استغلال العطلة الصيفية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين القائل: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد..

فإن المتأمل اليوم في أحوال مجتمعاتنا وأحوال شبابنا وفتياتنا وما ينتظرهم من وقت شاسع وفراغ فاجع يجد العجب العجاب في أحوالهم، فمنهم من قتله الفراغ فاتبع فج الشيطان فضيع زهرة شبابه وعمره في ظل بدايةٍ, عاقبتها وخيمة ومؤلمة.

أخي المسلم: إن الغزو الفكري متدفق في أوساط المسلمين بنجاح لما يرى من قبول وتأييد لأفكارهم، فتابع مشواره اليومي في كل دقيقة وثانية في سبيل ضياع شبابنا وفتياتنا في السوق الإعلامي والتجاري، فبدا في أوساط الشباب والفتيات، ثم ظهر للبعض في المدارس والمنازل حتى غرق كثير منهم في بحار الشهوات والشبهات التي أثارت النزاعات والخصومات وزعزعت الدين والتفرق والتحزب في أوساط المسلمين.

أخي المسلم: يجب أن نعرف ونفهم جميعاً - نحن المسلمين - الهدف من ذلك العيش في الحياة الدنيا وسبب تمسك السلف الصالح - رضوان الله عليهم - والتابعون وتابعيهم بهذا الدين وتقديمهم كل نفيس لأجله.

يجب أن نعلم أن المستقبل للإسلام وأن الغاية من العيش عبادة الله وتوحيده،.

فلا وقت أيها المسلم للفراغ فأعداء الإسلام يذودون عن عقائدهم الفاسدة وأفكارهم المسمومة وهم على باطل، فلماذا لا تعمل لدينك أيها المسلم وتذود عن قول لا إله إلا الله وأنت على الحق المبين؟

فمن أجل ذلك اقترحنا حلولاً وأعمالاً تستعين بها بإذن الله على قضاء وقت إجازتك بخير وسعادة وفائدة تشغلك عن الفراغ القاتل - إن شاء الله تعالى-، ومن لم يشغل النفس بالطاعة أشغلته بالمعصية.

ولا ننسى قوله - عليه الصلاة والسلام -: (وشاب نشأ في عبادة الله) ويعد من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

ونذكرك بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك) فنسأل الله الإعانة والتوفيق إنه سميع مجيب.

 

أسباب استغلال العطلة الصيفية:

وأسباب استغلال العطلة الصيفية تنقسم إلى ثلاثة أقسام هامة:

أولاً: استغلال الوقت:

إن الوقت الوافر والاهتمام به من أسباب استغلال العطلة الصيفية والاستفادة منها، والوقت ثمين في ذاته، يمر كمرور البرق في هذا الزمان ليقرب الساعة كما أخبر بذلك النبي - عليه الصلاة والسلام -.

وكان السلف الصالح - رضوان الله عليهم - حريصون على أوقاتهم، فتجد أحدهم يظهر العجل لضيفه، والآخر يعتزل أهله، ومنهم من يبكي ويندم على ما فات من عمره ووقته والأمثلة على ذلك كثيرة.

إذن أيها الأخ في الله: الوقت أمانة في أعناقنا، ونحن محاسبون على ما نصنع في أوقاتنا، مسؤولون عما فات منها، فضياعها سلبية في حياتنا وتأخر في مستقبلنا.

وينبغي أن نعلم أن الإسلام دين عمل، وحث على العمل، وعلى استغلال الوقت، وعلى استغلال الأنفاس، حتى قال - عليه الصلاة والسلام -: (إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها).

ثانياً: التفرغ

وكذلك التفرغ من أسباب استغلال العطلة الصيفية، وليس المقصود بهذا التفرغ التفرغ المستمر الذي به ضياع الوقت، وإنما أن تفرغ وقتاً من أوقاتك تشغله في برنامج معين في عطلتك الصيفية.

والتفرغ السليم في حياة المسلم لفائدة كبيرة يسيرة على مبدأ التنظيم الذاتي في حياته، ويعطيه تجديداً روحياً وفكرياً، ويكسبه الشغف للتقدم إلى الأمام.

أما الذين يشكون من الفراغ فإنما جاء هذا بسبب جهلهم لما يجب عليهم نحو دينهم وأمتهم وكذلك نحو أنفسهم وما ولوا، والمرأة إنما تشكوا من الفراغ عندما جهلت ما يجب عليها نحو دينها وأمتها وزوجها وأولادها، ولو علم كل واحد منا ما يجب عليه حقاً لما أحس بالفراغ والضيق والملل.

والفراغ إذا وجد خاصة عند الشباب غالباً فإنه يفسدهم لاسيما إذا توفر لديهم المال، ولذلك قال الشاعر:

إن الشباب والفراغ والجدة * * * مفسدة للمرء أي مفسدة

ثالثاً: الصحة

أما الصحة فتنقسم إلى قسمين هامين:

الصحة النفسية: وهذا هو حال المؤمن في حياته اليومية، صحيح النفس غير متوتر، صبور على البلاء والمحن، يحكم عقله فينظر إلى البلاء نظرة خير ورفعة مع الصبر والاحتساب، فقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو أعظم الناس بلاءً أول ما صبر عليه الدعوة إلى توحيد الله - عز وجل -، وتلقى بسبب ذلك السب والأذى والشتم وعداوة المشركين، ثم وفاة أحب الناس إليه خديجة - رضي الله عنها - ووفاة عمه أبو طالب وغير ذلك من البلاء الذي تلقاه - عليه الصلاة والسلام -، ومع ذلك أصبح أنجح رجل في هذه الحياة، ومنح شهادة من الرب - جل وعلا - على حسن خلقه حتى في الشدائد قال - تعالى -: (وإنك لعلى خلقٍ, عظيم).

وسئلت عائشة - رضي الله عنها - عن خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: (كان خلقه القرآن.

إذاً أخي المسلم: إن الارتقاء إلى سلم الهمم لا يكون إلا بالصبر والحكمة والحلم والأناة، وتلك الفضائل هي أعلى مراتب الأخلاق.

والصبر والحكمة والحلم والأناة هي أركان ذلك الحلم المخزون في العقل، ووسام يعلق في عنق صاحبه طوال عمره.

أما الصحة البدنية: فهي قدرة المرء على القيام بكل الأعمال البدنية البشرية بشتى أنواعها.

وهي هبة من الله - تعالى - للعبد إما أن يستغلها بخير فيؤجر، وإما بشر فيأثم.

تنبيه: ولا ننسى أخانا المعاق وكفيف البصر فإن لهم نصيباً من ذلك، فكم سمعنا عن قعيد كان منبراً من منابر الإسلام وعزاً سطره التاريخ طوال الدهر.

وكم من أعمى فقد بصره فاستبدل ببصيرته فكان أمة في العلم سامياً إلى العلياء.

فيا أخي الحبيب: يا من ابتليت بإعاقة أو كف بصر أو غير ذلك اقطع حبال اليأس وامضِ إلى العلياء وتذكر أن الله - عز وجل - سيرعاك.

 

الأعمال التي يتم بها استغلال العطلة الصيفية.

إليك أخي القارئ الأعمال التي يتم بها استغلال العطلة الصيفية.

* الالتحاق بحلقات القرآن الكريم:

ومن أعظم الأعمال وأجلها وأفضلها للاستغلال الاشتغال بكتاب الله - عز وجل -، والعمل به وجعله الاستغلال الأول عند التفرغ.

فحياة المسلم كلها قرآن، فبدونه لم نستمد العقيدة والتوحيد، ولن نعرف أصول الأحكام، وتطبيق الشريعة طوال الحياة، وبهجره تذل الأمة وتخزى وتهان، وتذوق المرارة طوال السنين.

والقرآن الكريم ذو نفع عظيم، ويحصل التلذذ عند سماعه وعدم الملل منه.

وقد ذكر ابن قيم الجوزية - رحمه الله - في كتابه الفوائد شروط الانتفاع بالقرآن الكريم فقال: (إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه، وألق سمعك واحضر حضور من يخاطبه - سبحانه -، فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله، فقال - تعالى -: " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد "، وذلك أن تمام التأثير لما كان موقوفاً على مؤثر مقتض، ومحل قابل، وشرط لحصول الأثر، وانتفاء المانع الذي يمنع منه، لذا فقد تضمنت الآية بيان ذلك كله بأوجز لفظ وأبينه وأدله على المراد) أ. هـ.

ثم إن حلقات القرآن لها فوائد عديدة سنذكر بعضها لمن رغب في معرفة حقيقتها:

1-         حلقات القرآن الكريم لا تقتصر على الحفظ فحسب، بل على الفهم والعمل والإدراك، وتطبيق القرآن على الأمور الواقعية في الحياة البشرية، فكل زمن له أجيال لهم طرق وأساليب في تعامل القرآن مع الواقع ويكون ذلك من منبع حلقات القرآن الكريم.

2-         حلقات القرآن الكريم تنمي العقل وتهذبه وتعطيه تصوراً مباشراً في رسم طريق المستقبل إلى الأمام، فتجد الطالب شغله الشاغل حلقات القرآن، فلا يجد وقتاً للفراغ أو التفرغ إلا في بعض الأحيان النادرة، فينتج عن ذلك سلوكه الأدبي والأخلاقي في التعامل مع النفوس البشرية عامة، ومع الأهل والأقارب خاصة. ووضعت هناك إحصائية عن كثير المتفوقين دراسياً فوجد أن النسبة الأكثر من المتفوقين هم أبناء حلقات القرآن الكريم، فطوبى لمن كان له نصيبٌ من حلقات القرآن الكريم، وطوبى لمن له بمستقبل زاهر يلامس عنان السماء.

* الالتحاق بالدورات واستغلال المواهب:

والالتحاق بالدورات واستغلال المواهب المفيدة في ذاتها هي أحد أركان استغلال العطلة الصيفية.

وكل إنسان في هذه الحياة يتمنى دائماً أن يصل إلى الهدف الذي يطمح إليه، سواءٌ كان خيراً أم شراً، وما أجمل المرء حين يدمج طموحه في مستقبل هذا الدين.

ومن كان لديه موهبة في مجال علمي، أو ثقافي، أو اجتماعي، أو إداري، أو عمل تجاري، فإما أن يزداد معرفة وخبرة بذلك بالالتحاق بدورة صيفية، أو قياس نبض الموهبة في تطبيق مجاله العلمي.

أيها الأخ في الله: ومما ينبغي أن نعلم أن الفراغ قاتل النفس، ووسواس العقل، وأن جليس السوء قاتل للحرية النفسية، ساحب إلى التهلكة والعاقبة الوخيمة، وإن أظهر المحبة والفداء، فكل ذلك يدخل في فترة وجيزة محدودة، فيطول الندم والبكاء، ولا ينفع الندم حين ذاك.

أخي في الله: إن عدم ذكرنا لجليس السوء والتحذير منه هو سبب معايشتنا لهذا الأمر الواقع الخطير بين شبابنا بل وفتياتنا خاصة في أوقات العطلة الصيفية، وسبب غفلة الأب والأم عن حراسة أبنائهم وبناتهم.

أيها الشاب المسلم: تذكر أنك مسئول عن كل وقت تقضي فيه حلالاً أو حراماً، وستقف أمام المولى - عز وجل -، تذكر أن الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، وأنه يسحب من عمرك شيئاً فشيئاً، ولا يعود إليك أبداً، تذكر أن المستقبل للإسلام، وأن العمل لغيره لا يرسم لوحة مشرقة مضيئة كمن يعمل للإسلام ويتفرغ للإسلام، ويقضي وقتاً للإسلام. ويموت ويضحي من أجل الإسلام.

هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،، º

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply