بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه وبعد:
يحل علينا شَهرٌ عظيمٌ من الأشهر المباركة التي تستوجب على المسلم أن يتبصر من حوله جيدًا مراقبةً لله في السر والنجوى، ومراجعةً لحاله وحال الأمة من حوله، وما أحوج المسلمين اليوم في زمن عظُمت فيه المصيبة وحلَّت به الرَّزَايا، بين كرامة مسلوبة، وحقوق منهوبة، وأراضٍ, مغصوبة، وبنيان قد تفتت، وأمة قد أصابها الوهن، نتيجة لما اقترفت أيدي الناس، وما أحوج المسلم في هذا الزمان إلى مراجعة للنفس ومواطن الخلل ومواقع الزلل، لإصلاح ما فسد، ليكونوا وحدة كالجسد، ما أحوج الأمة إلى أن تراجع نصوص الكتاب والسنَّة، وما أجمع عليه سلف الأمة، لتفهم جذور المشكلات وأسباب الويلات والنكبات، ترجع إلى أهل العلم الثقات، نهوضًا بالمسئوليات والواجبات، بصدق لا يشوبه كذب، وإخلاص لا يخالطه رياء، وتجرد لا يتخلله هوى، وتوحيد لله لا يكدِّره شرك ولا شك، وهنا ندرك قول ابن القيم - رحمه الله -: «اعلم أن العبد إنما يقطع منازل السَّير إلى الله بقلبه وهمّته لا ببدنه، والتقوى في الحقيقة تقوى القلوب لا تقوى الجوارح وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: «التقوى ها هنا، وأشار إلى صدره». [أخرجه مسلم في البر (2564)]. فالكيس يقطع من المسافة بصحَّة العزيمة وعلوِّ الهمة، وتجريد القصد، وصحة النية مع العمل القليل أضعاف أضعاف ما يقطعُه الفارغُ من ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق، فإن العزيمة والمحبَّة تُذهِبُ المشقّة وتطيِّب السَّيرَ، والتقدم والسبقُ إلى الله إنما هو بالهمم وصدق الرغبة، فيقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير بمراحل، فإن ساواه في همته تقدم عليه بقلبه» اهـ [الفوائد].
عظم أسباب الاجتماع والائتلاف!!
إن الأعداء لم يفلحوا في النيل من الأمة إلا حين تفرقت وتمزقت، وهانت على نفسها، وضعُفَ تمسّكها بدينها، فالمعركة معركة فَناء أو بقاء، (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم (7) والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم) [محمد: 7، 8] وما وقع على ديار المسلمين وما يزال قائمًا من تآمر لقوى الشر على كل بقعة من بقاع الدنيا فقد تجمع قوى الشر ضد كل ما هو إسلامي يوجب على المسلمين أن يسلكوا سبيل الأخذ بأسباب القوة، وأعظم أسبابها الاجتماع ونبذ الفرقة والاختلاف، ومعرفة سنن الله في قيام الأمم وتعثرها ونهوض الدول وسقوطها، (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون (60) وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم (61) وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين (62) وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم (63) يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) [الأنفال: 60 - 64].
مجلس الأمن الأمريكي والتآمر الدولي!!
يحل علينا شهر شعبان فهيا شمروا عن سواعدكم فقد جاءكم شهر كريم نستلهم فيه الهمم ونوقظها موقنين أن عبادة الرحمن خير ناصر على الأعداء، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الله قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبٌّ إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأُعطِيَنَّهُ ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته». [البخاري 7316]
فينبغي للمسلم الذي يؤمن بالله ورسوله ويحب الله ورسوله أن ينظر للكافر على أنه عدو له مهما أظهر له من حلاوة اللسان ولين الجانب فإنه مخالف له في الملة والدين، ولن يتردد في التآمر ضده وإلحاق الأذى والضرر به. وقد وصف الله - عز وجل - المنافقين من الكافرين حيث قال: (يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم) [التوبة: 8]، وقال - عز وجل -: (هأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم) [آل عمران: 911]، وقال - سبحانه -: (وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ) [آل عمران: 911].
فلا ينبغي للمسلمين حكامًا ومحكومين أن يركنوا إلى كافرٍ, أبدًا ولا يأتمنوا كافرًا أبدًا، وعليهم أن يدرسوا تاريخهم ويتعظوا بما وقع عن قبلهم فإن التاريخ يعيد نفسه لأن سنن الله فيه لا تتغير ولا تتبدل. لكن المسلمين حينما تستحكم الغفلة على قلوبهم فتحجب بصائرهم، وتعمى أبصارهم خاصة إذا كانت أبواب السماء مفتوحة عليهم بالخيرات والنعم فإنهم غالبًا ما يغفلون، فتجدهم حينئذ وقد اتخذوا الخدم والحشم والأعوان من اليهود. والنصارى والمجوس وغيرهم من المخالفين لهم في الملة والدين وحينئذ تقع الكوارث والمصائب بالمسلمين على أيدي هؤلاء الأعداء الذين ركنوا إليهم واطمأنوا لهم، وائتمنوهم على أنفسهم وأسرارهم وقد قال - تعالى -: (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون)[هود: 311]
فسنن الله في الكون لا تتغير ولا تتبدل، وقد رأينا اجتماع أمة الكفر على الإسلام والمسلمين في كل موقف، وما وقع أخيرًا يؤكد ما قلناه سابقًا وعلى صفحات مجلة التوحيد إن أمة الكفر أمة واحدة مهما اختلف لونها، فها هو مجلس الأمن الأمريكي أثناء الأحداث الأخيرة في غزة وفي لبنان والتوافق الأمريكي الفرنسي أقصد التآمر لاستصدار قرار من مجلس الأمن الذي يأتمر بأمر رعاة البقر ومعاونيهم أقصد حلفاءهم أمثال بلير وغيره لتنفيذ الأجندة التآمرية الأمريكية التي تمسك بخيوطها وزيرة خارجيتها التي لم يهزها مئات القتلى من الأطفال والنساء والمدنيين العزل في كثير من المذابح التي ارتكبت على أرض لبنان بأيدي الصهاينة الجبناء أحفاد القردة والخنازير، وتعطي لهم المهلة ليلتقطوا أنفاس الهزيمة في الوقت الذي لم يجرؤ أحدهم على إصدار قرار من مجلسهم الأمريكي بوقف المذابح التي ترتكب ضد الشعب اللبناني، وضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية..بل جعلوا الفرصة للمدللين اليهود لإعادة الهيبة التي انكسرت، والكرامة اليهودية التي انداست وتمرغت في الطين رغم مؤازرة المتهاونين من أبناء جلدتنا، وصمتهم المميت حتى يتمكن خنازير اليهود من ارتكاب مزيد من المذابح والدمار والإبادة، علَّ ذلك أن يكون غطاءً لما وقع لهم على أرض لبنان وما لاقوه من مقاومة عنيدة من أبناء لبنان دفاعًا عن لبنان ضد عدوٍ, غاشم.
ورغم ادعاء الفرنسيين بما ادعاه الروس من قبلهم في الدفاع عن قضايا العرب والمسلمين ومؤازرتهم إلا أن المواقف والأحداث لم تثبت غير نتيجة واحدة ساطعة وهي أن الكفر ملة واحدة!!
القوة الإيمانية.. والتمسك بالدين طريقنا للنصر
وإذا كنا نستقبل شهرًا من الأشهر المفضلة عند الله - سبحانه - فعلينا باستقباله بما يرضي ربنا، عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان، فقال: «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم».
[رواه النسائي وصححه الألباني، صحيح الترغيب والترهيب ص 524]
والهداية إلى الإيمان مصدرها رب العالمين، هو الذي يوفق ويهدي من يشاء، بيَّن صراطه المستقيم، وفسر معاني دينه القويم، وهدى من شاء من عباده إلى اتباع صراطه المستقيم، والتمسك بدينه القويم فمصدر الهداية هو رب العالمين - سبحانه وتعالى -º ولذلك شرع لنا أن نطلب منه ذلك كل يوم: (إياك نعبد وإياك نستعين) [الفاتحة: 5]. فلننهل من هذا الشهر الكريم من فيض ما أعطاه لنا رب العالمين لنتقوى به فيزداد إيماننا بالصيام والصبر والمصابرة طريقًا للنصر الذي وعد الله به عباده المتقين، حتى يستشعر الإنسان حلاوة الإيمان ولن يكون ذلك إلا باتباع الطريق المستقيم الذي يوصلنا إلى هذه المنزلة الإيمانية عملاً بقول سيد الخلق أجمعين: «ثلاث من كنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكُفر كما يكرهُ أن يقذف في النار». [البخاري ومسلم]
وإننا وعلى مدى ثلاث وثلاثين يومًا هي عمر الحرب التي اشتعلت بين اليهود والمقاومة في جنوب لبنان، والتي كانت حربًا غير متوازنة بالمرة، فمن الناحية العسكرية والتكتيكية فإسرائيل تعدٌّ الترسانة العسكرية الخامسة عالميا، تنهار أمام حرب عصابات يقودها خمسة آلاف من قوات المقاومة المبعثرة في الجنوب اللبناني بالإضافة إلى ألف من القوات الخاصة الاستشهادية وهذا بيان للقوة العسكرية التي يمتلكها خنازير اليهود، والمقاومة في جنوب لبنان حسب ما جاء في مجلة جينزا العسكرية الأسبوعية ـ لندن:
ولعل ما وقع من أحداث ما زالت آثارها باقية تجعلنا نهب من غفوتنا ونرجع إلى ديننا، لنجابه أعداء الأمة بإيمان ويقين ثابتين بنص الكتاب والسنة وبفهم سلف الأمة ندعو الله العلي القدير أن يحفظ الإسلام والمسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد