بسم الله الرحمن الرحيم
إنما الإنسان أوقات وأيام، وما الأيام إلا صفحات تُطوى في كتاب حياتنا، وما الساعات في تلك الأيام إلا كالأسطر في صفحاتها، وسرعان ما تنتهي هذه الصفحات لننتقل إلى صفحات أخرى.. وهكذا تباعًا حتى تنتهي صفحات عمرنا.
وإنما تقدر قيمة الإنسان في دنياه وآخرته بقدر إحسانه في طي صفحات أيامه، وبقدر استثماره لأوقاته.
ولهذا كان السلف الصالح رضوان الله عليهم أحرص الناس على أوقاتهم كما أخبرنا بذلك الحسن البصري حين قال: "أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم".
ومن أجل ذلك يلفت النبي - صلى الله عليه وسلم - انتباهنا إلى أهمية الوقت وقيمته حين أخبرنا أن الإنسان يُسأل يوم القيامة عن وقته وعمره فيما أداه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزول قدم ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس: عن عمرهِ فيما أفناه، وعن شبابهِ فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وماذا عمل فيما علِم" رواه الترمذي.
ثم يدعونا النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى حسن الاستفادة من أوقات فراغنا واغتنامها واستثمارها في كل صالح مفيد فقال: (اغتنم خمسا قبل خمس.. -وعدّ منها- وفراغك قبل شغلك). رواه الحاكم.
واقتداء بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - في العناية بالوقت وحسن استثماره في الصالح النافع نقترح بعض الأنشطة والبرامج التي نرجو الله - تعالى -أن تكون عونًا للدعاة من الطلاب والعاملين في المهن التعليمية على حسن الاستفادة والانتفاع بإجازة الصيف.
لتكن لنا زادًا
من فضل الله علينا أن جعل لنا استراحات نتوقف عندها، لنستريح من عناء المسير، ونراجع فيها أنفسنا، ونتزود منها لنواصل السير في طريق الخير والحق والصلاح، فلتكن لنا هذه الإجازة محطة نتزود منها بزاد الإيمان والثقافة، ونستثمرها كذلك في تنمية مهاراتنا المختلفة.
1- نتزود بوقود الإيمان:
لنجعل هذه الإجازة استراحة إيمانية وواحة روحية تصفو فيها نفوسنا، وترتقي بها أرواحنا، ونستمتع فيها بحلاوة العبادة ولذة القرب من الله - تعالى -ومناجاته، ونأخذ منها الزاد لسيرنا. وإذا أردناها كذلك فلنهيئ أنفسنا ونعدها ونوطنها وندفعها لذلك الأمر، ولنرفع يد الضراعة إلى الله - تعالى -ونلح عليه - سبحانه - أن يعيننا على ذلك، ثم نخلو بأنفسنا لنسطر برنامجًا يساعدنا على أن نجعلها كذلك.
ومن الممكن أن يحتوي هذا البرنامج على عدة أمور منها:
- نجوِّد أداء الفرائض:
فهي أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه، وهي أحب الأعمال إليه - تعالى -كما بيَّن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي يرويه عن رب العزَّة: "وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضت عليه" رواه البخاري.
ومن الأمور التي تساعدنا على تجويد أداء الفرائض:
* التزام الصمت عند الأذان، وترديده مع المؤذن، ثم ذِكر الأدعية المأثورة بعده.
* الحرص على الذهاب إلى المسجد مبكرًا حتى لا تفوتنا تكبيرة الإحرام.
* مجاهدة النفس للتحلي بالخشوع في الصلاة.
* المواظبة على الأذكار المأثورة بعد أداء الصلاة.
* المحافظة على أداء النوافل القبلية والبعدية.
- نكثر من الحج والاعتمار:
ويمكنا الفوز بثواب الحج والعمرة بالانشغال بعد صلاة الفجر بذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم أداء ركعتين كما أخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: (مَن صَلَّى الفَجرِ في جَماعَةٍ, ثُمَّ قَعَدَ يَذكُرُ اللَّهَ - تعالى -حتَّى تَطلُعَ الشَمسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكعَتَينِ كانَت كأجرِ حَجَّةٍ, وَعُمرَةٍ, تامَّةٍ, تامةٍ, تامةٍ,) رواه الترمذي.
- نضاعف تلاوة القرآن:
فتلاوة القرآن من العبادات الروحية التي تسمو بصاحبها، وتدفعه إلى فعل الخيرات، وهو أفضل ما يُتقرَّب به إلى الله، وفي ذلك يقول الصحابي الجليل خباب بن الأرت: "تقرَّب إلى الله بما استطعت، فلن يُتقرَّب إلى الله بشيء أحب إليه مما خرج منه" يقصد القرآن، فلنضاعف قدر تلاوتنا في هذه الإجازة.
- لا يزال لسانك رطبًا بذكر الله:
ولنضع لأنفسنا وردًا من الأذكار المطلقة يوميّا، كالاستغفار والتسبيح والتهليل والصلاة على النبي… إلخ.
- دقائق الليل الغالية:
ليكن لنا ورد من قيام الليل، فقد سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ فقال: "أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة: الصلاة في جوف الليل" رواه مسلم.
2- نتزود بالعلم والثقافة:
ومن الضروري أن يستثمر الداعية هذه الإجازة في تنمية الجوانب العلمية والثقافية لديه، ويمكنه ذلك بوضعه برنامجا يحتوي على بعض الأفكار التي تساعده على تنمية هذه الجوانب، مثل:
- تحديد قدر مناسب من القرآن يتم حفظه ومراجعته يوميًا.
- تحديد عدد من الأحاديث النبوية الشريفة يتم حفظها خلال هذه الإجازة، مع مراعاة قراءة شرح مبسط لهذه الأحاديث.
- اختيار كتاب أو مجموعة من الكتب لمطالعتها خلال فترة الإجازة.
- انتقاء مجموعة من شرائط الكاسيت والفيديو والأسطوانات المدمجة CDs للاستماع إليها أو مشاهدتها خلال هذه الإجازة.
3- ننمي مهاراتنا وقدراتنا:
وتعد هذه الإجازة فرصة يمكن للدعاة أن ينموا فيها قدراتهم وإمكاناتهم ومهاراتهم في الجوانب المختلفة، مثل: مهارات القراءة والكتابة السريعة، ومهارات استخدام الكمبيوتر، وتعلم اللغات الأخرى، وتعلم فنون كتابة الخط العربي، ومهارات البحث والتعامل مع المراجع، ومهارات وفنون التعامل مع الآخرين، والإسعافات الأولية، والأشغال اليدوية… إلخ.
ومن الضروري أن نحدد بدقة ما نحتاجه بالفعل من مهارات، وما تسمح به ظروفنا أن نكتسبه خلال هذه الإجازة دون مبالغة أو إسراف في محاولة اكتساب العديد من المهارات دفعة واحدة، ثم لنشرع في تعلمها واكتسابها من خلال الانتظام في إحدى الدورات المتخصصة أو بالاستفادة من خبرات وتجارب أحد المتخصصين أو المتميزين في هذا الأمر أو بالقراءة عنه أو غير ذلك من الوسائل التي تساعدنا على اكتساب ما حددناه من مهارات.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد