بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله - تعالى -واعلموا أن الوقت الذي تعيشونه في هذه الدنيا لا يقدّر بالأثمان فإن النَفَس الواحد إذا ذهب لا يمكن استرداده، ولو بذلت من أجله جميع ما في الأرض من ذهب وفضة، فاغتنموا هذه الأنفاس فيما يعود عليكم بالنفع في دنياكم وآخرتكم، ولا تضيعوها باللهو والغفلة فتخسروا الدنيا والآخرة، فوالله الذي لا إله إلا هو إن أهل القبور يتمنون الرجعة ليستفيدوا من هذا الوقت الذي نضيعه على فراش الغفلة واللهو.
فهذا العمر الذي تعيشه أيها العبد هو مزرعتك التي تجني ثمارها في الدار الآخرة، فإن زرعته بخير وعمل صالح جنيت السعادة والفلاح وكنت مع الذين ينادى عليهم في الدار الباقية " كُلُوا وَاشرَبُوا هَنِيئَاً بِمَا أَسلَفتُم فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ [الحاقة: 24].
وإن ضيعته بالغفلات وزرعته بالمعاصي والمخالفات ندمت يوم لا تنفعك الندامة وتمنيت الرجوع إلى الدنيا يوم القيامة فيقال لك: " أَوَلَم نُعَمّركُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّـالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ, " [فاطر: 37].
أيها المسلمون، صحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن جسمه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به)).
فما بالنا نستثقل الوقت الذي يفيدنا، ونستخف الوقت الذي لا ينفعنا.
ماذا تقول أيها العبد المسكين، إذا سألك مولاك عن عمرك فيم أفنيته، سيسألك عن الساعات والدقائق من عمرك، أتراك تجيبه بأنك أفنيته بطاعة الله فتفوز بالنعيم المقيم أم تجيبه بأنك أفنيته بالسهر على ما حرّم الله.
أفنيته في مشاهدة مالا يحل لك في وسائل الشر والفساد وفي مجالس الغيبة والنميمة أم أفنيته في السهر على لعب الورق والملاهي وغيرها والنوم عن صلاة الفجر.
ماذا تقول أيها العبد المسكين إذا سألك مولاك عن مالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته أتراك تخبره بأنك اكتسبته من الحرام أم من الحلال؟ ماذا تقول يا من معيشتك من الربا؟ ماذا تقول يا من تعيش على الربا بعملك في البنوك الربوية؟ ماذا تقول يا من أنفقت مالك واستفدته من بيع آلات اللهو أو الدخان المحرم أو المجلات الخليعة المشجعة على معصية الله؟ ماذا تقول يا من أنفقت أموالك في شراء آلات اللهو وأشرطة الفساد، من أغاني ماجنة وأفلام خليعة.
ماذا تقول يا من أنفقت مالك على حلق لحيتك أو صبغها بالصبغ المحرم؟ ماذا تقول يا من أنفقت مالك في شراء المجلات الخليعة وشراء الدخان المحرم والمخدرات وغيرها التي تبعدك عن الطاعة واستعنت بنعم الله على معاصيه.
عباد الله، إن خيرات الله إلينا نازلة، وإن شرورنا إلى مولانا صاعدة، فتوبوا إلى الله عباد الله قبل أن يحل بنا غضب الله.
عباد الله، إن العمر هو أعز شيء لديكم فلا تضيعوه ولا تفرطوا فيه، روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن مجاهد قال: ما من يوم إلا يقول ابن آدم: قد دخلت عليك اليوم ولن أرجع إليك إلى يوم القيامة فانظر ماذا تعمل في، فإذا انقضى طواه ثم يختم عليه فلا يفك حتى يكون الله هو الذي يفك ذلك الخاتم يوم القيامة، ويقول اليوم حين ينقضي: الحمد لله الذي أروحني من الدنيا وأهلها. ولا ليلة تدخل على الناس إلا قالت كذلك، وقد كان عيسى - عليه السلام - يقول: "إن الليل والنهار خزانتان فانظروا ماذا تضعون فيهما" وكان - عليه السلام - يقول: "اعملوا الليل لما خلق له، واعملوا النهار لما خلق له".
وعن الحسن - رضي الله عنه - أنه قال: "ليس يوم من أيام الدنيا إلا يتكلم يقول: يا أيها الناس إني يوم جديد وإني علي ما يعمل في شهيد، وإني لو قد غربت الشمس لم أرجع إليكم إلى يوم القيامة، وعنه قال: اليوم ضيفك، والضيف مرتحل بحمدك أو بذمك".
أيها المسلمون، بمناسبة بداية العطلة الصيفية إننا بهذه المناسبة نوصيكم بتقوى الله - تعالى -، وحفظ أوقات هذه العطلة فيما ينفعكم في الدنيا والآخرة وإعطاء الجسم فيها قسطاً من الراحة الخالية من الإثم، وعليكم بملاحظة أولادكم وتوجيههم إلى استغلال هذه العطلة فيما يعود عليهم بالنفع ـ فالناس في العطلة ينقسمون إلى أقسام، فمنهم الرابح فيها ومنهم الخاسر ـ ((كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)).
فمنهم من يبقى في بلده يقضيها بتعليم أولاده القرآن الكريم ويحضرهم إلى المساجد لتلقي القرآن ويراقب حضورهم وغيابهم ويتعاهد حفظهم وتحصيلهم، ويلزمهم بأداء الصلوات الخمس مع الجماعة، فهذا قد نصح أولاده، وحفظ أمانة الله فيهم، وهو يسعى في إصلاحهم ليكونوا عوناً له في الحياة وخلفاً وذخراً له بعد الممات، قد قام بالواجب وبذل الأسباب والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
والبعض يقضي العطلة الصيفية بالسفر لزيارة المسجد الحرام والمسجد النبوي فيقضي أوقاته في الحرمين الشريفين بأنواع الطاعات. والصلاة الواحدة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة فيما سواه، والمسجد النبوي بألف صلاة، فهذا قد عرف قيمة الوقت ووفق لاستغلاله.
والبعض الآخر: يسافر لزيارة أقاربه وصلة أرحامه ويقضي العطلة معهم وعندهم يقر عينهم به ويؤدي حقهم عليه ـ فهذا مأجور قد استفاد من وقته.
والبعض الآخر: يسافر للنزهة في داخل البلاد وبين أظهر المسلمين يقضي وقته في ناحية من نواحيها محافظاً على دينه، فعمله هذا مباح لا لوم فيه.
والبعض الآخر: يقضي العطلة في اللهو واللعب وترك الواجبات وفعل المحرمات أو يسافر إلى البلاد الكافرة لينغمس في أوحال الضلالة ويتربى في أوكار السفالة، يقضي وقته بين لهو ومزمار، ولعب ميسر ومسرح وحانة خمر، وربما يصطحب معه نساءه وأولاده ليأخذوا حظهم من الشقاء فتخلع المرأة لباس الستر وتلبس لباس ذوات الكفر، فهذا الذي قد ضيع الزمان وباء بالإثم والخسران، وسوف يندم عن قريب إن لم يتب إلى ربه، فاتقوا الله عباد الله وتوبوا إلى الله.
اللهم وفقنا لاغتنام المهلة، واجعلنا ممن استفاد من وقته في طاعة الله، وأقول هذا القول وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين.
أما بعد:
أيها المسلمون، قد وجد في هذا الزمان أسلحة تستعمل لقتل الأخلاق والقضاء على الفضيلة وتحارب دين الله وتصدّ عنه وتجعل الرذيلة تحل محل الفضيلة، والمنكر بدل المعروف.
أسلحة صنعها الكفار ورمونا بها في بلادنا حتى تسللت إلى بيوت كثير من المسلمين. وصارت في متناول النساء والأطفال وسفلة الرجال ألا وهو جهاز استقبال القنوات الفضائية، ذلك الجهاز الخبيث الذي تعرض على شاشته أفلام الدعارة والمجون، أفلام الزنا واللواط، أفلام الرقص والاختلاط والأفلام التي تعلم السرقة والخيانة وممارسة الجريمة، أفلام تحارب الإسلام وتحارب أخلاق الإسلام، تعلم الأطفال رفع الصوت على الآباء والأمهات، أفلام تحارب أخلاق الإسلام وتهزأ بها، فها هي تصور تعدد الزوجات على أنه جريمة شنعاء، وتصور الحجاب على أنه مدعاة للسخرية والانتقاص، وتدعو النساء إلى نبذ الحجاب والتسمك بالسفور والتبرج.
أفلام تجعل من الساقط في المجتمع قدوة يقتدى به. فها هي تجعل المغني الخليع والممثل الساقط والممثلة والمغنية المنحرفة تجعلهم قدوة لأبنائنا وتفسد معنى البطولة في أذهانهم.
فالطفل الصغير حينما يسمع لفظ البطولة يسند إلى ممثل أو مغنٍ, أو ممثلة أو لاعب كرة ساقطين يراهم تسند إليهم البطولة وبالتالي يرى أن هذا المنحرف أو المنحرفة وصلوا إلى غاية ما يتمناه الإنسان ثم هو بعد ذلك يجعل أمنيته الوصول إلى هذا المستوى المنحرف فلا حول ولا قوة إلا بالله.
عباد الله، إن هذه الأجهزة الخبيثة تقضي على الأوقات التي نحن بحاجة إلى ثانية واحدة منها لعلها تنفعنا، إن هذه الأجهزة الخبيثة تقضي على الغيرة والحياء، وتجرئ على ارتكاب الفواحش والجرائم.
فيا من عافاك الله منها احمد الله واحذر أن تدخل بيتك، ويا من ابتليت به تب إلى الله وأخرجها من بيتك.
لا تفسد أخلاق نسائك وأولادك وجيرانك فتكون من الذين يحملون أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم.
أيها الآباء: إنكم أنتم المسئولون عن بيوتكم وما يجري فيها، إن أردتم السلامة من عذاب فطهروا بيوتكم من معاصي الله، طهروها من الأغاني والتمثيليات والصور بأنواعها، طهروها من الإثم لعلكم تنجون من عذاب الله.
عباد الله، إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِيّ يا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلّمُوا تَسلِيماً " [الأحزاب:56].
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد