا نادَى منادٍ,: ألا إنّ ربّكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالِكم، فهو يوم الجائزة، ويسمّى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة" رواه الطبراني في الكبير، وروي عن ابن عبّاس مرفوعًا: "إذا كان عيد الفطر قال الله لملائكته: ما جزاءُ الأجير إذا عمِل عمله؟ قالوا: إلهنا وسيّدنا، أن توفِّيَه أجرَه، قال الله: أشهِدكم أنّي قد جعلتُ ثوابَهم من صيامِهم وقيامهم رضواني. فوَعزّتي وجلالي، لا يسألوني في جمعِهم هذا لآخرتهم إلاّ أعطيتهم إيّاه، ولا لدنياهم إلاّ نظرتُ لهم، انصَرفوا مغفورًا لكم".

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

أيّها المسلمون، إنّ من غايات العيد أيضًا ومنافعه إعلانَ تعاليم شرائع الإسلام ونشرَها في المجامع ومشاهدِ المسلمين، وتبليغها على رؤوس الأشهاد، ليأخذها ويتلقّاها الجيل عن الجيل، والآخرُ عن الأوّل، علمًا وعملاً تطبيقيًّا، فتستقرّ تعاليمُ الإسلام في سويداء القلوب، ويحفَظها ويعمل بها الكبير والصغيرُ والذّكر والأنثى، وخطبةُ العيد التي شرعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشتمِل على أحكامِ الإسلام السّامية وتشريعاتِه الحكيمة. وظهور فرائضِ الإسلام وتشريعاته وأحكامِه هي القوّة الذاتية لبقاء الإسلام خالدًا إلى يوم القيامة، فلا يُنسى، ولا يُغيَّر، ولا تُؤوَّل أحكامه، ولا تنحرِف تعاليمه.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عبادَ الله، الصلاةَ الصلاةَ فإنّها عِماد الإسلام، وناهيةٌ عن الفحشاء والآثام، وهي العهد بين العبد وربِّه، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيَّعها فهو لما سواها أضيَع، وأوّل ما يُسأل عنه العبد، فإن قُبِلت قبِل غيرها من الأعمال، وإن ردَّت رُدَّ سائِر العمل. وأدّوا زكاةَ أموالكم طيّبةً بها نفوسُكم، تطهِّروا بها نفوسَكم، وتحفَظوا بها أموالَكم من المهالِك، وتحسِنوا بها إلى الفقراء والمساكين من المسلمين، وتثابوا على ذلك أعظمَ الثّواب، فقد أعطاكم الكثير، وأمركم بإخراج اليسير. وصوموا شهرَ الصيام، وحجّوا بيتَ الله الحرام، فإنّهما من أعظم أركانِ الإسلام.

وعليكم ببرِّ الوالدين وصِلة الأرحام والإحسان إلى الفقراء والأيتام، فذلك عملٌ يعجِّل الله ثوابَه في الدنيا مع ما يدَّخر الله لصاحبه في الآخرة من حُسن الثّواب، كما أنَّ العقوقَ والقطيعة ومنعَ الخير ممّا يعجّل الله عقوبته في الدنيا، مع ما يؤجَّل لصاحبه في الآخرةِ من أليمِ العقاب.

وارعَوا معشرَ المسلمين حقوقَ الجار ففي الحديث: "لا يؤمِن من لا يأمَن جاره بوائقَه" أي: شرَّه. ومُروا بالمعروف، وانهَوا عن المنكر، فإنّهما حارسان للمجتمع وسياجان للإسلام وأمان من العقوباتِ التي تعمٌّ الأنام. وإيّاكم وأنواعَ الشرك التي تبطِل التّوحيد، التي يقع فيها من لا علمَ له كدعاء الأنبياء والصالحين والطواف على قبورهم وطلب الغوث منهم، أو طلب كشفِ الكربات والشدائد منهم، أو دعائهم دون الله بجلب النفع أو دفع الضرّ، أو الذبح أو النذر لغير الله، قال الله - تعالى -: " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا " {الجن: 18}، وقال - عز وجل -: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " {النساء: 48}.

وإيّاكم وقتلَ النّفس المحرّمة والزّنا، فقد قرن الله ذلك في كتابه بالشّرك بالله فقال: " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا " {الفرقان: 68، 69}، ومعنى أَثَامًا بئرٌ في قعر جهنّم، وفي الحديثِ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال المرء في فسحةٍ, من دينه ما لم يصِب دمًا حرامًا"، وعن الهيثم بن مالك الطائيّ عن النبيّ قال: "ما مِن ذنب بعد الشّرك أعظم عند الله من نطفةٍ, وضعها رجل في رحمٍ, لا يحلٌّ له" رواه ابن أبي الدنيا.

وعملُ قوم لوط أعظم من الزّنا، فقد لعن عليه الرسول. والسِّحاق نوعٌ من الزنا وخبثٌ من الخبائث المحرّمة. وإيّاكم والربا فإنّه محق للكسب وغضبٌ للرب، عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - مرفوعًا: "الرّبا اثنان وسبعون بابًا، أدناها مثلُ إتيان الرّجل أمَّه" رواه الطبراني في الأوسط.

وإيّاكم والتعرضَ لأموالِ المسلمين والمستضعفين، فإنّ اختلاطَه بالحلال دمارٌ ونار. وإيّاكم والرشوةَ وشهادةَ الزور فإنّها مضيِّعةٌ للحقوق مؤيِّدة للباطل، ومن كان مع الباطل أحلَّه دارَ البوار وجلَّله الإثمَ والعار، فقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشيَ والمرتشي، وقرن الله شهادةَ الزور بالشّرك بالله.

وإيّاكم والخمر وأنواعَ المسكرات والدّخان والمخدِّرات، فإنّها تفسِد القلب، وتغتال العقل، وتدمّر البدن الذي هو أمانة عندك، وتمسَخ الخُلُق الفاضل، وتُغضِب الربَّ، وتفتِك بالمجتمع، ويختلّ بسببها التدبير، عن جابر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كلّ مسكرٍ, حرام، وإنّ على الله عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيَه من طينة الخبال"، قالوا: يا رسول الله، وما طينةُ الخبال؟ قال: "عرَق أهل النار" أو "عصارة أهل النار" رواه مسلم والنسائي.

وإياكم والغيبة والنميمةَ فإنّ المطعون في عرضِه يأخذ من حسناتِ المغتاب بقدرِ مظلمتِه، عن حذيفةَ مرفوعًا: "لا يدخل الجنة قتَّات" يعني: نمّام. متفق عليه.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

قال الله - تعالى -: " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون " {الأنعام: 153}.

اعلموا عبادَ الله أنّكم في عيدكم هذا إمّا محسنٌ فيما مضى فليحمَدِ الله على ما منّ عليه من الطاعات، وليستقِم على الصّراط المستقيم حتّى يأتيَه الموت وهو على ذلك، وليخشَ على خاتمتِه، وإمّا مسيء فيما مضى فبابُ التوبةِ مفتوح، فليُصلح عمله فيما بقي من أجله، فإنّ أحدَنا لا يدري متى يأتيه رسولُ ربّه.

يا نساءَ المسلمين، اتّقين اللهَ - تعالى -في واجباتكنّ التي طوَّقت أعناقكنّ، أحسِنَّ إلى أولادكنّ بالتربية الإسلاميّة النافعة، واجتهدنَ في إعداد الأولاد إعدادًا سليمًا ناجحًا، فإنّ المرأة أشدٌّ تأثيرًا على أولادها من الأب، وليكن هو مُعينًا لها على التّربية، وأحسِنَّ إلى الأزواج بالعشرة الطيّبة، وبحفظ الزوج في عرضه ومالِه وبيته، ورعاية حقوق أقاربِه وجيرانه وضيفه، ففي الحديث عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا صلَّت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحجَّت بيت ربها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجَها، قيل لها: ادخلي الجنة من أيّ الأبواب شئتِ".

وعليكِ أيّتها المرأة المسلمة أن تشكري نعمةَ الله عليك حيث حفظ لك الإسلام حقوقَك كاملة، ولا تنخدِعي بالدّعايات الوافدة فإنّ مكانتك في هذه البلاد الإسلامية أحسنُ مكانةٍ, في هذا العصر، وتأمّلي أيتها المؤمنة حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: شهدتُ الصلاة يومَ الفطر مع رسول الله، فنزل نبيّ الله حتى أتى النساء مع بلال فتلا: " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم " {الممتحنة: 12}، ثم قال: "أنتن على ذلك؟ "، فقالت امرأة: نعم يا رسول الله. رواه البخاريّ. ولأحمد من حديث أميمة بنت رقيقة: "ولا تنوحي ولا تبرّجي تبرّجَ الجاهلية الأولى"، ولأحمد أيضا من حديث سلمى بنت قيس: "ولا تغششن أزواجكن". ومعنى "بهتان يفترينه": لا يلحِقن بأزواجهنّ غيرَ أولادهم، وهذا التشريع لكُنّ للعمل بالآية أبَدًا.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عبادَ الله، يُسنّ الغسل للعيد بعدَ الفجر، وإذا اغتسل قبلَ الفجر كأهلِ الحرمَين لمشقّة الرجوعِ إلى البيت فقد أجزأه، وأن يمسَّ من الطّيب، ويتهيّأ في سمتِه على ما أمر الشرع، ويخرجَ إلى العيد ماشيًا إن تيسّر وعُدِمت المشقّة، ويرجع إلى بيته من طريقٍ, أخرى استحبابًا، ويُسنّ التكبيرُ حتى يخرج الإمام للصّلاة، ويبتدئ من أوّل ليلة عيد الفطر، وصفته: الله أكبر يكرّره، أو يقول: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، ونحوه.

ومعنى التكبير تعظيم الله وتقديسه وتنزيهُه عن مشابهةِ خلقه، وتعظيم أمره فلا يضيَّع، وتعظيم نهيِه فلا ينتهَك، ومن حِكم التكبير إعلانُ انتصار نوازعِ الخير وصفاتِ الفضل في النّفس البشريّة على نوازع الشرّ وصفاتِه ومغالبةُ الهوى وقمعه وأسره واستصغار ما يحول بين المسلم وبين التقرّب إلى الله ويصدّ عن سبيلِ الله من هوًى أو شهوات أو أهل أو مال أو شيطان أو إنسان، فإنّ المسلم في جهادٍ, مع نفسه لربّه، وفي جهادٍ, مع شيطانه، وفي جهادٍ, مع المعوِّقات التي تحول بينه وبين مرضاة ربّ العالمين، ألا ترى أنّ التكبير يُشرَع في الجهادِ الأكبر ومشاهدةِ النّصر على الأعداء؟! فإنّ الاستعلاء على هوى النفس وعلى المعوّقات عن القربات انتصارٌ على الشرّ وأسبابه، فما أعظمَ المناسبة بين تمام الصّيام والتكبير، فالحمد لله الذي شرع لنا ما ينفعنا وعلّمنا ما لم نكن نعلم.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

عبادَ الله، إن عدوّكم إبليس وجنودَه كانوا مأسورين في رمضانَ، ويريد اللعين أن يأخذَ بثأره فيجعلَ الأعمال هباءً منثورًا، فادحروه بعزّة الله خائبًا مثبورًا، بالدّوام على التّقوى ليكون سعيُكم مشكورًا، " وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَت غَزلَهَا مِن بَعدِ قُوَّةٍ, أَنكَاثًا  " {النحل: 92}.

أيّها المسلمون، اشكُروا الله واحمدوه على نعمه الظّاهرة والباطنة، اشكُروه على نعمة الإسلام، واحمدوه على نعمةِ الأمن والإيمان وتيسٌّر الأرزاق وتوفّر المنافع والمرافق والتمتّع بالطيّبات التي لا تحصَى، واشكروا الله على اجتماعِ الكلمة في بلادكم هذه، واشكروه على إطفاء الفتَن عنكم التي تُستحلٌّ فيها الحرمات وتختلف فيها القلوب. وشُكر الله على ذلك بطاعة الله واجتناب معصيته وملازمة التوبة.

أيّها المسلمون، اعلموا أنّه ليس السعيد من تزيّن وتجمَّل للعيد فلَبِس الجديدَ، ولا من خدمته الدنيا وأتَته على ما يريد، لكنّ السعيد من فاز بتقوى الله - تعالى -، وكتب له النجاةَ من نار حرّها شديد، وقعرها بعيد، وطعام أهلها الزقّوم والضريع، وشرابهم الحميم والصّديد، وفاز بجنّات الخلدِ التي لا ينقص نعيمُها ولا يبيد.

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين .

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply