وجاء الصيف


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

إنَّ الحمدَ لله نحمدهُ ونستعينهُ ونستغفره، ونتوبُ إليه، ونعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفسنا، ومن سَيئاتِ أعمالنا، من يهديهِ اللهُ فهو المهتدي، ومن يُضلل فلن تجدَ لهُ ولياً مرشداً، وأشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ الله وحدهُ لا شريكَ لهُ في رُبُو بيتهِ وألوهيته، وأسمائِهِ، وصفاته، لهُ المُلك، ولُهُ الحمد، بيدهِ الخيرَ، وهُو حيُّ لا يَموت، وهُو على كلِّ شيءٍ, قدير، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسوله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- تسليماً كثيراً.

يقول - تعالى -: ((يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مٌّسلِمُونَ)) (آل عمران102).

((يَا أَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفسٍ, وَاحِدَةٍ, وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ أن اللّهَ كَأن عَلَيكُم رَقِيباً)) (النساء1).

((يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولاً سَدِيداً * يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِع اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظِيماً)) (سورة الأحزاب: 71).

 

أما بعد:

فأيٌّها المسلمون:

وجاءَ الصيفُ وجاءت معهُ مشكلاتٌ كثيرة، وظواهر خطيرة، جَلبَها الناسُ أنفسهم، فمنِ السفرِ إلى بلادَ الكُفرِ والضلال، إلى ما يحصلُ في السواحلِ والشواطىءِ، إلى ما يحصُلُ في الحدائقِ العائليةِ، إلى الجلُوسِ على الأرصفةِ إلى أخرِ الليلِ، إلى غيرَ ذلكَ من المُشكلاتِ والظَواهِرِ التي يُشاهِدها كلَّ أحد، ولعلي أتطرقُ إلى بعضِ هذهِ المُشكلاتِ فأُشِيرُ إليها إشاراتٍ, سريعةٍ, يسيرة، ابدأُ بهذهِ الظاهرةِ المُنتشرةِ، المتفشيةِ في ليالي الصيف، وهيَ خروجُ الأفرادِ والأسَرِ إلى الشَوارعِ وقوارعِ الطُرقِ، وهذا أمرٌ نُشَاهِدُهُ جميعاً في كثيرٍ, من الشُوارعِ، في طولِ المدينةِ وعُرضها، تجدُ تجمعاتٍ, من الأفرادِ أو تُكتلاتٍ, من الأُسرِ مصحُوبةً في الغالبِ بكثيرٍ, من المُنكراتِ الظاهرة، وهذا في الحقيقةِ يظنهُ بعضُ النَّاسِ يسيراً وهو أمرٌ عسير، ((وَتَحسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ)) (سورة النور: 15).

لأنَّهُ يُؤدِّي إلى مفاسدَ كثيرة، ويحملُ مَحاذيرَ خطيرة، وأنَا أُشيرُ إلى قليلٍ, منها.

أولاً: تحريمُ النبيِّ- صلى الله عليه وسلم - ونهيهِ الصريح من الجُلُوسِ في الطُرقاتِ كما ثبتَ عنهُ- عليه الصلاة والسلام - من قولهِ: ((إياكم والجلوس في الطرقات، قالوا: يا رسول الله مجالسنا ليس لدينا منها بد، فقال- عليه الصلاة والسلام - فإن أبيتم إلاَّ ذلك فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حقهُ يا رسولَ الله؟ فقالَ - عليه الصلاة والسلام -: كف الأذى، وغض البصر، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)).

فَفُهم من هذا النهيِّ عن الجُلوسِ على قارعةِ الطريقِ بحيث يكونُ الإنسانُ تحتَ مَرأَى الرائح والغَادِي، إلاَّ أن يُعطِي الطريقَ حقهُ، وهذا أمرٌ يكَادُ يُكُونُ مُستحيلاً، فإنَّ هَؤلاءِ الجَالسِينَ لا بصرهم غضٌّوا، ولا أذاهُم كفٌّوا، ولا بالمعروف أمروا، ولا عن المنكرِ نَهوا.

 

ثانياً: من المحاذيرِ ارتكابُ نهيِ النبيِّ- صلى الله عليه وسلم - عن الجُلُوسِ والحديثِ بعد صلاةِ العِشاءِ، فقد كان- عليه الصلاة والسلام - يكرهُ النومَ قبلها والحديثَ بعدها، ومعلومٌ أنَّ هذهِ المجالس تستهوي أهلَها تحتَ ظُروفٍ, مُناسِبةٍ,، كالجوي، والاجتماع، والحديث وغير ذلكَ، فيبقُونَ إلى ساعةٍ, مُتأخرة.

ثالثاً: وهو نومَهُم عن صلاةِ الفجرِ غالباً، ومعلومٌ أنَّ ما سَبَّب المفسدة فهُو مفسدة، وما جرَّى إلى الحرامِ فهُو حرام، يقولُ العلماءُ إذا كانَ سَهَرُ الإنسانِ في صلاةِ النافلةِ وقراءةِ القرآن، وطلبِ العلمِ سيُؤدِّي إلى تفويتِ صلاةِ الفجر، التي هِي الفريضةُ، فإنَّ هذا العلم وتلك العبادة حرامٌ على الإنسانِ، لأنَّها نافلةٌ تَسببت في ضياعِ فرضٍ,، فكيفَ بمن يسهرُ على المُحرماتِ والجلساتِ، وتكونُ الضحيةُ صلاةُ الفجر!

 

رابعاً: من المحَاذِيرِ أن هذا يُعد من خوارمِ المُروءةِ، وممَّا يُنافي الوقارَ والسمت الذي ينبغي أن يكونَ عليهِ المُسلم، وخُصُوصاً إذا كانَ الإنسانُ يأكلُ ويشربُ ويُمارِسُ التصرفاتِ على قارعةِ الطريق، فإنَّ هذا لا يليقُ بالمسلم.

 

خامساً: من المحاذِيرِ أنَّ هؤلاءِ في الغالبِ تَمتدٌّ أبصارهم إلى ما حرم الله - تعالى -، فكيف يغض بصره من جلس في مكانº النساء فيه عن يمينه وشماله، ومن أمامه وخلفه. والله يقول: ((قُل لِّلمُؤمِنِينَ يَغُضٌّوا مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُوا فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم إن اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصنَعُونَ)) [النور30].

وأخِرُ المَحاذِيرِ ما دأب عليه كثير من الآباء الذين فرَّطُوا في أسرهم، ألا وهيَ إخراجُ أهليهم ونساءِهم وبناتِهم من البيوت، حيثُ ينثرونهم في الشوارع والطرقات..ويا ليتهم يخرجونهم بعيداً عن مرأى الرجال ولكن وللأسف الشديد على الأرصفةِ تحتَ الأنوارِ الكاشفةِ، وأمامَ الغادي والرائح من الناسِ، إنَّهُ منظرٌ ما أبشَعَهُ، ومشهد ما أشنعهُ، أسر متجمعة ونساء متكتلة، تجاذب لأطراف الحديث، وشرب للقهوةِ والشاي، وطبخ ونفخ، والجلوس أمامَ التلفازِ، كلٌّ هذا أمامَ الغادي و الرائحِ من الناس.

 

أيٌّها المُسلمونَ:

وهذا أيضاً يُؤدي ويجرٌّ إلى مفاسدَ كثيرةٍ, وخطيرة، فمن ذلك:

أولاً: تجرأ الفتياتِ والنساءِ على التحلل والتبرج، و التبذل وكشفِ الحجاب، وإلقاءِ الثيابِ أمامَ الرجال، ومن هو السبب؟ إنه أبُوها الذي أخرجها أو زوجها الذي عرضَ لحمَها أمامَ الرجالِ الأجانب، على طُولِ الطريقِ وعُرضه، ولا شَكَّ أنَّ الفتاةَ أو المرأة تألفُ هذا الشيء، ولقد حدثني الأخوة العاملينَ في جهازِ الحُسبة أنَّهم رأوا بأعينِهم فتياتٍ, يتجمعنَّ على لعبِ الكُرةِ على قارعةِ الطريقِ أمامَ الناس!

ثانياً: ومن المفاسدِ أيضا، أنَّ هذا الذي يُخرجُ نساءهُ ويرضى بعرضِ لحُومِهنَّ أمامَ الرجال، قد تسببَ في فتنةِ الرجالِ ونظرهم إلى نساءهِ، فجرَّهم جراً إلى الفتنةِ، والله - عز وجل - يقول: ((إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ ثُمَّ لَم يَتُوبُوا فَلَهُم عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُم عَذَابُ الحَرِيقِ)) (سورة البروج: 10).

 

ثالثاً: ومن المفاسدِ أيضا، تسكٌّع الفتياتِ وتسيب النساءِ على الأرصفةِ، ممَّا يجعلهُنَّ عُرضةً للالتقاءِ بالشبابِ الصائدِ المتربص، فتحصلُ اللقاءات، ورُبما غيرَ ذلكَ من المفاسدِ التي تتبعُ ذلك، وإذا علمتَ أنَّ كثيراً من الأُسرِ إنَّما تخرجُ بصحبةِ السائقَ لا غير، هانَ عليكَ تصور هذا الأمر، وهذا ما جرَّ إلى مفاسدَ كثيرةٍ, وخطيرة، ألا فليتقي الله هؤلاءِ الآباءِ وهؤلاء الأزواجِ والأولياء، وليحفظُوا نساءَهم ولا يُعوِدُهُنَّ على الخُروجِ والتبذل، و إن كانَ ولابُدَّ فليخرجوا بعيداً عن الرجالِ، ليتقُوا اللهَ، فإنَّ اللهَ سائِلُهم عن مسترعاهم.

 

أيها المسلمون:

وهُناك ظاهرة تكثرُ وتبرزُ في ليالي الصيفِ، إلا وهي ما يحصلُ في الحدائقِ العائلية، والتي من أعظم سيئاتها الاختلاط، الذي هو بابٌ خطير، ودربٌ مُظلم ِإلى التحللِ و التفسخِ والانسلاخ، واللهُ - عز وجل - أعلمُ وأحكمُ حينما شرعَ لنا الأحكامَ، و التي هي بمثابةِ السياجِ الذي يحمي الحرمات، ويحفظُ العورات، فمن ذلكَ تحريمُ الخُلوةِ بين الرجلِ والأجنبية، ومن ذُلِك منع التقاءِ الرجلِ بالمرأةِ الأجنبيةِ واختلاطهما، يقولُ اللهُ - عز وجل -: ((وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ, ذَلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ)) (سورة الأحزاب: 53).

اللهُ أكبرُ يا أخوةَ الإسلام، لمنِ الخطابُ في هذه الآية؟ الخطابُ للصحابةِ، لأصحابِ النبيِّ- صلى الله عليه وسلم - خيرُ جيلٍ,، وأشرفُ رعيلٍ,، ولمن أيضاً؟ لأُمهاتِ المؤمنين، أزواجُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ,))، لماذا ربنا؟ قال - تعالى -: ((ذَلِكُم أَطهَرُ لِقُلُوبِكُم وَقُلُوبِهِنَّ)) أطهرُ لقُلوبِكم وقلوبهنَّ، فإذا كانتِ الفتنةُ تخشى على الصحابةِ وأزواجِ النبي- صلى الله عليه وسلم - فكيفَ بغيرهم وكيف بغيرهن؟!!

أيَّها الأخوةُ في الله: إنَّهُ ما على الشابِ إلاّ أن يحضرَ معهُ أي امرأةً، سواء كانت خادمةٍ, أو طفلة، لتكُونَ جوازَ عُبُورٍ, لهُ إلى هذا الحدائقِ العائلية، إذ يمتع طرفهُ، ويمتع بصرهُ بالمشاهدِ المُحرمةِ، بالأسرِ المُتقاربة، بل والمُتشابكةِ أحياناً، وبالفتياتِ والنساءِ الفاتناتِ الغادياتِ والرائحات، والمتسكعاتِ والمستلقياتِ على الفراشِ الأخضرِ.

إنها مأساة أرجُوا أن تتبعها صرخاتٌ من المصلحينَ والمُوجِهِينَ لتحذيرِ الناسِ من هذه الحدائقِ المختلطة.

أنَّها دعوةٌ للمسئولينَ وفقَهُم الله وأعانَهم، أن يُعالِجُوا أوضاعَ هذهِ الحدائق، بحيثُ لا يدخلُ لها إلاَّ النساء والنساء فقط، فإنَّ اللهَ - عز وجل - سائلٌ كلّ راعٍ, عن رعيتهِ، وسائلٌ كلٌّ أمينٍ, عمَّا أتمنهُ عليه.

ألا فاتقوا الله أيٌّها المُسلمون، اتقوا الله واحذروا عاقبةَ الترف، ألا فاحذروا عاقبةَ الترف، ألا فاحذروا التحللَ والتبرجَ والتفسح، الله الله بالأخلاقِ أيٌّها المُسلمون، الله الله بالنساءِ، الله الله بالمحارم، واللهِ إذا فسدتِ المرأةُ فسد المجتمعُ كُله، واللهِ الذي لا يُحلفُ بغيره، إنَّ فسادَ الأخلاقِ والقيمِ إنَّهُ حجرُ الزاويةِ، وحجرُ الأساسِ وبدايةُ النهايةِ لكلِّ أمة.

فإنَّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت *** فإنهم ذهبت أخلاقُهم ذهبوا

اتقوا الله أيٌّها المُسلمونَ في أخلاقِ المُسلمينَ وحُرما تهم، امنعوا نسائَكم من كلِّ ما يُؤدِّي إلى تبرجهنَّ سواءً كان عملاً أو دراسة، أو ترفيهاً أو ما شئتَ، اتقو الله فإنَّ الترفيهَ سببٌ في العُقُوبةِ العاجلة، يقولُ اللهُ - تعالى -: ((وَإِذَا أَرَدنَا أن نٌّهلِكَ قَريَةً أَمَرنَا مُترَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيهَا القَولُ فَدَمَّرنَاهَا تَدمِيراً)) [الإسراء16].

ويقول - عز وجل -: ((وَقَالَ المَلَأُ مِن قَومِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الآخِرَةِ وَأَترَفنَاهُم فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثلُكُم يَأكُلُ مِمَّا تَأكُلُونَ مِنهُ وَيَشرَبُ مِمَّا تَشرَبُونَ)) [المؤمنون33].

((وَقَالَ المَلَأُ مِن قَومِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الآخِرَةِ وَأَترَفنَاهُم فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثلُكُم يَأكُلُ مِمَّا تَأكُلُونَ مِنهُ وَيَشرَبُ مِمَّا تَشرَبُونَ * وَلَئِن أَطَعتُم بَشَراً مِثلَكُم إِنَّكُم إِذاً لَّخَاسِرُونَ * أَيَعِدُكُم أَنَّكُم إِذَا مِتٌّم وَكُنتُم تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُم مٌّخرَجُونَ * هَيهَاتَ هَيهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ * أن هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدٌّنيَا نَمُوتُ وَنَحيَا وَمَا نَحنُ بِمَبعُوثِينَ * أن هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحنُ لَهُ بِمُؤمِنِينَ * قَالَ رَبِّ انصُرنِي بِمَا كَذَّبُونِ* قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ, لَيُصبِحُنَّ نَادِمِينَ{40} فَأَخَذَتهُمُ الصَّيحَةُ بِالحَقِّ فَجَعَلنَاهُم غُثَاء فَبُعداً لِّلقَومِ الظَّالِمِينَ) [سورة المؤمنون41: 32].

ويقول - تعالى -: ((وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُترِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجرِمِينَ * وَمَا كَان رَبٌّكَ لِيُهلِكَ القُرَى بِظُلمٍ, وَأَهلُهَا مُصلِحُونَ * وَلَو شَاء رَبٌّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُختَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبٌّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُم وَتَمَّت كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَملأن جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ * وَكُـلاًّ نَّقُصٌّ عَلَيكَ مِن أَنبَاء الرٌّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الحَقٌّ وَمَوعِظَةٌ وَذِكرَى لِلمُؤمِنِينَ * وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ اعمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُم إِنَّا عَامِلُونَ * وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ * وَلِلّهِ غَيبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَإِلَيهِ يُرجَعُ الأَمرُ كُلٌّهُ فَاعبُدهُ وَتَوَكَّل عَلَيهِ وَمَا رَبٌّكَ بِغَافِلٍ, عَمَّا تَعمَلُونَ)) (سورة هود: 123-116).

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الذكرِ الحكيم، واستغفرُ اللهَ لي ولكم فاستغفروهُ فيا فوزَ المستغفرينَ والتوابين المتطهرين.

 

الخطبة الثانية:

 الحمدُ للهِ حمدا كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشكُرُهُ على إنعامِهِ، وأسألُهُ المزيدَ من فضلهِ وإحسانه، وأشهدُ أن لا إله إلاَّ الله وحدهُ لا شريكَ له، وأشهدَ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولهُ - صلى الله عليه وسلم - وعلى آلهِ وأصحابهِ وسلم- تسليماً كثيراً، أمَّا بعد:

أيٌّها المُسلمون: وجاء الصيف وجاءت فتنة العصرِ التي طالما حذَّرنَا منها، وحذَّرَ غيرُنا، إنها النافذة الواسعة، بل البوابة المشرَعة على المجتمعِ الغربي، إنَّها القنوات الفضائيةº الخطرٌ الداهم، و الجحيمٌ المُستقر، واجبٌ علينا أن نُكررَ التحذيرُ منها.

إنَّ العجبَ مع هذهِ الصيحاتِ التي بحَّت بها الحناجرُ مع أقلامِ الكتبةِ، مع خُطبِ الخُطباءِ، مع مُحاضراتِ المُحاضِرين، مع نُصحِ الناصحين، مع ذلكَ كُلِّهِ، فإنَّ كثيراً من المُسلمينَ أصبحوا يتهافَتُونَ على هذهِ البليةِ تهافتَ الفراشِ على النار، حتى إنَّكَ لترى بُيُوتاً إلى جوارِ المساجدِ لم يستحُوا ولم يخجلُوا أن ينصُبُوا هذه الدشوش سافرةً ظاهرة، من غيرِ حياءٍ, من اللهِ ولا من خلقه.

بل وصل الأمر وللأسف الشديد أن أصحاب العمائرِ يشتركونَ جميعاً في طبق واحد، بئسَ والله التعاون، بئسَ التعاون على الإثمِ والعُدوان.

 

وإنِّي أُحذرُ هؤلاءِ ألا يجلبُوا الشرَ والبلاءَ على أهليهم وبناتِهم، اتقوا الله فلا تفتحُوا بوابةَ الشرِّ ونافذةَ الجحيم، إلى الأسرِ المسلمةِ المُحافظةِ المتمسكة، آلا فليتقوا الله، لا يُخربُوا بُيوتَهم بأيديهم وأيدي الكافرين، ليتقوا الله فإنَّها والله دياثةٌ، والديوثُ من يُقرٌّ السُوءَ في أهله، وإن لم تكن هذه دياثةٌ فقل لي باللهِ عليكَ ماذا تكون الدياثة؟!! والنبيٌّ- صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يدخل الجنة ديوث)) ويقولُ - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثةٌ حرَّمَ اللهُ عليهم الجنة وذكر منهم الديوث)).

 

الديوثُ الذي يُقرٌّ السُوء والفُحشَ في أهله.

أيٌّها المُسلمون:

إنَّ الذينَ يُشاهِدُونَ هذه المصائبَ يخبرُونَنَا أنَّهُم يُشاهدون في تلك القنوات الرجلُ والمرأةُ كيوم وُلدا، فهل ترضونَ أن يُشاهدَ أولادكم وبناتكم هذهِ المشاهدُ؟!!

بأيِّ عقليةٍ, نُفكر، أم بأيِّ قُلوبٍ, نتدبرُ؟!! ماذا ننتظر؟! هل ننتظرُ أن يلجَّ الشرٌّ علينا بُيوتَنَا؟ أولا نرى أننا نُفتَنُ في كلَّ عامٍ, مرة أو مرتين، ثم لا نتوبُ ولا نتذكر.

 

أيٌّها المسلمون:

هل ننتظرُ حرباً مدمرة؟ هل ننتظرُ فيضاناً مُدمراً؟ هل ننتظرُ خسفاً؟ هل ننتظرُ بلاءاً؟ هل ننتظرُ ريحاً عقيماً؟ هل ننتظرُ عُقوبةً ساحقةً ماحقة، لا تُبقي ولا تذر، هل ننتظرُ يهُوداً أو نصارى يحتلونَ بلادَنا ويُقَسِمُوننا شيعاً وأحزاباً؟

لماذا لا نرجعُ إلى الله؟ لماذا لا نتوبُ إلى الله؟ ألا فاتقوا الله، أخرجوا هذه القنوات المُحرمة؟ أخرجوها من بُيُوتِكم فو الله إنني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ, أليم.

ويا أصحابَ العمائرَ إنَّ سفه هؤلاءِ الساكنونَ فلا تسفهوا أنتم، خذوا على أيديهم قولوا لهم إلم تُخرجُوها و إلاَّ فاخرجوا أنتم.

أيٌّها الأئمةُ، أيٌّها الصالحون، أيٌّها الجيرانُ، تعاونُوا جميعاً، زوروا هؤلاءِ، زوروهم في بُيُوتِهم، خَوِفُوهم باللهِ - تعالى -، وازجُرُوهم عمَّا هُم فيه من الإثمِ والعُدوان، إنَّها مسئوليةُ الجميع، فإن تَهاونَا، وقال كل واحد منا مالي وماله، فو الله إنَّها بدايةُ النهاية، ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعتَدُونَ* كَانُوا لاَ يَتَنَاهَونَ عَن مٌّنكَرٍ, فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ)) (سورة المائدة: 79، 78). اللهمَّ هل بلغت، اللهمٌّ فاشهد.

صلوا على نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، فقد أمرَكُم الله بذلك فقال - تعالى -قولاً كريما ولم يزل قائلاً عليماً: ((إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيماً)) (الأحزاب56).

اللهمَّ- صلي وسلم- وزد وبارك على نبيِّ الرحمة، وأرض اللهمَّ على أصحابهِ أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ, إلى يوم الدين.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply