بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أيها المسلمون: سنن الله في هذا الكون لا تتغير ولا تتبدل، ومن تلك السنن تعاقب الزمان، وتقلب الليل والنهار، بالأمس كنا في بداية العام الدراسي وفي لمحة بصر أو طرفة عين نصل إلى نهاية المطاف والناس على أحر من الجمر في انتظار نتائج أبناءهم.
أيها الأحبة في الله: يحسن بنا ونحن على أبواب الإجازة الكلام هذه الفترة الحرجة التي يمر بها الشباب من الجنسين، والتي تعتبر مفرق طرق، ونقطة تحول في انحراف الكثير من الشباب، فهم يتمتعون بقوة في أبدانهم، وصحة في أجسادهم، ونضوج في غرائزهم، تجتمع هذه كلها مع فراغ قاتل، وفكر هائم، يقول - عليه الصلاة والسلام -: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)) رواه البخاري من حديث ابن عباس.
أيها المسلمون: إن الشباب المسلم أحوج أهل الأرض إلى مربين أمناء، يدركون استغلال قوته في الخير، وتهذيب غرائزه فيما أباح الله، بلا تمرد ولا انزلاق.
وإن لم تجد هذه القوى وتلك الطاقات إن لم تجد عناية من المربين وتوجيهاً من الناصحين، فإنها ستكون عامل هدم، ومعول فساد في المجتمع، بحيث لايؤيهم إلا الطرق والممرات، فيزعجون ويضايقون، وتكون لهم الطرق مدارس شيطانية تعلمهم كل بذئ من القول وقبيح من الفعل.
ويزداد الأمر علة، والطين بلة إذا اجتمعت تلك الطاقات مع المثيرات للغرائز، الموقظة للفتنة النائمة، المهيجة لها عبر أفلام ماجنة، ومجلات فاسدة ودعايات مضللة، وتعظم البلية أيضاً إذا صاحب ذلك سفر إلى بلاد الكفار ليتلقفهم أهل الكفر بقضهم وقضيضهم فيفقدوهم خصائصهم الإسلامية، التي بها قوامهم، ومن ثم يميلون إلى جلب أسوأ ما عند غيرهم ممن يخالطونه في بلاد الكفار، أو في بلاد تشبهها، ويتوهمون أن كل ما عند غيرهم من أهل اللهو والغفلة، خير مما عندهم، قال رسول الله: ((أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. قالوا: يا رسول الله ولم؟ قال لا ترايا نارهما)) [رواه الترمذي].
ولست بحاجة والله يا مسلمون أن أفصل لكم أحوال تلك المصائف التي يقصدون، فما ظنك ببلاد تُعد الفاحشة فيها هي الأصل، والعفة شذوذ وتخلف، وما بالك ببلاد إذا لم تتخذ الفتاة عشيقاً لها بعد البلوغ فهي مريضة، وبحاجة إلى عرضها على طبيب الأمراض النفسية يدعوها إلى بذل عرضها لأول عابر سبيل تصادفه، لتنعم بالشقاء بعد ذلك، أما حانات الخمور ففي كل شارع، وناصية طريق.
وقد بلغت مصروفات الذين سافروا إلى عواصم العالم ومنتجعاته في عام 1417هـ (26) مليار ريال، فأين تصرف تلك الأموال؟ ومن المستفيد من هذه الأموال؟
أيها المسلمون: إن مرحلة الشباب من أخطر المراحل في حياة الناس، لأنها مرحلة قوة بين ضعفين، ضعف الطفولة، وضعف الشيخوخة، ولما كان الشباب من العمر وسيسأل الإنسان عن عمره، فإن رسول الله خص الشباب في قوله: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن خمس))، وذكر منها: ((وعن شبابه فيما أبلاه)) [رواه الترمذي].
ولذا على الشباب أن يدركوا أن حياة الإنسان أنفاس تتردد وتتعدد، وآمال تضيع إن لم تحدد، والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، بل الوقت هو الحياة، وكثيرا ما نسمع المثل المادي السائر، الوقت من ذهب..خابوا وخسروا بل هو أغلى من الذهب ومن كل جوهر نفيس أو حجر كريم، إن المرء يفتدى وقته بكل غال ونفيس، لأن الوقت هو حياته وعمره، فمن يفرط في حياته وعمره!؟
إن من أكبر علامات المقت إضاعة الوقت، إن من أمضى يوماً من أيام عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو علم اكتسبه، أو فعل محمود صنعه فقد عق يومه وظلم نفسه.
حرام والله حرام أن يعيش شباب في عمر الزهور عيشة الّلامبالي بوقته، فهو يقطعه باللهو الباطل، والأمر الحقير.
حرام والله حرام أن يألف شباب الأمة وهم أصحاء أقوياء النوم حتى الضحى أو ما بعد الضحى، تطلع عليهم الشمس وتتوسط في كبد السماء، وهم يغطون في نوم عميق، قد بال الشيطان في آذانهم، إذا قام أحدهم فإذا هو هزيل القوى، ثقيل الخطى، ضيق النفس كسلان. على حين تطلع الشمس على قوم آخرين من غير أهل الإسلام وهم منهمكون في وسائل معاشهم، وتدبير شئونهم، إن سنن الله يا مسلمون في كونه تأبى إلا أن يعطى كل امرئ حسب استعداده وجده وعمله.
فهل يليق هذا بأمة يا مسلمون خلقت لقيادة البشرية بأسرها! ووجدت لتكون شاهدة على الناس يوم يقوم الناس لربهم؟ هل يليق ذلك بأمة شرفت بحمل أعظم رسالة! وحملت أثقل أمانة! وأنيط بها أضخم مسؤولية، وأكبر تكليف!؟
ألستم يا شباب أبناء قوم كانوا على أوقاتهم أشد حرصا منهم على الدنيار والدرهم، هذا ابن مسعود يقول: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت فيه شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزد فيه عملي) ونُقل عن عامر بن عبد قيس أحد التابعين الزهاد: أن رجلا قال له كلمني، فقال له: عامر بن عبد قيس: أمسك الشمس. يعني أوقف لي الشمس واحبسها عن المسير حتى أكلمك، فإن الزمن متحرك دائب المضي.
وهذا الإمام أبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم يُباحث وهو في النزع والذِّمَاءِ[1] بعض عُوَّاده في مسألة فقهية، رجاء النفع بها لمستفيد أو متعلم، ولا يخلي اللحظة الأخيرة من لحظات حياته من كسبها في مذاكرة علم وإفادة واستفادة. لقد كان أسلافنا الأوائل يُسابقون الساعات، ويبادرون اللحظات، ضناً منهم بالوقت، وحرصاً على أن لا يذهب منهم هدراً. ولقد أورث ذلك نتائج أشبه بالمعجزات، وإذا بالإنجازات قريبة من الخيال، فحسبك منها حركة الفتوحات التي كانت على قدم وساق وخيول المسلمين التي أزكم أنوفها غبار المعارك وأعلى صهيلها الكر و الفر، فضلاً عن خطوات في تربية وإعداد النشء الجديد ناهيك عن وثبة بعيدة المدى في التصنيف والتأليف والابتكار هكذا كانت أحوالهم يوم عرفوا قيمة الزمن، وهكذا كانت إنجازاتهم يوم اتسعت مداركهم ونضجت عقولهم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
أيها الأحبة في الله: إذا كان هذا تاريخ أسلافنا الأوائل وهكذا كانوا.. فإننا مطالبون بالإقتداء بهم، وذلك باستثمار كل دقيقة وثانية من عمر الزمن نتقرب فيها إلى الله جل جلاله ونسابق إلى جنته وموعوده من خلال تربية ذواتنا، وإعداد الآخرين حتى تكون قادرة على العطاء بلا حدود.
آلا إن البدائل متاحة، والمجالات مفتوحة لاستثمار الوقت، وشغل الفراغ، فإليك أيها المبارك هذه الخيارات المتنوعة، والبدائل المتعددة لتختار لنفسك منها ما يناسبك ويلائمك.
أولاً: المراكز الصيفية التي تعتبر مراكز هامة لاحتوى الشباب وتصريف طاقاته فيما يخدم الأمة وينفعها في مستقبلها الجديد ففيها يتلقى الدروس التربوية، ويتعلم الشاب كيف يكون إيجابيا في خدمة أمته ومجتمعه، فضلا عن البرامج المفيدة لصقل المواهب وإنمائها، واستغلال القدرات وتوجيهها، ناهيك عن الرحلات التربوية، حيث الترويح البريء والمتعة المباحة فاحرص على المشاركة في برامجها الهادفة معلما أو متعلما.
ثانياً: حلق تحفيظ القرآن الكريم التي تعتبر مشعل هداية، ومحضن تربية، ومائدة من موائد القرآن التي ينهل منها الناهلون الآداب الفاضلة، والأخلاق الحميدة، والصفات العالية، وإن خير ما اشتغل به المشتغلون من أعمال القرب كتاب الله تعلما وتعليما، وذلك مصداقا لقول المصطفى: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه) [رواه البخاري]. وقال: ((أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)) [رواه أحمد].
ومن نعم الله - تعالى -على هذه البلاد كثرة حلق القرآن الكريم فاحرص يا رعاك الله على المشاركة فيها وإلحاق أبنائك في صفوفها.
ثالثاً: حلق الذكر ومجالسة العلماء، تلك المجالس التي تبحث عنها الملائكة الكرام.. تلك المجالس التي تحفها الملائكة، وتغشاها الرحمة، وتنزل عليها السكينة، ويذكر الله أهلها فيما عنده، وهذا لا يتعارض مع الإجازة، فقد كانت سياحة أسلافنا - رحمهم الله - في طلب العلم ومجالسة أهله فهذا الإمام الخطيب البغدادي - رحمه الله - يؤلف كتابا كاملا سماه (الرحلة في طلب الحديث) ويزداد عجبك حينما تعلم أن هذا الكتاب لم يضمنه مؤلفه إلا من رحل من أجل حديث واحد فحسب، فيا لسعادتنا والله حين ترتفع همم شبابنا إلى تلك الهمم، فتذهب تلك التصورات التي تعتبر الإجازة للهو وللهو فقط، وهذا خطأ فادح بكل المقاييس، ووهم خطير بكل المعايير.
رابعاً: اصطحاب الأهل في بعض الأحيان في نزهة برية، أو رحلة في ربوع هذه البلاد أو عمرة إلى بيت الله مع الاستفادة بقدر الجهد والطاقة من هذه الرحلات بالتوجيه السليم والمسابقات النافعة والتفكر في أرض الله وسمائه ومخلوقاته وعجائب صنعه - سبحانه - قال - تعالى -: ويتفكرون في خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك وإن المؤسف والله ما نشاهده من بعض الأسر في أماكن المنتزهات والسياحة من تبرج وسفور أمام مرأى ومسمع من أعين الناس بلا حياء وحشمة ولا وقار وعفة، وعلى أرباب الأسر ممارسة حق القوامة على أهلهم وبناتهم بالتي هي أحسن ومنعهم من ذلك بالتي هي ألين، وقاية لهم من النار، وحفظا لهم من أعين الأشرار، واستجابة لنداء ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى.
هذا وصلوا رحمكم الله على النبي الكريم والمرشد العظيم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد