بسم الله الرحمن الرحيم
ستنطلق قوافل السياح بعد أيام قلائل تجوب الأرض، وتقلع أسراب الطائرات متجهة إلى أقاصي الأرض، فمنهم من يبحث عن المناظر الخلابة والأجواء الساحرة، ومنهم من يفتش عن الأخبار الغريبة والعلوم العجيبة، ومنهم من يبحث في عادات الأمم وتقاليد الشعوب، حاملين معهم الأموال الطائلة عازمين على إنفاق أوقاتهم النفيسة وأعمارهم العزيزة في أصقاع المعمورة.
ولن أجعل من مقالي هذا حجر عثرة في طريقهم، بل أقول سيروا على بركة الله ما لم تغشو منكرا أو تقولوا زورا، ولكنني أريد أن أقول لكم كلمة، تنفعكم ولا تضركم، وتزيدكم ولا تنقصكم، وتسركم ولا تحزنكم، فيا ليتني أجد أذنا صاغية وقلب واع لما أقول.
إن السياحة ليست مشروعا طرأ على الأمم من غير نظير سابق، وليست اختراعا لم يعرف إلا في عصرنا، بل هو قديم قدم وجود الإنسان على الأرض، مذ رحلة آدم في بحثه عن حواء، ولكنها ذات وجوه فمنها السياحة للمتعة وهناك السياحة الطبية وهناك السياحة الاقتصادية وكذلك السياحة الاستكشافية العلمية...الخ.
ففي الإسلام كانت السياحة الاقتصادية - والتي كان يقوم بها تجار المسلمين والاستكشافية والتي كان يقوم بها جغرافيهم ومؤرخيهم - أبرز أنواع الأسفار في عصرهم.
كما أن السياحة الترفيهية والاستكشافية أبرز أنواع السياحة في هذا العصر، لكن للأسف أن النتائج هناك ليست كالنتائج هنا، فاؤلئك حرصوا أن يكونوا رسلا للإسلام حاملين همّ نشره بين الأمم ليخرجوهم من ظلمات الشرك والإلحاد إلى نور الإسلام، متمثلين بقوله - تعالى - (كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ, أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللّهِ) فهل تعلمون ماذا كانت نتائج سياحتهم وأسفارهم في أنحاء المعمورة؟ بأن الله أعطاهم بغيتهم فبارك الله لهم في مقصدهم الدنيوي وأغناهم من فضله، ولكن العظمة كل العظمة بأنهم لم يكونوا صناع مال فحسب بل صناع حياة، نعم لقد وهب الله الحياة الأبدية لأمم الأرض على أيديهم، فهذه اندونيسيا أكبر دولة إسلامية من حيث السكان ما كانت لولاهم، بل جنوب آسيا وعِدَّ من الدول فيها ما شئت، وهذه أفريقيا لا سيما جنوبها كالزنجبار وساحل العاج وغيرهما كثير فهل تعتقد أخي القارئ أن هذه الشعوب لولا جهود هؤلاء في الدعوة - بفضل من الله - عز وجل - كان لهم حظ من الإسلام، هل تعتقد أن المسلمين آنذاك عقدوا الاجتماعات المطولة، وعملوا ورش عمل لدعوة سكان هذه الدول أم إنه الدافع الإيماني لدى عامة المسلمين والذي دفع بأفرادهم بأن يقوموا جماعات وفرادى بإنقاذ البشرية من أوحال الكفر والضلال.
ألا ترغب أخي الحبيب - وكذلك أنت أختي الفاضلة - أن تكون من صناع الأمم والحضارات، ألا توجد بين خلجات نفسك تلك الجذوة الإيمانية التي لو نفخت فيها قليلا لأضاءت دروب البشرية؟
اعلم أن القصر الشامخ، والصرح العظيم، والسد المنيع، إنما يبدأ بنيانه بتلك الطوبة الصغيرة التي يضعها العامل على الأرض مؤذنا بها بداية العمل، ألا تود أن تكون صاحب تلك الطوبة حتى تغمر نفسك ببحور الحسنات؟
ألم يقل نبيك - صلى الله عليه وسلم - (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئا)؟ ألا تريد أن تغسل حياتك من الذنوب المتراكمة والخطايا المتزاحمة بفيض من النور الذي وعدنا الله به على الصراط (يَومَ تَرَى المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ يَسعَى نُورُهُم بَينَ أَيدِيهِم وَبِأَيمَانِهِم بُشرَاكُمُ اليَومَ جَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفَوزُ العَظِيمُ)؟.
فيا أحبتي السياح إليكم ما جادت به نفسي من أفكار دعوية تكون من خلالها سائحا مسلما جامع بين رضى ربك ورضى نفسك، بين الواجب الديني والنصيب الترفيهي فترجع من سفرك محملا بحسنات الأعمال لا أوزارها، والدرجات العلى لا بدركات الهاوية، فأقول:
1- كن سفيرا لدينك قبل أن تكون سفيرا لبلدك، فكثير من السياح يحرصون على سمعة بلدهم فتجدهم يتجنبون كثيرا من الأخلاق والسلوكيات حتى لا يلصقوا ببلدهم صفة سيئة وهذا جيد بلا شك، لكن الواجب على السائح أن يكون - مع ذلك - سفيرا لدينه، سفيرا للإسلام، بأن يوضح للآخرين بأن ما يقوم به هو واجب شرعي قبل أن يكون التزام وطني.
2- احرص أن يكون معك بعض الكتيبات والأشرطة والتي تكون بلغة البلد التي تزمع السفر لها، لتيسر لك سبيل الدعوة وتكسر حاجز اللغة والذي قد يعيقك في الدعوة.
3- حادثة مهمٌ ذكرها، الـIPC لجنة للتعريف بالإسلام في الكويت، لاحظت في إحدى العطل الصيفية بأن هناك إقبال شديد على موقعها من احد الدول الأوربية وهي بريطانيا، وبعد التتبع وجدت أن السبب أن هناك فتاة لم يتجاوز عمرها الأربعة عشر، قامت بوضع لافتة عليها عنوان سايدIPC، فتارة تجول في الهايد بارك وتارة في الأسواق وتارة... الخ مما لفت أنظار المارة فضلا على أنها كانت توزع العنوان على من ترى في الأماكن التي تجوبها مما دفع الفضول بالناس للدخول على هذا الموقع! أفلا ترون أنها طريقة مجدية في الدعوة.
4- ما الذي يمنع من أن تجلس مع صاحب التاكسي والذي استأجرت سيارته طوال اليوم أو النادل في الفندق أو الذي يجلس بجانبك في ذلك القارب وأنت في رحلة بحرية، أو تغدو على ذلك الرجل والذي جلس بمفرده يستمتع بالمناظر الجميلة على قمة جبل فتضيفه بكأس من عصير ليكون مفتاح الحوار بينكما، أو تدعو مجموعة السياح للصلاة إن حان وقتها لاسيما إن كنت في بلد مسلم، فتذهب لذلك الغربي الذي أخذ يلتقط لكم الصور وأنتم في صلاتكم لتشكره! وتبين له معنى الصلاة في دينك.
5- أن تلجأ لله بالدعاء بأن تكون مفتاح خير على هذه الأمة وداعية هدى ومبلغ للرسالة التي اصطفانا بها الله - تعالى -وجعلنا أمة وسطا، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (أن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه) فمن عزم على الخير وهداية الناس لاشك بأن مفاتيح الخير على يديه بعون من الله - تعالى -.
والآن فلتنطلق ركائبكم بحفظ ربكم، وأسأل الله الباري أن يحفظكم في حلكم وترحالكم، وترجعون لدياركم سالمين غانمين من خيري الدنيا والآخرة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد