منع المراكز الصيفية يقدم شبابنا على طبق من ذهب للذين يعملون في الظلام !


بسم الله الرحمن الرحيم

 

اليوم تبدأ بإذن الله إجازة نهاية العام الدراسي وهي إجازة صيف طويلة، وعلى الرغم من أن هذا اليوم يعتبره اليوم طلابنا وطالباتنا عيداً، فإنه في الوقت نفسه، ستبدأ منذ اليوم بعض مشكلات الإجازة الصيفية، وما أكثرها!

إذا نظرنا نظرة عامة لما سيفعله طلابنا وطالباتنا في الصيف فسنجد أن بعضهم سيعمل، وهؤلاء لا خوف عليهم بل هم المحظوظون فعلا بهذه الإجازة، للفائدة المادية والمعنوية التي سيجنونها من العمل. ولكن لنكن واقعيين فهذه الوظائف معظمها في المدن الكبرى والصناعية (الرياض، جدة، الدمام، الخبر، الظهران، الجبيل، ينبع)، بينما تتبقى مدن كثيرة أخرى، وقرى، بالكاد يجد فيها الرجال والنساء في سن العمل وظائف، ناهيك عن وجود وظائف صيفية للطلاب!

وآخرون من ذوي اليسار ستحلق بهم الطائرات إلى أصقاع العالم، وفئة أخرى، ستقضي وقتها في سياحة داخلية لبعض الوقت، وسيتبقى معها (مع ذلك) وقت كثير فائض، والبعض الآخر قد ينضم إلى نواد رياضية. فئات أخرى ستلتحق بالدورات المختلفة في الإنجليزية والحاسوب وغيرها، وهذه أيضا فئة محظوظة لأنها قادرة على دفع هذه المبالغ الفلكية، التي تثقل ميزانية أسرة لديها طفل واحد، فما بالكم بأسرنا التي نادرا ما يقل عدد أبنائها عن (نصف دستة)!

وبعيدا عن هؤلاء الذين سيجدون شيئا يفعلونه، فهناك فئات أخرى، ليس لديها فعلا ما تفعله. بعضهم سيمارس هواياته الضارة بالمجتمع فينطلق في ممارسة الغزل والمعاكسات في مدننا التي تحولت إلى مراكز تجارية.

وهناك مجموعة أخرى لا تجد نفسها في كل ما سبق من أنشطة وأعمال، كما أنها ملّت من المغازلات والتسكع، وتريد أن تفعل شيئا مفيدا. ولأضرب مثالا على هؤلاء سأعود بكم قليلا إلى أيام البرنامج سيئ الذكر (ستار أكاديمي)، و إلى الشاب السعودي (محمد الخلاوي). ففي الفترة التي كان فيها مرشحا للخروج من البرنامج، تجمع نفر من الشباب الذين يدرسون في سنتهم الأولى في الجامعة، هنا في جدة، وقاموا بطباعة أوراق، يشجعون فيها محمداً، ويحثون الناس فيها على التصويت له. و اتجهوا إلى شوارع جدة الرئيسية ومنها شارع (التحلية)، وهم يوزعون هذه الأوراق أو يرفعونها ليراها الناس. لم يكن هؤلاء الشباب، يعرفون (الخلاوي) وليست لهم به أي علاقة، ولن يستفيدوا أي شيء من فوزه أو خسارته. فلماذا أضاعوا أوقاتهم وأموالهم، في هذه الحملة الدعائية له؟ لسبب بسيط جدا، لأنهم شباب متفجر بالطاقة والحيوية، و يبحث عن قضية، عن شيء يدافع عنه، ويعيش من أجله. وتمثل هذا الأمر في تشجيعهم لابن بلدهم، حيث حولوا مشاركته إلى قضية وطنية.

هؤلاء يعانون فراغا فكريا رهيبا، ولا يوجد مكان يمكن أن يستقطبهم، وأن يشعروا فيه بأنه جزء من كل يسعى لهدف أسمى. فكما قلت سابقا، لا اتحادات طلابية، ولا جماعات فكرية، أو تجمعات ثقافية في جامعتنا، ولم يتم إشراكهم لا في الحوار الوطني، ولا الاستعانة بهم في مكافحة الإرهاب. فإذا تصورنا مجيء الإجازة، ومعها الفراغ، فإن هذه المشاعر الحائرة ستزداد.

وإذا كان هناك من الشباب من اختاروا عن وعي تضييع أوقاتهم فإن هناك فئات أخرى لم تختر هذا الوضع. فثمة فئة من الشباب الطيب الذي يحول موقعه الجغرافي، أو سوء حظه، في أن يلتحق بعمل ما، وفي الوقت نفسه لا يملك المال الكافي (وكلنا أدرى بالحال) للانتساب إلى أي معهد أو مركز تعليمي أو تدريبي، أو ناد رياضي. ولما كانت وسائل الترفيه وأماكنها شحيحة في بلادنا، لأن مفهوم رجال أعمالنا الخطير للسياحة، هو بناء فندق، أو مركز تجاري، فلنا أن نتخيل وضعهم، وإلا فوجود أماكن ترفيهية في الأحياء للشباب وأخرى للبنات ليس أمرا مستحيلا. فنقلا عن الـ"بي بي سي" العربية فإن مجمع الواحة بالخبر، والذي شهد الأحداث الأليمة يعد من أكثر الأماكن رفاهية بالمنطقة إذ تتوفر فيه " المطاعم ونوادي التزحلق على الجليد والصالات الرياضية وحمامات السباحة والمساحات الخضراء التي تتوسطها نافورات المياه بيئة مريحة تبعث في النفس الشعور بالسكينة والطمأنينة"، فهل يصعب توفير الشيء نفسه في الأحياء السكنية التي يقطنها المواطنون؟

هذه الفئات الأخيرة، كان يمكن أن تستفيد من المراكز الصيفية التي تقام في المدارس والجامعات، لأنها إما مجانية أو برسوم رمزية. وهكذا كانت هذه الفئة من شبابنا اليافع تستفيد من وقتها في صحبة طيبة، بالقراءة أو الرحلات، أو المشاركة في نشاطات مختلفة أو الاستماع إلى محاضرات مفيدة. وكانت هذه المراكز في الغالب تقام برعاية مدرسين أكفاء أفاضل، ممن يرون أن عملهم ليس مقتصراً على المادة العلمية، بل عندهم رسالة وهدف، وهو ربط العلم والدين والأخلاق معا، ولذلك قد يضحي بعضهم بإجازته محتسبا، وهو أمر لن يقوم به معلم يعمل فقط انتظارا للراتب آخر الشهر.

مازلت أذكر منظرا جميلا شاهدته في أبها البهية قبل سنوات، حينما كنا نستعد لركوب العربات المعلقة، كان هناك مجموعة من الفتية، عددهم في حوالي العشرة، ويتبعون قائدا شابا تبدو عليه سيماء الصلاح، وكانوا يبتسمون في وجوه الجميع، وهم ينشدون أناشيد جماعية جميلة، والسعادة تطفر من وجوههم اليافعة، ويبدو أنهم كانوا يتبعون ناديا أو مركزا صيفيا، وأن لديهم رحلة إلى هذا المكان الجميل.

بالطبع ليس كل القائمين على هذه المراكز على هذه الدرجة من الإخلاص والوعي والأمانة، وإن كانت النسبة الغالبية منهم كذلك، والوقائع على الأرض تثبت هذا. فلماذا إذن تتم معاقبة هذه الشريحة الكبرى من المربين الصالحين، بشذوذ فئة قليلة، عن طريق إلغاء المراكز الصيفية لهذا العام؟ ولماذا يعاقب الوطن، كل الوطن، ممثلا في شبيبته الصاعدة، التي تشكل أكبر نسبة من السكان، بجرائم الإرهابيين؟

إنني لا أستطيع بفهمي المتواضع أن أجد سببا مقنعا لإلغاء المراكز الصيفية للشباب! وهل خرج (خفافيش الظلام) الذين حولوا البلاد إلى ساحة رماية، من هذه المراكز، وهل وضعت الخطط في الندوات الدينية المعلنة للجميع؟ بالطبع لا، فعملهم يتم في سرية وخفية، وتحت أستار الظلام، لا يعرفهم أحد، ولا يستطيع حتى من يعرفهم أن يميز حقيقة عملهم وفكرهم، فهم ينتهجون نهج الحركات والمنظمات السرية، وعن طريق هذه السرية والإثارة الكامنة وراءها، يستقطبون الشباب الذي يحمل قلبا مؤمنا، وسريرة نقية، ليوهموه بأنه سيصبح مجاهد إسلاميا، وبطلاً وطنيا، ومخلصا سلفيا للأمة من الواقع المتردي الذي تعيش فيه. وطبعا حين لا يكون عند الشاب مرجعية، ولا ما يشغل نهاره وليله، فإنه سيستمع لهؤلاء.

لذلك فإن الخوف ليس من المحاضرات والخطب الدينية، والمدارس والمراكز الصيفية، والمساجد ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، التي تعمل في النور، وتعرف الدولة القائمين عليها، ولديها قائمة بأسماء الطلاب المسجلين فيها..كلا! الخوف من هؤلاء الذين يعملون في الظلام، ولا يُعرف لهم مكان أو زمان للالتقاء، والذين تكون قرارات منع المراكز الصيفية، قد قدمت شبابنا إليهم (بحسن نية) على طبق من ذهب.في الوقت الذي كان يمكن للدولة (وهذا من حقها) أن تستغل هذه المراكز لترسيخ الدين الصحيح، والتنفير من الإرهاب، حتى لو بأخذ الطلبة في رحلات لأماكن الخراب، ولزيارة الضحايا المصابين، وأسر الشهداء.الأفكار الخلاقة كثيرة وتنتظر من يكشف عنها، وكلها أمور برأيي أجدى من المنع.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply