الصيف والعناية بالشباب


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 ملخص الخطبة

 1- التفكير في الفعل والقيام بالأفعال ملازم لكل إنسان. 2- الإنسان قابل لعمل الخير وقابل لعمل الشر. 3- منكرات ومخالفات تقع في الصيّف، وما يترتب عليها. 4- نصيحة للشباب في الاهتمام بأوقاتهم. 5- رسالة للوالدين وللمعنيين بأمر الشباب. 6- الوصية باستثمار الأيام قبل فواتها بالأعمال الصالحات.

 

الخطبة الأولى

 أما بعد:

فاتقوا الله بامتثال أمره الأكيد، وراقبوه مراقبة من يخشى العذاب الشديد.

أيها الناس، إن فترة الصيف فترةٌ فيها منافع، فمن انتفع بها بالأيام فقد أحسن إلى نفسه وإلى مجتمعه، ومن ضيع الساعات بلا مكاسب نافعة فقد أساء إلى نفسه وإلى مجتمعه، وإن الإنسان لا يمكن أن يبقى متوقفًا بلا حركة عَمَلٍ,º فقد خلقه الله بإرادة يتبعها عمل، وآتاه الله القدرات والصفات التي يتمكن بها من تحقيق الآمال، والقيام بالأفعال بإذن الله. والإنسان بين تفكير وإرادة وعمل دائمًا لا ينفك عن ذلك، كما قال النبي: ((أصدق الأسماء حارث وهمام))[1]. والمعنى: أن التفكير في الفعل والقيام بالأفعال ملازم لكل إنسان، فالحارث هو العامل، والهمّامُ هو المريد للأفعال.

 

والإنسان قابل لعمل الخير وقابل لعمل الشرº لما ركب الله فيه من الصفات، قال الله - تعالى -: (وَنَفسٍ, وَمَا سَوَّاهَا فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا قَد أَفلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَد خَابَ مَن دَسَّاهَا) [الشمس: 7-10] وقال - تعالى -: (إِنَّا خَلَقنَا الإِنسَانَ مِن نُطفَةٍ, أَمشَاجٍ, نَبتَلِيهِ فَجَعَلنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَينَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان: 2، 3]. فمن صَلُحَ وأَصَلَحَ في الدِّين والدنيا كان من المحسنين المصلحين، الذين وعدهم الله بقوله: (فَمَن آمَنَ وَأَصلَحَ فَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ) [الأنعام: 48]، وبقوله - تعالى -: (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجرَ المُصلِحِينَ) [الأعراف: 170]. ومن فَسَدَ في نفسه وأَفَسَدَ في الدِّين والدنيا كان من الشياطين المَخَزِيّينَ المخذولين، كما قال - تعالى -: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدٌّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ زِدنَاهُم عَذَابًا فَوقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفسِدُونَ) [النحل: 88]، وقال - تعالى -: (وَمِن النَّاسِ مَن يُعجِبُكَ قَولُهُ فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَيُشهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلبِهِ وَهُوَ أَلَدٌّ الخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرضِ لِيُفسِدَ فِيهَا وَيُهلِكَ الحَرثَ وَالنَّسلَ وَاللَّهُ لا يُحِبٌّ الفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتهُ العِزَّةُ بِالإِثمِ فَحَسبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئسَ المِهَادُ) [البقرة: 204-206].

 

 وقد بين الله - تعالى -أعمال الخير والشر، وأحل الحلال وحرم الحرام، وفَصَّلَ المباحات، فمن الناس من اغتنم الأوقات فَمَلأَ زمن عمره بالأعمال الصالحات، وانتفع بالمباحات ونفع المسلمين في دينهم ودنياهم، ففاز بخيري الدنيا والآخرة. ومن الناس من ضيع ساعات عُمُرِه في اللهو واللعب، ونسي حق ربه عليه، ولم يؤدّ حقوق الخَلَقِ فخسر خسرانًا مبينًا.

 

 وزمن الصيف وما شابهه يشاهد فيه الكثير من الشباب وغيرهم، ينتشرون في الشوارع والطرقات في ساعات الليل كُلِّهَا، ويَتَحَلّقُونَ على الأرصفة، ويرتادون المقاهي والمنتزهات، يسهرون الليل كلَّه ويعودون أنفسهم على ذلك، يقضون الأوقات على شرب الدُخَانِ والشِّيشةِ ونحوها، ويخوضون في أودية الكلام الذي يضر ولا ينفع، ويجرهم ذلك إلى مخاطر تضرهم في دينهم ودنياهم وصِحَتِهمِ، ويجعلون نومهم في النهار فيفوتون على أنفسهم مصالح كثيرة، ويضيعون فرصًا عظيمة، ويخسرون صلاة الفجر وغيرها، ويَعكِسون سنن اللهº فقد جعل الله الليل راحة وسَكَنًا، والنهار معاشًا وعملاً.

 

 إن على الشباب أن يدركوا ما ينفعهم فيجتهدوا في تحصيله مستعينين بالله - تعالى -، وأن يدركوا ما يضرهم فيبتعدوا عنه، كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجزنّ)) [2]. وكل يومٍ, لا يعود أبدًا فهو شاهد لك أو عليك.

 

 وعلى الوالدين والمعنيين أمانةٌ عظيمة، بأن يهيئوا للشباب ما يستثمرون به أوقاتهم، بإيجاد البدائل النافعة بتوجيههم إلى أنشطة المراكز الأمَيِنَة والدورات العِلميَّة النافعة، وحلقات العلم وتحفيظ القرآن وحضور المحاضرات، وامتصاص طاقاتهم في حدود المباح، وأن يراقبوا مداخل الشباب ومخارجهم، وألا يدعوهم نهبًا لجلساء السوء ونزوات الشباب، ومخاطر الفراغ ومُفَسِدِ العقائد والأفكار، ومجالس اللهو والضياع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، قال: قال رسول الله: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع في أهل بيته ومسئول عنهم، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عنه، والخادم راعٍ, في مال سيده ومسئول عنه، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) [3] رواه البخاري ومسلم.

 

ولَذَّةُ الحياة ونَعِيمُها في عبادة الله - تعالى -والجِّدِ والعمل بكل صالح مفيد، ونَكَدُ الحياة وتَعَاستُها وشقاؤها في معصية الله - تعالى -، وفي اللهو واللعب والكسل، واهتمامات البهائم والغفلة عن عواقب الأمور، قال الله - تعالى -: (اعلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدٌّنيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَينَكُم وَتَكَاثُرٌ فِي الأَموَالِ وَالأَولادِ كَمَثَلِ غَيثٍ, أَعجَبَ الكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغفِرَةٌ مِن اللَّهِ وَرِضوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدٌّنيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ سَابِقُوا إِلَى مَغفِرَةٍ, مِن رَبِّكُم وَجَنَّةٍ, عَرضُهَا كَعَرضِ السَّمَاءِ وَالأَرضِ أُعِدَّت لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ )[الحديد: 20، 21].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وبقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه غفور رحيم.

 

----------------------------------------

[1] أخرجه بهذا اللفظ ابن وهب في الجامع (ص7) قال: أخبرني داود بن قيس عن عبد الوهاب بن بُخت مرفوعًا.

قال الألباني في الصحيحة (1040): "وهذا إسناد مرسل صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم".

وللحديث شاهد ـ قد يتقوى به ـ من حديث أبي وهب الجشمي ـ وكانت له صحبة ـ قال: قال رسول الله: ((تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرّة)).

أخرجه أحمد (4/345)، وأبو داود في الأدب، باب: تغيير الأسماء (4950).

 [2] جزء من حديث أخرجه مسلم في القدر (2664). من حديث أبي هريرة.

 

[3] صحيح البخاري كتاب الجمعة، باب: الجمعة في القرى والمدن (893). وصحيح مسلم كتاب الإمارة (1829).

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه.

أما بعد:

فاتقوا الله - تعالى -وأطيعوه، وراقبوه مراقبة من يعلم أن الله مطلع على سِرِّه ونَجواه.

أيها المسلمون، يقول ربكم - جل وعلا -: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلتَنظُر نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ, وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُم الفَاسِقُونَ) [الحشر: 18، 19]. ومعنى نَسُوا اللَّهَ أي: نسوا أوامره ونواهيه فأنساهم أنفسهم، أنساهم أن يقدموا لأنفسهم خيرًا. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُم أَنفُسَهُم أُولَئِكَ هُم الفَاسِقُونَ لا يَستَوِي أَصحَابُ النَّارِ وَأَصحَابُ الجَنَّةِ أَصحَابُ الجَنَّةِ هُم الفَائِزُونَ [الحشر: 19، 20].

 

فيا عباد الله، استثمروا الأيام قبل فواتها بالأعمال الصالحات، وبما ينفعكم في دنياكم وأخراكم، فالحياة المباركة هي حياة العمل الصالح الذي يُصلِحُ كل شيء، والحياة الشقية هي الحياة التي يُضَيّعُ فيها الإنسان الأمانة، وفي الحديث عن النبي: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)) [1]. وفي الحديث أيضًا عن النبي: ((لن تزول قدما عبدٍ, يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه)) [2].

 

عباد الله، إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيمًا [الأحزاب: 56]. وقد قال: ((من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا))[3]. فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين.

 

 اللهم صل على محمد وعلى آله محمد...

----------------------------------------

 [1] أخرجه البخاري في الرقاق، باب: لا عيش إلا عيش الآخرة (6412).من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.

[2] أخرجه الترمذي في صفة القيامة (2417)، والدارمي في المقدمة (537)، وأبو يعلى (7434)، والطبراني في الأوسط (2191). من حديث أبي برزة الأسلمي.

 قال الترمذي: "حسن صحيح". وله شواهد انظرها في السلسة الصحيحة للألباني (946).

 [3] أخرجه مسلم في الصلاة (384)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply